كتبتُ على جدار غلافه الدّاخلي: أتممت قراءته اليوم الاثنين الموافق 14 ماي 2012، بنسق قراءة هو الأعلى مذ عاقرت القراءة في حياتي!... ذلك هو كتاب "انتماء" الواقع في 192 صفحة من الحجم الصغير، المكتوب بلغة رقّتها سهولتها وشعبيتها ومن قبل ذلك ومن بعده سموق قامة كاتبها وعلوّ همّته وندرة معدنه وعظمة مروءته!... "انتماء"! كتبه سيّدي وشيخي وأخي لطفي السنوسي ذو التسع وخمسين سنة، بعد خروجه من السجن في آخر "ربطيّة أنثى" كما أرادها له أعداؤه، والتي خصمت من عمره سبعة عشر عاما متتالية منها ثلاثة عشر عاما فقط في السجن المضيّق!... اعتدت عند قراءة كتاب ما أن أجعل بداخله ورقة أدوّن فيها أرقام الصفحات المراجع التي قد أعود إليها عند التفكير في استغلال ما في المقروء من درر، ولكنّي لم أفعل ذلك مع "انتماء"، ذلك أنّ صفحاته كلّها بل جمله كلّها بل كلماته كلّها حَريّةٌ بالتدوين وبتنصيبها في مقام المختارات، ممّا قد يجعل تلخيص الكتاب مستعصيا وذلك من حيث صعوبة الاختيار فيه والمفاضلة بين جمله!.. ولكنّ الكتاب مع هذا الجمال اللفظي والتسلسل الروائي المسيطر يعدّ "مصيبة" للقارئ لا سيّما مَن كان مثلي متأثّرا بعطوب كبيرة كثيرة طالت القلب والنّفس على حدّ سواء!... لذلك فقد هممت بالتوقّف منذ البداية والشيخ لمّا يستكمل نقل مهرجان الاستقبال الأوّل الذي حظي به وإخوانه في السجن، لولا بقيّة همّة عاتبتني أمام نفسي، كيف تفرّ من قراءة ما مرّ بالرّجال وقد عهدناك من أولئك الرّجال!... لن ألخّص الكتاب ولن أسرد ما فيه، فاقتناؤه ضرورة لمن أراد أن يعرف شيئا عن تونس التغيير، ولكنّي سأقف مع بعض المشاهد فيه مستنتجا بعض الحقائق والدروس: - إنّ ما تعرّض له "الانتماء" وعائلاتهم يجب أن يكون عامل تعديل للطلبات النّاتجة عن الأيّام الأخيرة للنّظام الظالم في تونس، فمن اطّلع على الكتاب وكان حرّا أحسّ لا محالة بالحرج الكبير إذا طالب بحقّ قبل أن يسترجع "الانتماء" حقوقهم جميعا، فليس "شهيد" الثورة – وقد لسعته إطلاقة - قد شهد شهادة كشهادة سجناء "الانتماء"، وليس جريح الثورة وقد جُرح أو بُتِر قد طاله جزءٌ ألفيٌ ممّا طال "الانتماء". ولو عقلنا لأعدنا ترتيب أولوياتنا من حيث استرجاع الحقوق، وإذن لكان من أصيب في فترة 17 ديسمبر 2010 وما والاها لاحقا وليس سابقا!... - لا يليق بمن يسمّون أنفسهم "مجتمعا مدنيّا" أو "مدافعين" عن حقوق الإنسان أن يتصدّروا اليوم المجالس ويزايدوا على النّاس، فقد كانوا غير مدنيين وكانوا متوحّشين لاإنسانيين وكانوا فاقدي مروءة عديمي حياء، لمّا وضعوا – إلّا من رحم ربّي - رؤوسهم في الرّمال متجاهلين حالات "الانتماء" وعائلاتهم مزكّين بصمتهم أو بمساندتهم سياسة التغيير المبارك - كما درجوا على تسمية ظلم الظالم - التي عملت على قتل الحياة بوأد أسبابها!... - إذا كان الشيخ لطفي قد كتب كتابه زمن ابن علي، وإذا كان قد تعمّد - حسب إشارة مقدّمة الكتاب - تغطيّة بعض الحقائق رأفة بمن تعلّقت بهم الحقائق، فقد بات اليوم ممكنا بل ضروريّا إزاحة الأغطيّة لإظهار الحقيقة جليّة. وقد بات واجبا تسمية كلّ المجرمين وكشفهم ونصب المحاكم العادلة لهم، ولن تكون المحاكم عادلة إلّا إذا درأنا قبل انتصابها خبَث "حقوق الإنسان" ونشّطنا حكم الإعدام الإنساني (إذ كيف باسم "حقوق الإنسان" نمكّن "الإنسان" – وقد سفل وتوحّش - من قتل الإنسان الصالح السويّ)، فقتلنا به كلّ قاتل متعمّد كي نريح النّاس ونطهّر الأرض منه!... وقد بات آكدا القصاص من الظلمة كلّا يؤخذ منه حقوق المظلومين إلّا إذا سبق من المظلومين تكرّم بعفو. عفو لا أرى حصوله إلّا "شذوذا" قد لا يقترفه إلّا أمثال "الانتماء"!... فقد والله اختبرت نفسي – وأنا أقرأ - فما وجدتها تقوى على رؤية ظالم ممّن ذكرهم الكتاب يحيي في تونس المحرّرة، بل رأيت رغبة في تقتيلهم وتصليبهم وتقطيعهم من خلاف، وما رأيت في ذلك إلّا حكمًا من أحكام السماء كذاك الذي حكم به سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة بحضرة الحبيب صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم!... فإنّ ما حصل للمسلمين في تونس على أيدي زبانية ابن علي "حامي حمى الدّين والوطن" لهو رديف وصِنو ما حصل للمسلمين على أيدي بني قريظة!... - كتبت سابقا - وأكّد لي الكتاب ذلك - اشتراك ظلمة تونس مع الصرب والصهاينة في بعض جوانب ساديتهم، فهم جميعا قد تفطّنوا إلى ما يؤذي المسلمين فسارعوا إلى كشف عوراتهم والاعتداء على أعراضهم بما لا يبقي أبدا على أيّ رابط يربط المسلمين بهم، فلعنة الله عليهم جميعا إذ حاربوا أولياء الله ولعنة الله عليهم جميعا إذ تعدّوا حدود الله!... ولكنّ كلاب وكفّار تونس يمتازون على أزواجهم (أصنافهم) بأمرين اثنين هما الفحش في الكفر والتلذّذ بالنّجاسات!... فمن كفر من غيرهم من الصرب والصهاينة وقريش قبلهم هابوا بعض رموز الإسلام وتوقّعوا من الاعتداء عليها مهلكا، وأمّا كفّار تونس فقد بالغوا في المبارزة حتّى قال قائلهم "لا أثق في المصحف"... حتّى سمّى آخر المصحف "كتاب بورنو" لم يتردّد في رميه في سلّة القمامة... كما اعتمدوا في تعذيب الخلائق على مادّة من جنسهم فآذوا النّاس كثيرا بالنّجاسات خفيفها وثقيلها!... حتّى حوّلوا الحياة نجاسة لا يمحوها إلّا الاتصال بربّ النّاس الذي بيّن أنّه لا ينظر إلّا للقلوب!... فمن سلم قلبه طهر وزكا وإن تمرّغ في النّجاسة؛ ومن فسد قلبه نجس وخبُث وإن اغتسل بماء سبعة أبحر!... فسبحان ربّي قابل التوب وغافر الذنب ذي الطول!... يتبع بإذن الله تعالى...