بدا الارتباك الحكومي جليا في التعاطي مع عديد الملفات العالقة التي يستوجب تناولها قدرا من الروية والدراسة والاستشارة. وملف الإعلام الذي يعتبر أحد أبرز هذه الملفات الحساسة فرض نفسه في هذه الآونة بعد التعيينات الأخيرة المسقطة على القطاع وبعد المواقف المتضاربة التي تراوحت بين تبرير هذا القرار والتخفيف من تداعياته والتنديد به. إن المرحلة التي تمر بها تونس في الوقت الراهن هي مرحلة انتقال ديمقراطي تؤسس لدولة ذات مؤسسات دستورية تعزز المبادئ والقيم التي قامت من أجلها ثورة الكرامة والحرية وتقطع مع التذبذب والارتجالية وتسطيح القضايا الجوهرية. ومن هذه المبادئ ضمان الحريات العامة والفردية.. وخاصة حرية الإعلام والتعبير. لقد عانى مئات الشرفاء من أهل المهنة على امتداد سنوات طويلة من تكميم الأفواه والتهميش ومصادرة الحق في التعبير الشيء الكثير... ودفع المجتمع برمته والمناضلون السياسيون بالخصوص ثمنا باهظا لهذا التكميم والاعلاميون مطالبون اليوم برد الاعتبار لهذه المهنة المقدسة وهم في حمى منعطف تاريخي في مسيرة تونس عبّدت طريقه دماء زكية لشهداء دفعوا حياتهم ثمنا للحرية المنشودة، وجرحى مازالوا يعانون من آثار الصلف والتجبّر. إن الإعلام الوطني في ظل هذا التحوّل الجذري للمجتمع التونسي نحو الحرية والانعتاق من براثن الطغاة يتطلب هامشا من الاستقلالية بدل الوصاية... ويستدعي التشاور والتعمق في إصلاحه بدل الاجراءات الفوقية الانفرادية... ويتصالح مع حرية المبادرة بدل أساليب الرقابة المخلة بهذه الحرية.