بعد أن قدّمتُ الكتاب في الجزء الأوّل ووقفت عند بعض الاستخلاصات، أعود اليوم لأتوقّف عند كلمات ردّدها كثيرا الشيخ لطفي السنوسي تأكيدا منه - أحسب - على دروس هامّة فيها يجدر بنا حسن استيعابِها وحفظها!... ويبارك في ترابك يا تونس!... يبارك في ترابك يا تونس!... هي مطلع أغنية شعبيّة قديمة، وهي – كما لا يخفى – دعاءٌ رجا مردِّدُه اللهَ تعالى أن يبارك في تونس وفي ترابها كي يُغدق خيراتٍ تعمّ نعمُها النّاس، غير أنّه قد استُعمِل في الكتاب للسخريّة التي أُكرِهَ عليها صاحبها أو هو عبّر عن الحسرة والأسف الشديدين على ما صارت إليه تونس وما آل إليه الوضع فيها في عهد صاحب التغيير المبارك!... والله أحد! الله أحد!... ابن علي ما مثله أحد!... الله حدّ! الله حدّ!... ابن علي ما كيفو حدّ!... شعار رفعه "الوطنيون" والمناشدون والمنافقون والمتزلّفون والمتمعّشون من الفساد والقادمون يوم القيامة بيافطة "آئس من رحمة الله"!... يعلّق عليه الشيخ مؤكّدا "حقّا ما كيفو حدّ"!... ليس كمثله أحد في الدنيا، من حيث الظلم الذي سلّطه على "الانتماء" حتّى لكبر على الشيخ وإخوانه تنديد المندّدين بما يجري في غواتينامو الأمريكي وفي سجن أبو غريب العراقي والحال أنّ ما يجري فيهما لا يرقى إلى مستوى سجون تونس وقت زيارتها من قبل كبار المسؤولين في البلاد! ليس كمثله أحد في بلاد المسلمين من حيث محاربته للإسلام وتنكيله بالمسلمين... من حيث تعدّيه على أعراضهم ووأد أحلام أبنائهم وتفريق شملهم وتشتيت جماعاتهم!... ليس كمثله أحد من حيث ساديته وجشعه ورغبته في الدنيا ورغبته عن الآخرة!... ليس مثله أحد من حيث نجاحه في صرف التونسيين عن المروءة وصرفهم إلى الحرام وإلى الرّذيلة... من حيث قضاؤه على الحياء وعلى النّسل الحلال وعلى العلاقات الأسريّة!... ليس مثله أحد وقد فتح البلاد للصهاينة يرتعون ويتجسّسون، للشيعة يشيّعون، للنّصارى يبشّرون وينصّرون، لإخوان الشيطان يستهوون وأتباعهم يستقطبون!... ليس كمثله أحد وهو مجرم يحكم بشريعة الشرّ!!!... وصف أطلقه الشيخ لطفي؛ فما أجمعه: "ماذا أقول في وضع يحكم فيه المجرم بشريعة الشرّ"!... شريعة الشرّ التي ارتضاها الكثير من التونسيين الذين نرى منهم هذه الأيّام مَن يرفض الشريعة الإسلاميّة التي يخشون منها الحيف ومحاصرة الحرّيات الخاصّة والعامّة!... وقد بات اليوم ضروريّا تعريفُ النّاس بشريعة الخير وتقديم المحسن بدل المجرم، وتفقيه أتباع المجرمين معاني الخير والإحسان علّهم يُقلعوا عن الإجرام الذي شُرِّبوه بِشَرهٍ منقطع النّظير زمن سيادة المجرم بشريعة الشرّ!... وقد يكون من وسائل ذلكم التفقيه الحدّ من "الوطنيّة" ومن "حبّ" الوطن!!!! والشيخ عندما يتكلّم عن الوطنيّة والوطن يكثر من الطنطنة... طن... طن... طن... طن... طن... طن... طن... طن...، فالحديث عن الوطن عند "الوطنيين" مجرّد طنين تافه زنيم، وهو وعاء حكم المجرم بشريعة الشرّ!!!... ولو كنّا في تونس وطنيين ما عذّبنا ولا قتّلنا من التزم بالفصل الأوّل من الدستور التونسي فكان مسلما!... ولو كنّا في تونس وطنيين ما أكرمنا منكر الفصل الأوّل من الدستور التونسي!... ولو كنّا وطنيين في تونس ما صفّقنا للمجرم الحاكم بشريعة الشرّ ولا طالبنا بتأبيد بقائه على جماجم التونسيين الوطنيين!... لو كنّا وطنيين في تونس ما حاكمنا من دلّس عليه الأشرار تمزيق علم البلاد وغضضنا البصر عن مومسات فعلن بالعلم ما يفعل فيروس فقدان المناعة بجسد متجاوز الحدود الأخلاقيّة!... إنّها "الوطنيّة" لا بارك فيها ولا في أهلها!... إنّه "حبّ" الوطن!... طن... طن... طن... أَأواصل!!! إذن لأعدت كتابة الكتاب كلّه، ولكنّي أكتفي بهذا القدر مما اخترت من جمل توقّف عندها الشيخ الفاضل!.. على أنّي سأعود مرّة ثالثة وأخيرة للحديث عن عائلات عاشرها "الانتماء" في السجن لأبرز من خلاله ما أراد الشرّ وما الخير دائما يريد!...