لا أعتقد أنّ اثنيْن يختلفان في أنّنا أنجزنا ثورة من أجمل ثورات العالم الحديث والمعاصر،وأنّه قد انبثق عنها مجلس تأسيسي منتخب،وحكومة نابعة عنه،تحت رقابته. أمّا هل الحكومة جيّدة أم سيّئة أم وسطٌ بين ذلك،فسنرجئ الجواب عنه إلى بعد حين. ما الذي يجعل حالة الاستقطاب حادّة وقبيحة؟ في اعتقادي،وأجيب مباشرة بلا مناورة ولا مداورة:لأن الذين يناصبون الحكومة العداء،أغلبهم تعوزه النزاهة والصّدقية،ومنهم من كان عرّابا لأسوإ حكومة عرفها تاريخنا المعاصر،حكومة بن علي،ومنهم من كان طبّالا للحكومة التي خَلَفَتْها،تلك التي أرادت إدخال الثورة في سراديب لا أوّل لها ولا آخر،فانخرطوا فيها،وأجهضوا انطلاقة الثورة،وأخمدوا لهبها الجميل المتوقّد الواعي الواعد،وأطاحوا بذلك الاعتصام الأيقونة في القصبة الذي كان يهدف بوعي أو بغير وعي إلى التمكين النهائي للثورة ومسارها ومصيرها،والإطاحة بدون رجعة بذلك النظام القبيح القميء. ...ما العمل الآن؟ وكيف الخروج؟ أنا أرى أن الأمر موكول إلى "دولة المعارضة" وليس إلى "دولة الحكومة". إن المعارضة إذ تستميت في العمى والرفض الأرعن لكل ما هو آت من حكومتنا الشرعية [وهي عبارة غير خشبية بالمناسبة] ترتكب "جرائم" ثلاث،في حق أطراف ثلاثة،وقد ننقاد في الأخير،لا سمح الله،بسبب هذا العمى المخيف إلى الأسوإ: الأولى: جريمة في حق نفسها،بتيئيس الناس منها،وتسليمهم في النهاية بسقوط هذه المعارضة في الرفض الأعمى "السّيستيماتيك" وإعراضهم عنها،وهذا خسارة فادحة. الثانية:وهي ناتجة عن السابقة،في حق الحكومة، كون كل حكومة في العالم،مهما كانت جدّيتها وصدقيتها،تحتاج لا محالة إلى من يرشّدها ويقوّمها،ألم يحتج أبو بكر وعمر وعثمان ومَن قَبلهم ومَن بَعدَهم إلى من يذكّره ويصوّبه؟؟؟؟ إن أية حكومة تحترم نفسها،تحتاج ضرورةً لمعارضة،ومعارضتنا تضنّ من حيث لا تدري على الحكومة بهذه الحاجة. الثالثة: وهي نتاج السابقتين،وهي أخطر النتائج،إذا سقطت المعارضة في هذا الرهان،وأُخلِيَ الميدان أمام الحكومة،هذه أو أية حكومة أخرى،فإن عوام الشعب والناس هم الذين سيدفعون الثمن في النهاية،وقد كان الأمر كذلك منذ أن كان الاجتماع البشري،وسيظلّ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هكذا تبدو لي الصورة إجمالا. ولن يفارقني الأمل في أن تقطع ثورتنا ودولتنا هذا الفاصل من تاريخها بأقل الخسائر،وما زلت أعتقد أنه بإمكاننا أن نسهم في التاريخ العربي الإسلامي الحديث،بل في التاريخ الإنساني،بواحدة من أجمل الصفحات. صالح مطيراوي 18 أفريل 2012