انطلقت صباح السبت بمقر وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ، أشغال الندوة الوطنية لإطلاق الحوار حول العدالة الانتقالية في تونس بإشراف الرؤساء الثلاثة وبحضور عدد من أعضاء الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي وممثلين عن الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية والتونسية وشخصيات وطنية. وأجمع الرؤساء الثلاثة في كلماتهم على ان دفع مسار العدالة الانتقالية يفترض توفر عناصر أساسية أهمها الإرادة السياسية والأطر التشريعية إلى جانب حد أدنى من الوفاق الوطني السياسي والمجتمعي ،مؤكدين ضرورة تلبية مطالب الشعب التونسي بعد الثورة المنادية بالإسراع في محاسبة المسؤولين على انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحقبة الماضية قبل المرور إلى مرحلتي المصارحة ثم المصالحة. وأكد رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي في هذا الإطار ان شرعية أي حكومة لا تقاس بما أفرزته نتائج الانتخابات بقدر ما تقاس بما تنجزه هذه الحكومة لشعبها ومجتمعها ،مشيرا إلى توفر الإرادة السياسية لتحقيق العدالة الانتقالية التي قال "إنه يريدها بعيدة عن الانتقام والتشفي". وبين أن المحاسبة عملية لا تستهدف الأشخاص بقدر ما تستهدف المؤسسات وترمي إلى رد الاعتبار للمتضررين وإرجاع الحق لأصحابه ملمحا إلى العراقيل التي تشهدها الجهود الحالية المبذولة لتحقيق العدالة الانتقالية وذلك حسب قوله جراء "مراكمة الحكومة السابقة لجملة من الأعمال الرامية إلى إفشال مساعي أي سلطة ستنبع من الانتخابات". ولاحظ المرزوقي ان تلك المساعي لا يمكن ان تكون ذريعة لعدم التقدم في اتجاه الإصلاح سيما في ظل إصرار الشعب على تحقيق مطالبه، موضحا ان الحكومة الحالية والمجلس الوطني التأسيسي مطالبان بتجاوز هذه العقبات وانجاز أهداف الثورة. وذكر رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر من جانبه بأن الفصل 24 من قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية ينص على سن قانون أساسي للعدالة الانتقالية يضبط أسسها واختصاصها، موضحا ان العدالة الانتقالية التي تهدف إلى إرجاع الحقوق لأصحابها والتصدي لإفلات المجرمين من العقاب، تعد كذلك وسيلة من اجل بناء نظام جديد وتحقيق الانتقال الديمقراطي وترسيخ أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان. وتطرق إلى جملة من مفاهيم وتعريفات العدالة الانتقالية التي تم تطبيقها في بلدان شهدت ثورات، ملاحظا ان طبيعة الشعب التونسي وخصوصياته وما تميزت به ثورته من طابع سلمي هادئ وغير انتقامي من شأنه ان ينعكس على التمشي التونسي في مجال تكريس العدالة الانتقالية. وقال بن جعفر "إنه يتفهم الانتقادات الصادرة خاصة عن المتضررين بشان تأخر مسار العدالة الانتقالية"، موضحا ان معالجة هذا الملف تتطلب قراءة شاملة بمشاركة مختلف الأطراف. ومن جهته، بين رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي ان نجاح مسار العدالة الانتقالية ليس شأن الحكومة وحدها بل هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع، باعتبارها مسألة وطنية تهم كل التونسيين والتونسيات للقطع مع مختلف أشكال انتهاكات حقوق الإنسان في الحقبة الماضية مؤكدا على مسؤولية المجلس الوطني التأسيسي باعتباره سلطة تشريعية في سن القانون ذي الصلة. وبعد ان أبرز أهمية البحث في أسباب ظهور الاستبداد، استعرض الجبالي الخطوات التي تم قطعها إلى حد الآن على درب انجاز المصالحة واستعادة سيادة القانون في كنف التوافق بين مختلف مكونات المجتمع، ومن أهمها حسب رايه "احداث وزارة للغرض، وسن قانون للعدالة الانتقالية، وتنظم عديد الضحايا في جمعيات للتعريف بقضيتهم"، إلى جانب الانفتاح على التجارب العالمية وتزايد الوعي بضرورة معالجة هذا الملف.