في إطار تعاطي النخب الفكرية مع مجريات الحراك الثوري الذي تعيشه بعض شعوبنا العربية، وسعيا إلى تأسيس وعيٍ بمكتسبات الثورة وبحث السبل الكفيلة بتحقيق أهدافها، انطلقت بأحد فنادق مدينة الحمامات التونسية فعاليات الندوة العلمية "الثورة والانتقال إلى الديمقراطية في الوطن العربي: نحو خطة طريق" التي ينظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية. وقد افتتح هذه الندوة رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي، الذي استهل كلمته في الحضور بالترحيب بجميع المشاركين في الندوة شاكرا لمنظميها اختيارهم تونس فضاء لاحتضان أشغالها، ومؤكدا على أنه يجد في هذا الاختيار ما يفيد بأن تونس قد خرجت من سياج الأشواك الذي كان يمنعها من التواصل الفكري والسياسي والاقتصادي والإنساني مع محيطها العربي والدولي واحتازت لها فضاء رحبا يتحاور فيه شعبها مع جيرانه ومع أصدقائه حوار الديمقراطية والحرية والدفاع عن الإنسان وضمان كرامته. وقد ركز في كلمته على مجموعة من المشاغل الوطنية التي تحتاج إلى كثير من الجهد والتبصر والتعاون الوطني وكذلك مع الأصدقاء حتى تجد سبيلها إلى الحل وتحقق أهداف الثورة. وقال إن الشعب التونسي قد استخلص درسا هاما من الاضطرابات الأمنية التي كانت تسود البلاد قبل الثورة فعمل على ضرورة المحافظة على مؤسسته الأمنية وتطويرها من خلال التحول بها من مؤسسة خاصة بخدمة حزب حاكم وفرد حاكم إلى مؤسسة جمهورية منحازة إلى الشعب تحميه في البدن والعرض والمال والوطن. وأثنى في هدا السياق على المؤسسة العسكرية التي قال بشأنها إن مجريات الثورة التونسية كشفت أن لتونس مؤسسة عسكرية وطنية تعرف مسؤولياتها وتحرص على إنجازها بكل أمانة وصدق، فقدمت بذلك أجمل صورة عما يمكن أن تكون عليه المؤسسات العسكرية المنشودة في بعض أقطارنا العربية التي حققت ثوراتها. وأثنى رئيس الحكومة التونسية على نجاح الشعب التونسي في إنجاز أول انتخابات حرة وشفافة في تاريخه السياسي، وهي الانتخابات التي أسفرت عن قيام حكومة وطنية ليست فيها غلبة لحزب دون آخر ولا لفئة دون أخرى بل هي حكومة كل المواطنين تسمع جيدا حاجاتهم وتعمل على تحقيقها بأفضل السبل وفي أفضل الآجال. وختم الجبالي كلمته بالتأكيد على أن تونس محتاجة اليوم، لإنجاح انتقالها الديمقراطي، إلى إجماع وطني يغلّب المصالح العليا للبلاد ويزيد من تسهيل التواصل بين الحكومة والشعب ويستفيد من جميع خبرات المواطنين بعيدا عن الانتماءات الحزبية. ومن اللافت في كلمة الدكتور خير الدين حسيب، رئيس اللجنة التنفيذية في مركز دراسات الوحدة العربية، إصراره على القول بأن ما حدث في بعض أقطارنا العربية لا يجوز أن نسميه ثورات، لأنه يفتقد لمقومات الثورة في مفهومها المتعارف عليها، وإنما هو انتفاضات شعبية ساعد على ظهورها استفحال الحيف الاجتماعي والظلم السياسي وتفرد فئات معينة بالسلطة والمال ما ساهم في ظهور الثراء الفاحش إلى جوار الفقر المدقع. ولاحظ الدكتور حسيب أن ما أنجزه الشباب العربي في ميادين التحرير يُعد فاصلة متميزة ستسم هذا ملامح هذه الفترة الجديدة من تاريخ الشعوب العربية بل وتاريخ الإنسان عامة. ذلك أن فجئية هذه الانتفاضات وسلميتها والمشاركة الشعبية الواسعة التي احتضنتها تمثل كلها علامات مائزة في الحراك الوطني العربي لم نشهد لها مثيلا خلال ستينات القرن الماضي أثناء المقاومات الوطنية للاستعمار.