بدات عدة احزاب وسطية تونسية من بينها الحزب الديمقراطي التقدمي عملية دمج لتشكيل "حزب معتدل" جديد قادر على مواجهة الإسلاميين وحلفائهم الذين يقودون تونس في فترة انتقالية ثانية تنتهي على الأقصى بعد سنة من الآن لتعقبها انتخابات منتظرة. ومنذ ظهور نتائج انتخابات 23 أكتوبر 2011، أضحى توحيد صفوف المعارضة والتقريب بينها غاية قصوى للأطراف السياسية "المهزومة" لاستدراك وضعها وضمان مشاركة فعليّة في دفع التجربة الديمقراطيّة التونسية إلى آفاقها المرجوّة. ويشكل كل من الحزب الديمقراطي التقدمي "16 مقعدا في مجلس النواب من اصل 217" والحزب الليبرالي والذي اسس بعد الثورة "اربعة نواب" ابرز تشكيلين في الحزب الجديد الوسطي الذي سيعلن اسمه وهيئة ادارته اليوم الاثنين. وستشارك خمسة تشكيلات صغيرة حديثة وشخصيات مستقلة في الحزب الجديد. وصرحت زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي مية جريبي "سنؤسس حزبا جديدا ديمقراطيا اجتماعيا معتدلا وسطيا سيكون العدل ركيزته الاساسية"، وسط تصفيق مئات الاشخاص في افتتاح المؤتمر. ويرجح المحللون أن يكون لمثل هذه المبادرات أفقا سياسيّا إيجابيا، خاصة في دعوتها وتأكيدها على ضرورة وجود توازن في الحياة السياسيّة بين "ترويكا حاكمة" ومعارضة قويّة قادرة على تحقيق التداول السلمي على السلطة، وذلك لتأمين مسار الانتقال الديمقراطي وضمان عدم حياد "السلطة" عن مبادئ الديمقراطيّة والتعدديّة. ويمكن ان يقترب الحزب الوسطي الجديد لاحقا من "حركة المسار الديمقراطي والاجتماعي" وهو تحالف اخر من أحزاب يسارية صغيرة. وتسبق هذه العملية التوحيدية لأحزاب الوسط التي اقدمت عليها هذه الأحزاب الوسطية، عملية دمج ثانية منتظرة، أوسع وأشمل مع "حركة المسار الديمقراطي الاجتماعي" كما تتطلع إلى ذلك هذه الحركة. وتعتبر هذه الحركة بدورها نتيجة لعملية توحيد بين مجموعة من الأحزاب اليسارية تتطلع إلى حركة توحيد ثانية في المستقبل القريب، مع أحزاب من نفس العائلة السياسية. وشهدت تونس في الفترة الماضية، عمليات اندماج بين أحزاب عديدة متقاربة في خلفياتها الإيديولوجية وتوجهاتها السياسية في مسعى لتجاوز حالة ضعف بينة، وذلك بعد إعادة تقييم تجربتها الانتخابية التي أخفقت من خلالها في الحصول على موقع قدم مؤثر في المجلس التأسيسي التونسي الذي يستعد لكتابة دستور جديد في البلاد. وبلغ العدد الإجمالي للأحزاب السياسية المرخص لها في تونس قبيل اول انتخابات وصفت بالديمقراطية في تونس 105 أحزاب، بينما لم يتعد عددها قبل الإطاحة بنظام "زين العابدين بن علي" 9 أحزاب بما فيها حزبه المنحل "التجمع الدستوري الديمقراطي". وقالت مية جريبي "برنامجنا سيكون مكافحة افة البطالة والكفاح من اجل الحرية واحترام الحقوق الاساسية للتونسيين وتكريس هويتنا". ومع أنها أقرت ب"فشل" الحزب الديمقراطي التقدمي في الانتخابات التاريخية في 23 تشرين الاول-اكتوبر 2011، الا انها شددت على ضرورة "الاستعداد بشكل جيد للانتخابات المقبلة" التي ستتم بحلول عام. وتابعت جريبي "اليوم وبعد ستة اشهر على انتخاب اللجنة الدستورية وبعد مئة يوم على تولي الحكومة مهامها، لا نرى اي استراتيجية واضحة ولم يتحقق اي من الوعود، والثورة التي طالبت بوظائف وبالكرامة باتت مهددة". واضافت ان "المواطنين لديهم شكوك ويمكن ان نتساءل الى اين تتجه تونس"، في اشارة الى "التجاوزات" الأمنية و"التهديد الذي يشكله الاصوليون". ويعتبر مراقبون أن تركيز هذه الأحزاب اليسارية والوسطية المطلق على الاستعداد راسا لمجابهة الإسلاميين، يمكن أن يكون توجها مليئا بالمفخخات، مثلما حصل لها في الانتخابات الماضية في وقت يستعد فيه من يصفون أنفسهم بالدستوريين "انتسابا لحزب أول رئيس تونسي الحبيب بورقيبة"، إلى العودة للساحة السياسية التونسية بقوة. وركزت أحزاب الوسط واليسار في انتخابات 23 اكتوبر الماضي على مواجهة النهضة، لكنها خسرت ضد النهضة، وكذلك ضد كتل حزبية اخرى مثل "حزب المؤتمر" و"التكتل" و"العريضة الشعبية" التي لم تحسب لها حسابا يذكر.