كتاب "انتماء" يكرّه لدى الأحرار الانتماء لتونسَ اعتلى سدّة الحكم فيها المجرمون الحاكمون بشريعة الفساد، ويجعلهم شديدي الحرص على الانتماء لتونس الثورة التي لا بدّ أن يحقّق أهلها انتماءهم العربي الذي حاربته الفروكفونية والإسلامي الذي تناوشته كلّ الملل الشيطانيّة التي بلغ الضلال بأهلها حدّ الدعوة إلى الزواج المثلي للتدليل على حريّة تُرضي مَن لا يرضون عنّا إلّا إذا اتّبعنا ملّتهم السائقة إلى النّار وبئس القرار!... وقد أردتّ في هذا الجزء الأخير أو الوقفة الأخيرة مع "انتماء" ذكر بعض الصور التي ناقشها الشيخ لطفي السنوسي حفظه الله ورضي عنه ولو كره الجاهلون، فقد أفرد بعض الصور باستخلاص العبر منها... من ذلك مثلا، مراهنة النّظام الحاكم بشريعة الشرّ على تصديع الصفّ – صفّ "الانتماء" الإسلامي - بالترغيب مرّة وبالكذب والنّفاق والغشّ مرّات. إلّا أنّ الله تعالى سلّم، فبقي الصفّ متماسكا ثابتة عناصره على الحقّ عاضّة على دين ربّها بالنّواجذ حتّى قضى منهم من قضى وسقم منهم من سقم وغادر السجن منهم من غادر يحمل في جسمه شهائدَ على ساديّة النّظام التونسي الهارب؛ لا تُنسِي فصولَها ثورةُ الثوار ولا تقلّل من رسوخها تعويضاتُ العدالة الانتقاليّة!... ومن ذلك كذلك مراهنة النّظام الدّميم على استعمال – والتعبير للشيخ - الاختلافات الفكريّة والعقديّة لبثّ الفرقة بين من جمعتهم صفة الانتماء وهم من مشارب شتّى، ولقد مات النظام الحاكم بشريعة الشرّ يومئذ غيظا لِمَا رأى من توافقٍ جمع الإسلامي بالشيوعي في صورة شبيهة بهذه الصورة التي غاظت اليوم معارضة الشرّ التي لم تستسغ اجتماع اليسار مع اليمين في حكومة أرادت إرساء الوفاق وخدمة المصلحة التونسيّة العامّة بعيدا عن نعرات الحميّات المنتنة. بل لقد تفتّت النّظام كمدا يوم انتقل بعض شباب الانتماء الشيوعي إلى الانتماء الإسلامي، وهم يعلمون أنّ النّظام سيذيقهم بهذا الانتماء ما لم يعهدوه من ذلك الانتماء!... "كنتو باش تقتلونا توّا باش نقتلوكم"!... تلك جملة تردّدت كثيرا على أفواه السجّانين على اختلاف رتبهم ومواقعهم ومسؤولياتهم!... اقتنعوا بما سوّق لهم رئيسهم وسائقهم إلى النّار (إن لم يسجّلوا توبتهم)... عملوا "مخلصين" على إفناء "الانتماء"، وتفنّنوا برغبة "ربّهم" – الحاكم بشريعة الشرّ - في إيذاء عباد الله، وسلّطوا عليهم ما لا تتحمّله الجبال الرّواسي!... قلت: لو كنّا اليوم مثلهم – ونسأل الله ألّا نكون مثلهم – أكنّا ظلمنا إذا قلنا "كنتم قتلتمونا فنحن اليوم بالقصاص نقتلكم"!!!... قد نعفو عمّن ظلمنا غير أنّ عفونا لا يمكن أن يطال هذا الكلب بطل هذا المشهد الذي أعيد سرده كما رواه الشيخ الفاضل لطفي السنوسي!... قال: "استبسل فلان الفلاني رحمه الله ولم يخضع أمام ألوان التعذيب التي مورست عليه من أجل الاعتراف بتهم باطلة، فما كان من المحقّق الابتدائي إلّا أن جلب زوجته ومعها أيضا ضيفة من قرابة العائلة وُجدت توافقا في المنزل لحظة اقتحام البوليس، أدخلوها عليه وهو عريان معلّق في وضع الدرجيحة (الأرجوحة). ثبت على استبساله فشرع الجلّاد في تجريد زوجته من ثيابها ثمّ ألحقوها به معلّقة في قضيب مقابل ثمّ ختموا بالضيفة في نفس الوضع ثمّ دار المجرم "فتلة" في عمليّة يمنع الحياء من وصفها..."!... انتهى كلام الشيخ ورأسي تكاد تنشطر وظنّي أنّ التونسي الذي يطلب لهذا عفوا لا يمكن أن يكون طبيعيّا ولا رجلا!... لا بدّ من القصاص من هؤلاء الكلاب حتّى نستطيع يوم نموت الموت باطمئنان!... عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالت قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ما يصِيب الْمُؤْمِنَ من شَوْكَةٍ فَما فَوْقها إِلاَّ رفعه اللَّه بها درجة أَو حطَّ عَنْهُ بِها خَطِيئَة"، و"الانتماء" وقد آمنوا وثبتوا على إيمانهم قد أصيبوا إصابات بليغة بلغت ببعضهم الموت وبآخرين الاعتداء على العرض بطرق بربريّة لاإنسانيّة فجّة. ولكنّ الانتماء مع درجات الرّفعة ودرء الخطايا بما لاقوا قد حازوا خيرا آخر هو عند الله خير من الدنيا وما فيها، فقد شاء الله تعالى أن يجعلهم سببا في إصلاح شأن الكثير من مساجين الحقّ العام – أولئك الذين أرادهم الحاكم بشريعة الشرّ أن يكونوا مجرّد أداة تعذيب "الانتماء" – فتصالحوا مع ربّهم خالقهم وثبتوا بعد ذلك في مواطن المروءة والرّجولة حتّى ضربوا الأمثال في الثبات والصبر والمصابرة ورفض الظلم واستصغار الظالم واحتقاره، فطوبى للتّائب منهم ولمن يلحق بهم!... والشيخ لطفي يذكر بطولاتهم تحت عنوان "شهادة لله ثمّ للتاريخ" ويكشف عن حبّ كبير لهم ويوصي إيحاء بضرورة العناية بالسجين المخطئ، فإنّه متى وجد الحضن الدّافئ لجأ إليه وسمع منه واتّبع تعليماته!... على أنّ اللغة الأقدر على الإصلاح هي بلا شكّ وجود القدوة الصالحة، فلولاها ما تجاسر الحقّ العام - والسجن على ما هو عليه - بالسير على طريق الله تعالى!... هذا وأعود على البدء، فأشكر شيخي وسيّدي لطفي السنوسي، سائلا الله أن يجعل ما لاقاه وإخوانه في موازين حسناتهم، داعيا للجميع بالهداية والاستقامة والثبات على الحقّ، موصيا بالقصاص، والله تعالى من فوق سبع سماوات يقول: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"...