بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله الذي لا يحمد أحد سواه ولا يعبد أحد سواه والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلام وبعد. بقدر ما كنت أعارض فكرة الفيسبوك و لا أؤمن به بقدر ما قبلت أن انخرط فيه لاغراض محددة زمان الثورة عندما رجعت من تونس زمان الانتفاظة الشعبية التي واكبتها على عين المكان و التي لم يكن لدينا وسيلة لإيصال و مواكبة الأحداث إلا عن طريقه. و لكن أبقى عند إيماني بأن هكذا وسيلة إتصال إفتراضي لها سلبيات عدة و ربما تكون سلبياتها أكثر من ايجابيتها. أما عن الايجابيات فهذا إتضح إبان الثورات العربية و قد ساهم فيها و خاصةً الثورة التونسية و المصرية. و لكن عندما نتابع الوضع ما بعد الثورة نرى ما يلي: 1- في وسائل الاتصال الافتراضي لا ترى من يخاطبك و ليس بامكانك معرفة أو التأكد من هويته و لذلك من الصعب أن تبنى علاقة ثقة و تواصل دائمة بين أبناء المجتمع المختلفة من مثقفين و نخبة و طالبي علم و المجتمع المدني كما في الواقع؛ 2- وسائل الاعلام الإفتراضي لم تساهم إلا في تهميش المناضلين الحقيقين وصنعت مناضلين افتراضيين لم يظهروا أو يصنعوا إلا بعد ما هرب الطاغية و تسلقوا على مجهودات المناضلين الحقيقين و المحرومين و أهدوا هدية في طبق ليصبح الكثير من المناضلين الجدد أو لو قلنا المتسلقين يسبون المناضلين الكبار الذين يشهد لهم التاريخ من مختلف الإتجاهات و الايديولوجيات. وقد ساهم في هذا الطرفين، المناضلين أنفسهم بالسكوت على حقهم و المتسلقين الذين يبحثون عن مكانة في عالم أصبح فيه الذي يشتم ويسب و ينتهك الأعراض و الشاذ بطل و ثوري. 3- الاعلام الافتراضي لا يساهم إلا في تهميش وتقليل دور الاعلام المرئي و المنتديات المباشرة التي تساهم في تكوين مجتمعات متعايشة و متحظرة. 4- عدم مهنية الاعلاميين أو الذين يدعون المهنية في وسائل الاعلام المرئية و المسموعة. فكما يقولون أن الإعلام هو مرآة الواقع و في هذا معانٍ كثيرة لو كانوا الاعلاميين أنفسهم يفقهون هذا القول. المرآة إذا كانت سليمة لا تعكس إلا ما ينعكس عليها. أي إذا انعكست عليها وردة لا ترى فيها إلا وردة و لكن إذا كانت المرآة غير سليمة (مكسورة أو ملوثة أو معوجة أو بها خلل ما فلن ترى حقيقة الشيء تنعكس على المرآة و لكنك سوف ترى ما يشبه الحقيقة و هذا حال وسائل الاعلامية في وطننا و أغلب الدكتاتوريات و خاصة وسائل التواصل الافتراضي. و بناءاً على هذا فإنه إذا أرادة الصحفي أو غيره أن يكون نزيه أو مهني يجب أن يسعى لأن يكون مرآة مستقيمة. 5- من ثمرات الدكتاتوريات و التهميش و التصحر الذي وقع في تونس فإن الشخصية لم تعد متوازنة و وقع ضرب القيم و المبادئ و هذا نتج عنه تذبذب في الشخصية و خاصة عند الأجيال الجديدة. فهو يعيش صراع بين الحداثة و مواكبة "التطور" و بين مبادئه و قيمه و دينه. و هذا جعل الناس يبحثون على تموقع و يريدون أن يبحثون أن يصنفوا أنفسهم ايدولوجياً و سياسياً و حتى إجتماعياً. و قد نلاحظ هذا من خلال تذبذب مواقف معظم الناشطين و لكن بامكاننا أن نصلح هذا بمجهودات شخصية و من خلال التدرب على توازن الشخصية من خلال تدريب النفس على التعايش الاجتماعي و السعي وراء التموقع الذي يليق بطبيعة الشخصية. 6- سذاجة البعض و اعجابهم بتسريحات و مواقف سياسية و ايدولوجية لا تتماشى مع طبيعة و لا مبادئ الشخص في حد ذاته. و في هذا أمثلة كثيرة و قد يطول شرحها و لكن أسهلها أن يؤمن الانسان بما يخالف مقدساته و يتعدى عليها بداعي الحرية و الثورة. و لكن لا ننسى أنه في بعض الأوقات تتعدى المقدسات مكانة الكرامة و ربما توازي الشرف. و لا يمكن لأيٍ كان أن يؤمن بأن التعدي على مثل هذه القيم حرية. فللحرية ضوابط و شروط و إن غابت غابت الحرية. فلا يمكن أن نتحذث على حرية إذا وصلت إلى درجات التعدي على الأخرين. و لا يمكن أن نتحدث على حرية إذا كانت هذه الحريات ستؤدي إلى فتنة أو إلى عدم إحترم الاخرين. و لاختم أرجو أن ارى يوم اعلاميين نزيهين و خاصة مهنيين و هذا لا يتحقق إلا عن طريق المثابرة و الاجتهاد و الاتقان في العمل. نوفل Nawfel Bouzayani