قسّمت أخت كريمة انتقدتني، أن الفتيات والسيدات غير المحجّبات إلى قسمين منهن من لا تنكر تعاليم الدين الإسلامي وتقول عنهن " ربي يهديني...سأتحجب يوما...سوف أصلي...أعلم أنني مخطأة" وهذه يجب أن ننصحها باللين والحكمة والموعظة الحسنة وأخريات تنكرن تعاليم الدين الحنيف معتبرة أن مثل هذه التعاليم ضربا من التخلف، ولم تكتف بذلك بل تحقد وتضمر حقدا دفينا على كل من ينتسب إلى هذا الدين. وترى الأخت الفاضلة أن أمثال وأشباه هذا النوع من النسوة هن من أعداء المسلمين ويستجوب على الأخوات عدم صحبتهن والحذر منهن. معللة مداخلتها بالآية الكريمة :" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) الفرقان. وكذا ساندت الأخت فتحية حفيان. أختي في الله سعدت كثيرا، فرغم أننا في زمن الفتن التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم كقطع الليل المظلم إلا أنّ هنالك فتيات ونسوة في تونس متفقهات بأمور دينهن وتسعين لإرضاء ربهن حتى وإن كلّفهن ذلك القطع مع الروابط والعلاقات الاجتماعية، لكنني مع هذا اختلف معهن، إذ لا يختلف اثنان في أن الحب في الله والبغض في الله هي من أوثق عرى الإيمان. ومع هذا فأنا أعتقد أن الإسلام سمح يجمع ولا يفرّق ويدمج ولا يشتت، وقد قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". وروي أن نبي الله موسى بن عمران ألقى خطابا لبني إسرائيل يوما، فقال لهم إن الله سوف يمنع عنا القطر في عامنا هذا" فما كان عليهم إلا أن تكاتفوا في ما بينهم وتقاسموا مؤنهم ثم بعد ذلك أنزل الله عليهم الأمطار. فاستغرب بنو إسرائيل من نزول الأمطار والحال أن نبيهم أخبرهم بالقحط، فسألوا موسى عما حصل الذي بدوره سأل ربه. فقال له المولى جل وعلا "رأيتهم تراحموا وأنا الرحمان الرحيم". أسألك أختي الفاضلة أرأيت لو أن هذه الفتاة أو السيدة غير المحجبة المعادية للإسلام والمسلمين شاهدتها تُحرق كما سبق وأن حُرق محمد البوعزيزي من قبل ماذا عساك تفعلين؟ بالتأكيد سوف لن تبقين مكتوفة الأيدي، وتسعين بكل ما أوتيت من جهد لإطفاء هذا الحريق، هذه نار الدنيا فما بالك بنار الآخرة التي أوقدت ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقدت ألف سنة حتى احمرت ثم أوقدت ألف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة. فالنبي محمد صلوات الله وسلامه عليه الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فعلى الرغم من إيذاء قومه له إلا أنه كان يدعو "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". فلمّا أوذي هذا النبي الكريم أذى شديدا في الطائف أرسل الله إليه ملك الجبال وقال له إن الله أرسلني لنصرتك فإن شئت أطبقت عليهم "الأخشبين" وهما جبلان في الطائف، فما كان منه إلا أن قال "عسى الله أن يُخرج من أصلابهم من يوحّد الله" ننظر كيف كان رسول الله رحيم بأمته، كما ضرب لنا رسول الله مثلا فقال : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي" رواه مسلم هذا هو الدين الإسلامي الذي نحبه ونريده لكافة التونسيين يا أختاه، نحبّ لغيرنا ما نحبّه لأنفسنا ونبغض لغيرنا ما نبغضه لأنفسنا. فقال صلى الله عليه وسلم : "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" رواه مسلم. ألا يستحق هذا الخالق العظيم بديع السماوات والأرض وهو الذي أوجدنا من عدم بعد أن كنّا لا شيء أن نُفرحه بضال يهتدي بسببنا. ألا ترين أن هذه الفتاة أو السيدة البعيدة عن رحمة الله ليست أجهل من فرعون الذي أمر الله نبيه موسى بأن يقول له قولا لينا لعله يتذكّر أو يخشى. واعلمي أن الأرواح جنود مجندة كما بين ذلك النبي ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف أي حين خلقت أرواحنا في ما مضى، ولعل الله يريد أن يهديها ويجزل لك الجزاء يوم القيامة. فإن كنت أيتها الفاضلة تخشين مصاحبتها حتى لا تهتزّ صورتك بين الناس، فلا تفعلي ولكن تذكّريها بالدعاء في خلواتك وصلواتك وإن كنت لا تخشين المساس بعرضك فأنصحك أن تكوني لها خير ناصح واستعيني على ذلك بالقادر القوي. فيصل البوكاري تونس