أكثر من ساعة، وأنا أنتظر قدوم الحافلة رقم 27 بفارغ الصبر. مللت الانتظار، وسئمت الجلوس على المقعد المخصص لمحطة الحافلة. ولأنني كنت حريفا وفيّا للشركة الوطنية للنقل، كنت تراني دائما أقتطع البطاقة الأسبوعية، إذ أنني كنت أمقت "الترسكية" لأنني أعتبرها نوعا من السرقة، وأي سرقة، سرقة الأموال الوطنية. لقد أصبت بتوتر نفسي شديد ذات يوم، إذ بينما أنا في حيرة من أمري رأيت الحافلة الصفراء تطوي الطريق طيا، أخيرا جاء الفرج، وها أني ألمحها من بعيد وستنسيني مرارة هذا الانتظار العقيم بمجرد امتطائي لها. لكن ما كلّ ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. توقفت الحافلة بالمحطة، ولكنها لم تكن رقم 27 إذ كانت مخصصة للتلاميذ. وبعد دقائق قليلة أقبلت الحافلة التي طالما انتظرتها لكن بمجرد أن رأى السائق الحافلة المخصصة للتلاميذ راسية بجانب المحطة ظن أنها حافلة عادية فلم يتوقف وانطلق من غير أن يلتفت إليّ رغم أنني أشرت إليه بيدي هاتين راجيا منه أن يحملني معه إلى حيث المحطة النهائية 10 ديسمبر 1948. لكنه لم يبال فغضبت وزمجرت وتوجهت إلى سائق الحافلة المخصصة للتلاميذ وأعربت له عن امتعاضي الشديد لهذه الخدمات الرديئة لكنه قال لي بإمكانك أن تركب معنا. سررت بهذا القرار من قبل السائق وركبت أخيرا لكن ليتني لم أفعل. إذ رأيت عجبا، رأيت انحطاطا أخلاقيا من قبل الشبان والفتيات. فكان التحرّش الجنسي موجودا وأمام ناظريك والتدخين كذلك. سمعت كلاما بذيئا ومقززا يؤذي آذان السامعين حتى أن الربّ جلّ وعلا لم يسلم هو أيضا من السبّ والشتم من جانب التلاميذ المراهقين. قلت في نفسي ألا تعلم الشركة الوطنية للنقل بما يحدث من تجاوزات ومن تفسّخ أخلاقي في الحافلات الخاصة بالتلاميذ؟ ولِمَ لا يضمّ المسؤولون بهذه الشركة هذه الحافلات المخصصة للتلاميذ مع الحافلات العادية ألم يكن أفضل للركاب؟ فالتلاميذ، إناثا وذكورا حين يركبون مع غيرهم كالرجال والنساء والكهول والشيوخ يمنعهم حياؤهم بأن يفعلوا مثل هذه الممارسات المخلة بالآداب أمام أنظار الناس وبذلك نستطيع توفير مجموعة أخرى من الحافلات التي من شأنها أن تحل مشكل التنقل الذي بات يؤرق الناس، فالحافلة الخاصة تذهب ممتلئة وتعود فارغة، أما الحافلة العادية فتذهب ممتلئة وتعود ممتلئة كذلك وهو من شأنه أن يوفّر للشركة بيع للتذاكر أكثر مع التحكم في الوقود. فيصل البوكاري تونس