أمّ بلال أختنا أمّ بلال أخت كريمة وزوجة أمينة وأمّ مربّية بذلت كلّ ما تستطيع لمحاربة التطبيع مع الواقع المعيش المُفنِي، المُذهِب للدّين وللذّات وللهويّة، تونسية تعيش وعائلتها بالدّانمارك التي قبلتها لمّا أخافها أهل بلدها(*). وهي تتعرّض هذه الأيّام إلى امتحان صعب للغاية بسبب ما أصابها من ذلك المرض الخبيث الذي استطاع الخنوس في جوفها مدّة طويلة قبل أن تنتبه إليه بعد أن تمكّن منها – حسب الأطبّاء – وانتشر بشكل جعل بدنها القويّ يعقد رباطا وثيقا مع النّحول المستمرّ المؤثّر على نفسها... يلتفّ حولها الآن أخواتها المغتربات – وهنّ قلّة في مقاطعتها - يواسينها ويحاولن إخراجها من ألمها ومن الدّنيا لتعيش راحة الإيمان وسعة الآخرة التي لولاها ما استطاب مؤمن حياة، ويفعلن ذلك - دون منّ – قياما ببعض الواجب، سيّما والأخت أمّ بلال قد ابتليت كذلك بفشل زواج ابنتها البكر... ذلك الزواج الذي لم يعمّر إلاّ بعض أيّام ختمها أبغض الحلال بقسوة نادرة صنعتها – ربّما - الأنانية والأثرة، دون مراعاة لظرف أو قرابة أو تعارف أو تاريخ، ودون فهم لمعنى الزواج ولا لترغيب الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم فيه!... اضطرّت أختنا أمّ بلال إلى أن تُنقل إلى المستشفى بصورة استعجالية البارحة الجمعة 14 نوفمبر 2008، وهناك احتفظ بها إلى الآن كي تظلّ تحت العناية الطبيّة، وقد رفضت إدارة المستشفى السماح لابنتها أو لإحدى الأخوات المرافقات بالمبيت معها، رغم الحاجة بل الضرورة لذلك: فأمّ بلال ترغب في وجود أحد من أهلها (وأخواتها من أهلها) لتذكّرها دائما بالله وتحدّثها عن الآخرة، غير أنّ القوانين لا تمكّن من التواجد على الأقلّ في هذه الأثناء، إذ الإطار الطبّي الساهر يتكفّل بكلّ الخدمات... نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل أختنا بعفوه وأن يشفيها شفاء عاجلا لا يغادر سقما وأن يحييَها حياة طيّبة، رحمة ورأفة بأحمد ابنها الصغير وبسارّة ابنتها القاصرة بسبب الإصابة بمرض مصاحب، وأتمنّى أن يرفع كفّيه بالدّعاء لها كلّ من قرأ عنها هذا الخبر، فعسى الله أن يجعل من أمّة محمّد الكريم مستجابَ دعوة!... منية وأمّا منية، فقد ابتليت هناك في أرض آبائها وأجدادها، أرض الصحابة الفاتحين، أرض تونس عقبة والزيتونة والعلماء الفطاحل الأفذاذ من السابقين واللاّحقين، بسجن زوجها عبدالحميد مدّة لا يفوقها في الطول إلاّ تواجد "السجّان" على عتبات السجون وفي الزنازين وفي غرف البيوت وأمام بوّابات المدن وحول أسيجة الحقول والمزارع وفي صفحات الدفاتر والكرّاسات المدرسيّة (فقد نافس "السجّان" هناك الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، حتّى ليكاد يتواجد في كسرة الخبز التي نسرّبها وقطرة الماء التي نتجرّعها(**))... ثمّ بعد أن منّ الله عليها وعليه بفكّ القيد على تلك الحالة التي أطلق عليها أغلب إخوته، ظلّ عبدالحميد مطاردا مراقبا محاصرا بشكل لا يرغّب أبدا في عشق تلك الأرض التي قبلت أن ترتع فيها محدثات "تغيير" أتى على الأخضر واليابس... تستصرخ منية النّاس فتقول: "إن زوجي في خطر محدق فأدركوه... إني أخشى حقيقة أن يقع التخلص من زوجي بطريقة أو بأخرى... إني في الوقت الذي كنت انتظر من السلطة أن تتحمل مسؤوليتها في معالجة زوجي الذي أصيب بمرض خبيث نتيجة للإهمال الصحي والإقامة الرديئة حسب ما ثبت في تقارير الأطباء، ها هي تسعى للتخلص منه....لماذا يتسلل هذا العون إلى الغرفة بعد خروج زوجي من غرفة العمليات وهو فاقد للوعي؟ ماذا يريد أن يفعل؟ وكيف يتجرأ على الدخول إلى مكان يمنع على أشقاء زوجي من دخوله؟؟ ماذا يدبر له؟؟...
نعم، فقد أصيب عبدالحميد الجلاصي بالمرض الخبيث نتيجة سوء المعاملة وغياب المراقبة الصحّية، حتّى إذا تبدّلت الحال قليلا وخضع لعمليّة قالت عنها منية أنّها بإذن الله ناجحة لو تركوه وحاله، تدخّل البوليس في "الصحّة" وفي وزارة الصحّة وركب على وزير الصحّة يخبره بضرورة مراقبة وزارته من أجل صحّة وانتعاش مجتمع بوليسي فاسد متقاطع متدابر بشع لقيط... وعليه فالأمر – كما قالت منية – خطير جدّا ولا بدّ أن تبادر الوزارة بالقيام بدورها الإنساني المحارب حتما لتواجد أعداء الإنسانية فيها، من أمثال هذا الجلاّد الذي يمنع حتّى من تواجد الملائكة عند رأس المريض... ولتَحفِظْ الوزارة من أناس لا يدينون بالإسلام عنايتهم بالمريض وخدمة إنسانيته بعيدا عمّا يحويه قلبه أو يخمّن به عقله أو يوصي به دينه، ولتفعل مع عبدالحميد وغيره من المرضى ما فُعل بأمّ بلال في بلاد إقامتها الدّانمارك...لا بدّ أن يساهم الجميع في إشاعة السلم الإجتماعيّة، وأوّل بوادر هذه السلم استدعاء الشرطة للقيام بدورها في حماية المجتمع بدل انصرافها الآن إلى خدمة وحماية ثلّة جرّت النّاس حتّى إلى قتل أمّهاتهم(***)!... اللهم فرّج عن أمّ بلال ومنية وعبدالحميد وعن كلّ مرضانا ومرضى المسلمين وعاجلهم يا ربّي بشفاء لا يغادر سقما... (*): تمكّنت وبعض أبنائها من زيارة البلاد أكثر من مرّة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة... (**): نسرّب ولا نأكل لأنّ التونسي مراقب في مساعدة أهل الانتماء ومهدّد بالانتقام إن هو فعل ذلك، ونتجرّع ولا نشرب لإنّ غصصنا ليست هيّنة، وتكاد تذهب بالأنفاس!... (***): أقدم شاب في الثلاثين من العمر على قتل والدته ذبحا بالسكين.... بنزرت (60 كلم شمال العاصمة) أمس الأربعاء 12 تشرين ثاني (نوفمبر) الجاري... وبيّنت التحقيقات أنّ المتهم ربّما يشكو من مرض عصبي وقد طالب والدته الأرملة بمبلغ مالي لم تمكّنه منه فأجهز عليها.(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 13 نوفمبر 2008)