انقطاع مياه الشرب صبيحة اليوم الخميس عن الهيشرية بسيدي بوزيد واستئناف تزويدها تدريجيا هذا المساء    سوسة: إفتتاح المؤتمر الدولي حول حوكمة القطاع الصحي والريادة في الأنظمة الصحية    نابل: مؤشرات سياحية واعدة وعودة الأسواق التقليدية    إيران تتلقى تحذيرا من ضربة إسرائيلية وشيكة    عاجل/ على متنها 242 راكبا.. تحطم طائرة فور اقلاعها بهذا المطار..    عاجل : تعرف على مواعيد مباريات العرب فى كأس العالم للأندية 2025    نفاد تذاكر مباريات ريال مدريد فى كأس العالم للأندية    عاجل : اختفاء غامض للشاب غسان تونسي في المرسى... نداء لمن يملك أي معلومة    طفلة تفر من منزل والديها فحول وجهتها طفل واغتصبها !    وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بجندوبة ياذن بفتح بحث تحقيقي اثر العثور على جثّة طفل باحدى البحيرات الجبلية    رصد متحور كورونا الجديد في ألمانيا    كأس العالم للأندية: مانشستر سيتي يستغني عن خدمات أغلى صفقة في تاريخه    انقطاع الإنترنت عن كامل غزة    تونس دون قطارات ليومين..    الكاف: اليوم انطلاق موسم حصاد القمح الصلب والقمح اللين    عاجل: ''بورس'' ممولة بالكامل للطلبة التونسيين من 4 حكومات.. تعرف على الآجال، الشروط، والمستويات الدراسية    المنستير: عروض متنوعة في الدورة 13 لمهرجان محمد الحبيب ابراهيم للمسرح ببنبلة من 12 إلى 15 جوان    كأس العالم للأندية: "كاميرا الحكم" لن تعرض الأحداث المثيرة للجدل    5 فواكه تُعزز عملية إزالة السموم من الكبد..تعرف عليها..    نادي القادسية الكويتي يتعاقد مع المدرب نبيل معلول    عدد القوات الأمريكية المنتشرة في لوس أنجلوس تجاوز عددها في العراق وسوريا    مقتل 49 شخصا في فيضانات جنوب أفريقيا    هام/ الملامح الكبرى لقانون المالية لسنة 2026 محور اجتماع مجلس وزاري..    مصر تصدر بيانا توضيحيا حول تخصيص قطعة أرض بالبحر الأحمر    الإحتفاظ بعسكري و4 أشخاص من أجل هذه التهمة..#خبر_عاجل    جريمة مروعة: أب ينهي حياة ابنه طفل ال13 سنة ضربا حتى الموت..!    المنستير: وصول أول رحلة إياب للحجيج الميامين بمطار المنستير الحبيب بورقيبة الدولي    يوسف طرشون: قانون التشغيل الهش انتصار تاريخي للكرامة الاجتماعية والحرب على شركات المناولة مستمرة    ابن تامر حسني بالعناية المشددة ثانية    بالأرقام: هجرة 40 ألف مهندس من تونس...مالذي يحصل؟    بعثة الترجي تحط الرحال في ميشيغان قبل مواجهة البرازيلي فلامنغو    وزارة المالية: قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس    اليوم: طقس صاف والحرارة تصل إلى 41 درجة مع ظهور الشهيلي    قافلة "الصمود" تواصل طريقها نحو معبر رفح وتفاؤل بإمكانية العبور إلى الأراضي المصرية    مصادر إسرائيلية: وحدة "سهم" التابعة لحماس تعدم 12 فردا من "عصابة أبو شباب"    الجزائر.. قرار قضائي جديد بحق ملكة الجمال وحيدة قروج    إيطاليا تتوج «رقوج» والتلفزات العربية تشيد ب«فتنة» الدراما التونسية ... نحو العالمية    معدات حديثة وكفاءات جديدة بمستشفى عبد الرحمان مامي لدعم جودة الخدمات    محمد بوحوش يكتب: في ثقافة المقاومة    غفت أمّة يعرب وطالت هجعتها    لاغوس نيجيريا تونس ... لأول مرّة في معرض الأغذية    اُلْمُغَامِرُ اُلصَّغِيرُ وَاُلْأَسَد اُلْأبْيَض    وزارة المالية: قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس 2025    متابعة نشاط حقل 'عشتروت' البحري    البنك الدولي:الإقتصاد العالمي يتجه نحو تسجيل أضعف أداء له منذ سنة 2008 باستثناء فترات الركود    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الأولى من المهرجان الفرنكوفوني للفيلم الوثائقي الرياضي    تقديم النسخة الفرنسية من رواية "توجان" لآمنة الرميلي    جندوبة: افتتاح موسم حصاد القمح    13 منتخبا حجزت مقعدها في مونديال 2026.. تعرف عليها..    البرازيل والإكوادور تتأهلان إلى كأس العالم 2026    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    عاجل: متحور ''نبياس'' يصل إلى 11% من الإصابات عالميًا... وتونس بلا أي حالة حتى الآن!    المخرج علي العبيدي في ذمة الله    المنستير: مواطن يذبح خروفه فوق السور الأثري يوم العيد...    تطوير القطاع الصيدلي محور لقاء وزير الصحة بوفد عن عمادة الصيادلة    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الصحة وعدد من الجمعيات الفاعلة في مجال السيدا والإدمان    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    









إلى روح الزميل محمد الهمامي الذي لبّى داعي ربّه في سن السادسة والعشرين: ولدي الحبيب... وداعا
نشر في الشروق يوم 08 - 06 - 2011

«سي سليم، بعد ما انكمّل الحوار مع سامي عمامو نروّح من الغادي إل غادي؟»
«Ok... محمد».
هذه الكلمات... كانت آخر كلمات زميلي الصغير الأستاذ محمد الهمامي صبيحة يوم الاثنين وبعدها لم يأتني صوته لأنه سكت في غفلة منّا إلى الأبد... كنت أعرف «غادي» الأولى ولم أكن أدري أن «غادي» الثانية هي المكان الأخير وإلا ما تركت ولدي الغالي يذهب دون أن يستعد للرحيل...
لن أحدثكم عن محمد الهمامي لأن حروف الأبجدية لن تطال هامته لكني سأقول إنه كان «ابن الموت»... ولم تكن تربطه أي صلة بالحياة وإلا لكان «عمل منها رأس مال»... فهذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره السادسة والعشرين جاءني منذ أكثر من سنتين طالبا وأبدع أثناء تربصه في القسم الذي أشرف عليه فاقتربت منه أكثر وقلت له حرفيا «حاسبني بالشهادة نحاسبك بالخدمة معانا» وكان أمر الله مقضيا عندما تحصل على الأستاذية في الصحافة و علوم الإخبار فانتمى إلى قسم الرياضة منذ أكثر من عام سطع فيها نجمه كأروع ما يكون وكنت أقول له دوما «سترى يا محمد في ظرف عامين أو ثلاثة ستصبح الأفضل على الساحة الإعلامية» لكن الأيام لم تمهله ليرى نجمه في سماء الإعلام... بل انطفأت شمعته في عز الأحلام...
محمد الهمامي لم يكن من صلبي.. لكنه كان ولدي.. والدليل القاطع أن رحيله مزّق كبدي...
محمد لم يكن مشاكسا مثل أنداده بل كان هادئا، رصينا حييئا، خجولا تستحي منه جدران المكتب... هذا المكتب الذي كان يصله رغم بُعد مسكنه الأول كل صباح تليه منى البوعزيزي فسامي حماني وكثيرا ما أكون أنا الأخير.. ليتني كنت الأول يا ولدي... وليتك كنت الأخير...
لا أدري ولدي الغالي ما أقول لك وقد رحلت.. ولا أدري لماذا أكتب لك أصلا... بل لا أدري إن كنت فعلا ذهبت ولم تودّع أحدا منّا.. أم أنك كعادتك خجلت من مراسم الوداع فآثرت الرحيل في صمت مهيب لترسم أكثر من دمعة حزن داخل قلب أكثر من حبيب...
هل تذكر «محمد» كلما خاطبتك هاتفيا لأقول لك «بجاه ربي بوس لي الوالدة من جبينها» (ليقيني أنها أفضل قبلة للأم بعد قبلة القدم) وكنت تقول لي دوما «راهي ديما تدعيلك» هل تصدّق «محمد» أنني جئت إلى داركم.. وهل تصدّق يا ولدي الرائع أني أخذت والدتك بين ذراعي وبكينا سويا عليك.. لأنك كنت طوال ست وعشرين سنة ولدها وأصبحت منذ أكثر من عام ولدي...
عندما التقينا في بيت كان من المفروض أن تكون أنت فيه خجلت من نفسي ولم أعلم كيف أناديها.. ولا كيف أسميها... وقد كنت صدقا أستحق العزاء قبل أن أعزيها..
ولدي الرائع محمد الهمامي.. مقعدك داخل المكتب يسأل عنك... ومنى البوعزيزي التي لم يندمل جرحها بعد ولم تجف مآقيها بعد وداع شقيقها منذ أيام (وهو في نفس عمرك.. يا لغرابة الدنيا) لم تصدّق ما حدث... وسامي حماني «عشيرك» منذ كنتما طالبين يبكيك بحرقة.. ومعز بوطار عزّاني فيك حوالي منتصف الليل وكان في قمة التأثر.. ومحمد ميلاد بكى على ذبذبات هاتفي كما تبكي الثكالى... و.. وكلنا كنا نحبك لأنك كنت جميلا... ولأنك كنت أصيلا... ولأنك كنت سيدنا حتى وإن لم يكن عمرك طويلا...
هل أنت تبصرني.. هل مازلت تبصرني وصورتك في قلبي تشتعل.. فلا هو انطفأ ولا انطفأ الحريق... أما زلت تردني عندما يغلبني صهيل أحزاني وأسربل لوعتي في ضحكة صفراء... أما زلتَ قادرا عليّ عندما أحدثك عن موت الأحلام في بكارتها وهي عذراء...؟
أما زلت لا تصدق وأنت تحت اللحد أن هذه الدنيا لا أمان فيها ولا لها.. وأنه لا يأتمنها إلا البلهاء...؟
حبيبي الغالي وزميلي الرائع وولدي الطاهر، نم قرير العين في مثواك الأخير ورزق الله أهلك وذويك جميل الصبر والسلوان... فقد أحرجني قلمي معك وعجز أن يرسم لك آخر بسمة وأنت تنام وحدك... ولم يبق لي إلا أن أدعو لك ربّا رؤوفا إذا دعوته يستجيب لك.. مع كلمات للشاعر العراقي الكبير حسين القاصد و كأنها مكتوبة منذ البدء لك...
«هنا كنتَ تملي علينا أنينك
وتزرع فينا يقينا ظنونك
أتذكر؟ كنت تخيط الغيوم
لتمطر شعرا يباكي شجونك
هنا كنتَ، كان الجميع إليك يشير
ويطمح في أن يكونك
وها قد رحلت وظل السؤال الوحيد لديهم
لماذا ترمّلُ هذي الدموع
أوقت البكاء سرقت عيونك
تعالى لتكمل ما قلت لي
أعد من جديد فهم يجهلونك
وهم يكرهونك وهم يعشقونك
وهم يفرحون إذا يشبهونك
لماذا انتشرت كعطر لذيذ سريعا
ورحتَ، فهل يذكرونك
لأنّك متَّ فقد خُنتني...
لذا سوف أبقى هنا كي أخونك..
حبيبي هو الموت لا يستحي
لذلك طالت يداه شؤونك
لماذا استحييت وطاوعته
وأسدلتَ وقت اللقاء جفونك؟»
آخر الكلام
نسيت أن أقول لك ولدي الحبيب إن الأخ فتحي الهيشري اتصل بي صباح أمس وأكد أن لك موعدا معه لمساعدتك على استخراج جواز السفر.. ولم يكن يعلم أنك سافرت إلى مكان لا يُطلب فيه جواز السفر.. فيه قانون أرقى وأسمى من قانون البشر...
وداعا حبيبي... ذلك هو القضاء.. ذلك هو القدر
أبوك وأخوك وزميلك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.