استصرختني امرأة مهاجرة سودانية مسلمة تعرفني وزوجتي تعرفها – فقد كانت جارتنا بمدينتنا القديمة هلستبرو باليولاند هنا في الدنمارك – أن افعل شيئا يا أبا معاذ!... أكتب عنّي وقد رُميت للذّئاب تنهش لحم عائلتي حتّى تكسّر منها العظام!... تفتّتها!... عسى أن يقرأ ما تكتب يا عبدالحميد من يهمّه الأمر فيبادر بتدارك الأمر!... مأساة حقيقية تعيشها هذه الأخت في بلاد الرّفاه وحقوق الإنسان: فزوجها قد اختار لنفسه زوجة وطريقا!... والولد الأكبر قد فشل في المقاومة (مقاومة ما أحدث فراق والده فيه) فأسلم نفسه إلى وسائل تردي متّخذها في عالم الخسران والنسيان!... والولد الصغير وقد بقي بجانب الأمّ يؤنسها قد أحسّ بالمسؤولية – وهو لم ينضج بعد لتحمّل المسؤولية - فحاول مساعدتها في تربية أختيه لولا غياب حكمة عنده دفع البنتين إلى اشتكاء سيرته لدى المدرسة!... عبدو – كما ينادونه، وهو عبدالله – يضرب أختيه يزعم بذلك إصلاحهما وتربيتهما!... يأتي يوم الإربعاء ثقيلا بائسا لاإنسانيّا فيخطف أحدُهم البنت الصغرى من مدرستها – تقول الأمّ – ثمّ تنفي المدرسة معرفتها بوجهتها ولا بهويّة محوّل البنت عن وجهتها!... ثمّ وبعد ستّ ساعات تقريبا تزور الشرطة الأمّ في البيت ليس لإخبارها بوجود آثار بنتها القاصر (إسراء) ولكن لتطالبها بتسليم ما تبقّى عندها من فلذات كبدها!... تحاول الأمّ المسكينة الاستماتة في الدّفاع عن دمها ولحمها وكيانها مانعة الأعوان الستّة من دخول بيتها ولكنّها تفشل، فقد تمكّن بعضهم من تسوّر البيت من الخلف واستدراج البنت الثانية (أميرة)!... لتنتبه فيما بعد إلى أنّ عبدو (مؤدّب البنتين) قد غاب هو أيضا باتّجاه المجهول!... وإذن فقد باتت أمّ محمّد المتزوّجة أمّ الولدين والبنتين في لحظة زمن وجيزة جدّا ودون سابق إعلام أو إنذار أو اتّفاق طليقة بلا أنيس ولا بنت ولا ولد!... حصل لها ذلك – يا للهول – "محافظة" على بنتيها!... لو صحّ الخبر؛ فقد بات رجل الأمن الذي أمّنّاه على أنفسنا وأبنائنا وممتلكاتنا مصدر خطر وإرهاب وترويع!... لو صحّ الخبر؛ فقد باتت "الإنسانيّة" عدوّة الإنسان والإنسانيّة!... لو صحّ الخبر فقد وجب الصمت على دول عابت على بشّار مجازره اليوميّة الوحشية المقترفة في سوريّا، فقد جارَوْه أو هم تفوّقوا عليه في الوحشية!... إذ كيف تُحرم أمّ وحيدة فلذات كبدها باسم حمايتهم من ظروفها؟!... كيف لا يُسمع لصراخها واستغاثتها واستعطافها؟!... كيف لا تُراعى فيها أمومتها ولا يُراعى فيها ضعفها ولا وحدتها ووحشتها؟!... إذا كان عبدو "معتديا" على البنتين (أختيه)، فقد كان يسع الشرطة وأعوان البلديّة والمرشدين الاجتماعيين الاكتفاء بالاحتفاظ به هو لإصلاحه وتوجيهه بدل أن يقع السطو واختطاف بنتين قاصرين مسلمتين قد يتناولهما الإهمال باسم العناية أو يتناولهما التمجيس باسم "الإنسانيّة" و"حقوق الإنسان"!!!... صرخة أرفعها عالية بحنجرة الأمّ المكلومة بل الذبيحة؛ راجيا أن تبلغ الآذان والقلوب ويسمعها، كلّ الآباء والأمّهات الوافدين كي يعتنوا كثيرا بتربية أبنائهم ذكورا وإناثا ويقوّوا عودهم كي يصمد أمام الرّياح العاتية في الأرض العراء!... كي يكونوا متعايشين مع المجتمع محافظين على خصوصياتهم مضيفين إليه منمّين مرقّين؛ ولا يكونوا مجرّد منصهرين في المجتمع تافهين مضيّعين لأبنائهم وبناتهم، فإنّه ما عظم ذنب عظم تضييع الأبناء والعيال!... كلّ الأبناء والبنات الذين تعلّموا في هذه البلاد كيف لا يطيعون آباءهم وأمّهاتهم، فيعملوا على ألّا يُطيعوا أو لا يتّبعوا من يحاول أن يكرّه إليهم آباءهم وأمّهاتهم؛ فإنّه لا حضن أدفأ من حضن الأمّ ولا قلب أوعى وأصلح من قلبها ولا محيط أأمن وأحفظ من محيطها وإن بدا للنّاس قصورها أو تقصيرها أو قسوتها!... وإنّه كذلك لا يُؤمن على بلاد - مهما كانت تلكم البلاد – ممّن عقّ أمّه وأباه وإن بلغت "وطنيته" الآفاق!... كلّ حكّام العرب والمسلمين الظالمين الفاسدين الذين أجبروا أهل بلدانهم على الهروب بعيدا بعيدا بعيدا حتّى ما عادت الأرض تحفظ لهم فلذات أكبادهم!... ليعلموا أنّ كلّ ذلك إنّما هي أوزار تضاف إلى أوزارهم يحملونها على ظهورهم وأثقالا أخرى مع أثقالهم!... كلّ المسؤولين المحلّيين في البلديات الدنماركيّة، كي يراجعوا طُرق إرشادهم؛ فإنّه ما أرشد من شرّد العائلات وفرّق الشمل وأبكى القلوب وأدمع العيون وأفقد الأمان وأظلم على النّاس دنياهم!... كلّ السياسيين وأصحاب القرارات في الدنمارك وفي الاتّحاد الأروبي كي يراجعوا هذا الإجراء البربري اللاإنساني العار؛ والمتمثّل في حرمان الوالدين ولدهم بحجّة نقص أو عدم أهلية الوالدين كليهما أو أحدهما للتربية، لأجل ضربة أو صفعة أو تعنيف لفظيّ وجب لتقويم اعوجاج في الولد أو في البنت!... وليعلموا أنّه ما صلح من سكت على افتكاك ولده منه؛ فإنّ امرئا رضي لأبنائه ولا سيما بناته القاصرين العيش بعيدا عنه لهو امرؤ ميّت عديم الجدوى في المجتمع!... وليعلموا كذلك أنّ الذي لم ينتبه إلى حال الأم أو الأب المسلوب ولده ولم يراع آمالا بنيت قبل الزواج ثمّ كبرت بتحقيق الزواج ثمّ ثبتت بقدوم الأبناء بعد الزواج لهو مخلوق من خارج صنف البشر لا علاقة له بالإنسانيّة ولا يحقّ له الحديث عن حقوق الإنسان ومتعلّقاتها ما حيي!... في الختام أرجو ألّا تكتفوا بسماع هذه الصرخة ولا بالوقوف عند المصطلحات التي كتبت بها - فلعلّ شعور الأبوّة قد أنطقني بما لا يناسب اللغة الدبلوماسية؛ لاسيّما وأنا في البلاد لاجئ مستنصر بأهلها – ولكن أن تمرّوا إلى التنفيذ فتنقضوا إجراء أراه ضدّ الإنسانية وتنقذوا أمّا أراها قد لاذت بكم من أجل "الإنسانيّة"!... الدنمارك في 20 فيفري 2012