شركة تونس للطرقات السيارة تعلن عن إلغاء محطة الاستخلاص ''سوسة – القلعة الصغرى''    انطلاق تنفيذ البرنامج الاستثنائي لدعم التزويد بالقهوة الموجهة للاستهلاك العائلي    الديوانة تنظّم يومًا إعلاميًا لدعم المؤسسات الاقتصادية الصغرى    بطاقة مدرسية مجانية من البريد التونسي: تحوّل فلوسك لولدك ب ''كليك''!    تراجع عائدات صادرات التمور بنسبة 3،8 بالمائة    لحم العلوش بأسعار خيالية تصل الى 80 دينارا..ما القصة..؟!    يهم المواطنين/ بداية من اليوم: الغاء محطة الاستخلاص سوسة-القلعة صغرى..    عاجل/ اختراق صيني يستهدف شبكة الحرس الوطني الأميركي..    القضاء الفرنسي يطالب بتحديد مكان بشار الأسد..    بحضور الجماهير: الإتحاد المنستيري يواجه الشبيبة القيروانية وديا    عاجل : كينيث سيماكولا يُغادر رسميا النادي الإفريقي    الفيفا: بداية بيع تذاكر مونديال 2026 اعتبارا من 10 سبتمبر المقبل    "رَست" و"السارة و النوباتونز" يصدحان بأوجاع الاغتراب في المهجر على ركح مهرجان الحمامات الدولي    ديار جدودنا كانت تبرد، توا ديارنا تغلي... علاش؟    عائدات بالمليارات: السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج تنتعش    وزير الفلاحة يؤكد ان الوزارة تشتغل على أساس معطيات دقيقة وينفي وجود أية شبهات    الاحتلال يقصف هيئة الأركان السورية في دمشق    المشاركات التونسية بألمانيا: 3 أسماء فقط في التايكواندو    عاجل/ جريمة مقتل ستينية على يد ابنتها بالتبني: معطيات وتفاصيل جديدة وصادمة..    تونس – مقتل امرأة في قفصة: التحقيق يركز على ابنتها وشريكها    سلسلة ساعات Galaxy Watch8 من سامسونج.. راحة متكاملة في جميع الأوقات    إنطلاق فعاليات الدورة 42 لمهرجان بنزرت الدولي بعرض رحلة الأجيال للفنان يسري مقداد    توقيع اتفاقية تعاون علمي بين جامعة القيروان و جامعة الجفرة الليبية    باجة: احتراق سيارة أجرة بالكامل وامتداد النيران إلى سيارة مجاورة    المجمع الكيميائي التونسي، أول مؤسسة عمومية تُسوي وضعية عمال المناولة    بالفيديو: أمين علولو للتونسيين في الخارج: ''عودتكم قوة اقتصادية...وبلادكم في انتظاركم''    هبوب رياح قوية والبحر شديد الاضطراب.. والرصد الجوي يُحذّر    محرز الغنوشي: ''رياح قوية اليوم ولا ننصح بالسباحة''    عاجل: وزارة الدفاع تنتدب تلامذة ضباط صف بجيش الطيران...اكتشف الشروط والمواعيد    ما عادش تسكت؟ عطّلتك الإدارة التونسية ...هذا شنوا لازمك تعمل و تبلغ صوتك !    دوري نجوم قطر: نادي الغرافة يحسم مصير "فرجاني ساسي"    الليغا: أتليتيكو مدريد يتوصل لاتفاق لضم متوسط ميدان بوتافوغو البرازيلي    قانون جديد لمناهضة العنف في الملاعب: عقوبات بالسجن وغرامات ثقيلة    اعتماد البطاقة المهنية للمدربين من قبل الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ من أجل الفساد وتدليس شهائد علمية: 10 سنوات سجنا في حق هذا المسؤول..    تجارة بينية: تونس تسعى لتعزيز حضورها في السوق الجزائرية    صفاقس : عروض الفروسية والمداوري، وأخرى فنية تؤثث الدورة 60 لمهرجان عقارب للفروسية من 24 إلى 27 جويلية.    عاجل/ الرصد للجوي يصدر نشرة خاصة ويحذر..    طقس اليوم: الحرارة في انخفاض وأمطار مرتقبة ببعض الجهات    تونس وجنوب إفريقيا تعززان تعاونهما في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار    إسرائيل تنقل إدارة الحرم الإبراهيمي إلى المستوطنين    مواطنون يعمدون الى بناء أجزاء من منازلهم داخل مشروع السكة الرابطة بين سوسة والمهدية    ترامب يحذر زيلينسكي من شن هجمات على موسكو    تاريخ الخيانات السياسية (16) .. تآمر ابن سُريج مع خاقان    قريبا على خشبة المسرح .. عاطف بن حسين «الديكتاتور»    الوقاية خير من العلاج .. احذروا... أمراض الصيف    سليانة: إنطلاق فعاليات مهرجان مصيف الكتاب في دورته 32    تظاهرة "كتاب على أبواب المدينة" من 16 إلى 25 جويلية 2025    القيصر يطمئن جمهوره: لا تصدقوا الشائعات، أنا بخير    تونس تختتم الدورة الأولى من برنامج "طب القلب لأفريقيا"    كيفاش تنجم تنقص من العرق الزايد في الصيف؟ نصائح سهلة وفعّالة    السردين: الحوت الصغير اللي فيه فايدة كبيرة...شنوة منفعتو وقدّاش يلزمك تاكل منّو في الجمعة    ترامب يهدد روسيا بعقوبات في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق حول أوكرانيا خلال 50 يوما    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تاريخ الخيانات السياسية (15)نهاية ملوك إفريقية    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    تاريخ الخيانات السياسية (14): القصر لساكنه..    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القهر د. أكرم حجازي
نشر في الفجر نيوز يوم 18 - 04 - 2012

ما أن اندلعت الثورة المصرية حتى ألهبت مشاعر العالم، وأدهشت كل مراقب، ودخلت بوقائعها وشعاراتها كل بيت، وصار شعارها أهزوجة الشعوب، وميدانها قبلة المستعبَدين، وغدت ملتقى الأحرار من العالم .. لكن بعد أكثر من عام .. بدت الثورة وكأنها تحتضر في ضوء: (1) الفعاليات الباهتة لمجلس الشعب المصري الجديد، و (2) غفلة المجلس الذي بدا كما لو أنه آخر من يعلم عن حقيقة الإعلان الدستوري، و (3) استبعاد اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة لعشرة مرشحين، و (4) التراجع عن الهيأة التأسيسية للدستور، و (5) ارتفاع أسهم الفلول في سباق الرئاسة.
وما أن فتح باب الترشيح للرئاسة حتى فوجئ المصريون والعالم بقضية جنسية والدة الشيخ حازم أبو صالح، المرشح الأعظم شعبية بين المرشحين، وما هي إلا ساعات حتى غدا أبو إسماعيل المادة الدسمة لقوى الثورة المضادة خاصة لوسائل الإعلام المحلية. أما لماذا الشيخ حازم؟ فلأن تمرير ضرب أقوى المرشحين والمس بمصداقيته، واتهامه بالكذب، وإرهاقه بالدفاع عن نفسه، سيمهد الطريق لضرب باقي المرشحين بنفس الوقت الذي سيسمح لمرشحي الفلول بالتقدم، بمن فيهم عمر سليمان، أبغض الناس إلى المصريين وغير المصريين. وسيمهد أكثر لضرب الثورة وانتزاع شرعيتها من قلب الشارع.
وبعد جولات ماراثونية مع القضاء المصري والأمريكي، حصل الشيخ حازم على قرار من المحكمة الإدارية يقطع الشك باليقين حول عدم حصول والدته على جنسية أمريكية، وبطلان كل الوثائق ذات الصلة من أي اعتبار قانوني، وإلزام وزارة الداخلية بمنح الشيخ وثيقة تثبت عدم ازدواج جنسية والدته، وهو ما حصل. لكن اللجنة العليا للانتخابات رفضت قرار المحكمة وشهادة الداخلية وكل الدفوع القانونية والدستورية التي قدمها الشيخ حازم. واستدلت على قراراها بوثيقة أمريكية تثبت أن والدة الشيخ تحمل الجنسية الأمريكية، علما أن الوثيقة ليست سوى ورقة بيضاء تخلو من أي سند كان إلا من النص المكتوب فيها. وهو ما يعني أن الورقة يمكن كتابتها في أي مكان ومن قبل أي شخص على وجه الأرض.
والحقيقة أن من يطالع مجمل الوثائق والأوراق التي اطلعت عليها المحكمة الإدارية واللجنة العليا، وأصبحت في متناول الإعلام والمؤسسات الحقوقية وحتى العامة من الناس، لا يمكن له أن يحصل على أي ثغرة يمكن أن تؤدي إلى دليل، ولو مشبوه، يشير إلى وجود جنسية أمريكية بحوزة والدة الشيخ.
وتبعا لذلك فإن إصرار اللجنة على استبعاد الشيخ حازم، بلا أي سند قانوني أو أخلاقي أو شرعي، هو شهادة زور صريحة وقرار بالغ الوحشية. بل هو قرار يصادم كل منطق أو عقل أو فطرة أو مصلحة لمصر. وإذا أمعنا النظر أكثر فالقرار أشبه ما يكون بحقن الشارع المصري، على لأقل، بأقصى جرعة من القهر. والمثير في الأمر أن مثل هذا الحقن الخطير جدا قد يؤدي إلى الانفجار الذي لا تحمد عقباه. فما الذي يجعل اللجنة العليا تتخذ مثل هذا القرار الذي يفتح أبواب الجحيم على مصر؟ وما الذي تتوقعه اللجنة أو المجلس العسكري من احتقان بهذا المستوى من الخطورة؟ ولمصلحة من؟
الواقع المستقر لدى المصريين أن هذا القرار ليس سوى قمة فعاليات الثورة المضادة .. فعاليات تتمتع بأعلى مواصفات الاستهتار والاستغفال والتحقير والإذلال والتحدي لكل قيمة شرعية أو قانونية أو أخلاقية. وهو بعبارة أحد المصريين: « أعلى ما بخيلكو اركبو»ا!!! وفي مثل هذه الأوضاع فإن إحسان الظن والدعوة إلى الاحتساب والصبر أو إحالة الحدث إلى القضاء والقدر هو من قبيل اللامبالاة والتخذيل والانبطاح والتهور .. بل هو من قبيل البلاهة التي ستصب قطعا في خانة وأد الثورة.
إذن؛ ما هي المرجعية التي مكنت اللجنة من الإصرار على إصدار قرار يخلو من أي اعتبار قانوني أو دستوري؟ وما هي مصادر القوة التي تحصنت بها اللجنة كي تتجرأ على مصير دولة بحجم مصر، أو مجتمع في حالة يقظة؟ وكيف للمجلس العسكري أن يخدع الثورة والشعب المصري؟ والذي ظهر خداعه بأوضح ما يكون في مضمون الإعلان الدستوري، وبالذات في المادة 28 منه، والتي تجعل من اللجنة العليا للانتخابات فوق الإعلان الدستوري نفسه؟
أيا كانت القراءات المحتملة، بما فيها تلك التي غرقت في التفاصيل، إلا أن ما لم يعد من الممكن تجاهله أو غض الطرف عنه هو ميل المصريين إلى الاعتقاد بأن:
· يكون هناك قرار عابر للقارات يقضي باستبعاد الشيخ حازم من سباق الرئاسة تحت أي ظرف كان. أما لماذا؟ فلأن الشيخ يحمل مشروعا قد يؤدي إلى إخراج مصر من دائرة السيطرة والتبعية والهيمنة. والواقع الأكثر منطقية يؤكد أن تطبيق الشريعة ليست سوى عملية دينامية كالثورة تماما. فإذا ما انطلقت عجلة دورانها فمن المستحيل وقفها أو التنبؤ بمساراتها ونهاياتها. وهو ما لا يمكن ل « المركز» أن يتحمله.
· أو تواطؤ من القوى السياسية التقليدية ( أحزاب، جماعات، مشايخ، علماء، شخصيات معارضة للنظام سابقا، مؤسسات، وقوى ثورية .. . ) مع المجلس العسكري للتخلص من الشيخ حازم. إذ أن هذه القوى لا تحتمل مشروع تطبيق الشريعة. وبالتالي فإن مصالحها تتقاطع بالضرورة مع مصالح « المركز» و « المجلس»، طوعا أو كرها.
الظاهر للعيان، وبأقل جهد ممكن، أن وقائع الصراع على مصر صارت اليوم كتابا مفتوحا، يمكن للجميع قراءته بلا أية مراوغات. بل أن سباق الرئاسة فضح كل القوى، وكل الأوراق، وكل النظم الدستورية، وصار المصريون بين ثلاث خيارات:
(1) إما خوض صراع صريح مع المركز عبر التوجه نحو ميادين وساحات البلاد، وانتزاع الثورة من وصاية العسكري وهجمات الثورة المضادة وعجز القوى التقليدية كافة، باعتبارها قوى مخادعة أو معادية أو قاصرة عن حماية الثورة أو تحقيق أهدافها. وهذا السياق قد يتجاوز تفعيل القوى الشعبية في إعادة احتلال الشوارع والميادين العامة في كافة المحافظات أو محاصرة مراكز القرار والتأثير وتعطيل فاعليتها، أو حتى دعوة القوى الإسلامية الحزبية إلى الانسحاب من مجلس الشعب، أو إحراج القوى الشرعية لقيادة الحراك الشعبي وحسم الموقف، إلى تفعيل دور القوى المدنية المنظمة والعاملة في مؤسسات الدولة بما فيها مؤسسات الجيش الاقتصادية والاستثمارية.
(2) وإما الاتفاق على إعلان دستوري جديد أو تعديل الموجود، بما يضمن إخراج العسكري من احتكار السلطة وتسليمها لهيأة مدنية محايدة، ومن ثم تأجيل الانتخابات الرئاسية وكتابة الدستور. إذ أن وصاية العسكري، كمؤسسة عنف، على السلطة لن تؤدي إلا لنظام عنيف يحفظ له عنفه ضد الدولة والمجتمع على السواء، وهو ما لم يعد ممكنا في سياق العقلية الدينامية للثورة.
(3) أو الاتجاه نحو مأسسة تيار تطبيق الشريعة، بما يؤدي لاحقا إلى ولادة قوة شرعية وثورية بديلة عن كل القوى السائدة وقادرة على حفظ المشروع الإسلامي عقديا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كخطوة أولى تسبق مبايعة الشيخ حازم.
18/4/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.