امتطيت يوما الحافلة الصفراء ووقفت في مؤخرتها, وتحديدا بجانب القابض. أخرجت مطوية من جيب المعطف الذي كنت أرتديه ليقيني برودة الشتاء القارس. كانت هذه المطوية تحتوي على أذكار صباحية ومسائية وأسماء الله الحسنى. كنت أقوم بهذا الذكر اليومي رجاء أن أتحصّن من شياطين الإنس والجان كما أن أمي علّمتني حين أخلد إلى النوم أن أقول "ربّي بعّد علينا الظلاّم وولاد لحرام". كنت أفعل ذلك يوميا وأنا متوجّه إلى العمل, ولم يخطر ببالي أنّ امرأة كانت ترمقني عن كثب وأنا بصدد قراءة تلك المطوية المباركة. اقتربت مني وسألتني بكل لطف عن فحوى هذه المطوية. فذكرت لها فضائل الذكر فقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال في شأنه "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" فاشتاقت كثيرا لذكر ربها فما كان عليّ إلا أن أهديتها تلك المطوية التي اقتنيتها من المكتبة الكائنة بنهج الدباغين. أصبحت بعد ذلك تسترشدني كلما استشكل عليها أمر في دينها وكأنني الشيخ الطاهر بن عاشور في زمانه. أجيبها بما ألهمني ربّي من علم كما أنني رفعت عنها عدّة التباسات كانت قد اشتبهت عليها. سعدت كثيرا عندما رأيتها مرة ترتدي حجابا شرعيا إلاّ أنها بادرتني بالقول أنها لا تستطيع أن تلتزم به نظرا لأنّه محرّم عليها لبسه في مكان عملها. سألتها عن العمل الذي يقتضي بموجبه الإخلال بارتداء الحجاب. فأجابتني أنها تعمل في السلك الأمني. كما أعلمتني أن هناك زميلة لها في العمل تردن ارتداءه لكن وزير الداخلية – ليس السيد علي العريض طبعا – في ذلك الحين منعهن من لبسه. تأسّفت كثيرا لأجلها ولأجل زميلاتها وقلت في نفسي "هل بلغ حد تقييد الحريات حتى داخل المؤسسة الأمنية" فيصل البوكاري - تونس