مرّت الأيام ثم الأسابيع ومن بعدها الشهور والسنون ببطء شديد إبّان حكم بن علي. كانت كالكابوس المظلم أو هي شبيهة بالساعة الرملية التي تتكون من زجاجتين إحداها محشوة بالرمل وأخرى فارغة لا شيء فيها، وقد يتسرب إليها الرمل ببطء شديد. ثلاث وعشرون سنة مضت، تاركة خلفها آلام الثكالى والمحرومين. اعتقالات جماعية تساوى فيها الصغير مع الكبير والرجل مع المرأة. الكل سواسية أمام الطاغية وذنبهم أنهم ينتمون إلى حركة إسلامية قال إنها محظورة وهي التي أسس بنيانها على التقوى وعلى حبّ الناس لها. بن علي ذاك المجرم الخسيس قد أرسى دعائم حكمه على الظلم والقهر والاستبداد. همّه الوحيد إرضاء الدول الغربية ولو كلّفه ذلك تجفيف منابع الإسلام وتقييد الحريات العامة والزجّ بخصومه السياسيين داخل أسوار السجون وخصوصا منهم الذين ينتسبون إلى ديننا الإسلامي الحنيف. المهمّ أن يغنم هو وأصهاره من الكعكة التونسية ولو كان ذلك على حساب الشعب التونسي الذي وقف بكل حزم صدا منيعا لخيارات بن علي الفاسدة وتيّاره التغريبي الجارف وقال له يوم 14 جانفي 2011 « Dégage ». ثورة شريفة نوّه لها المجتمع الدولي لنبل مقصدها حتى أنها سمّيت بثورة الياسمين. كما أنها فتحت الباب على مصراعيه للعديد من الثورات ومن بينها الثورتين المصرية والليبية اللتين أطاحتا بجبّارين قد حكما البلدين بالحديد والنار طيلة عقود ونيّف حتى صارا وكأنهما قدريهما المحتوم. في ذلك الحين كنت أمقت بن علي وأزلامه حتى التراب الذي كان يمشي عليه من شدّة ما تعرّضت له من مضايقات من قبل رجال الأمن الذين كانوا يلاحقون أمثالي حتى في دور العبادة وفي الأماكن العامة فهم يتعاملون معنا معاملة فظّة وغليظة. وهم يقصدون بذلك إرهابنا وتخويفنا حتى نترك دين الآباء والأجداد. دين ارتضاه الله لعباده الصالحين. دين فيه عزتنا ومناعتنا ومن سلك سبيل آخر غير الإسلام هلك وخسر. سخروا منّا في كثير من الأحيان وقاموا باستفزازنا في عديد المرات، فصبرنا على هذه المحن. ولم نكن نلتجأ ونشتك همومنا وغمومنا إلا لله الواحد القهار. أذكر أنني حين يلعب المنتخب الوطني مباراة رسمية مع منتخب إفريقي أو أوروبي أساند المنتخب الأجنبي وأتمنّى له الفوز في المباراة من كل قلبي. سألني أحد الزملاء لم لا تشجع منتخب بلادك وهو كما تعلم؟ فأجبته قائلا : إن هذا البلد ليس بلدي رغم أنني ولدت وترعرعت فيه. فالمنتخب الوطني لا يمتّ لي بصلة فهو مكسب من مكاسب التغيير. إذ أن تونس العهد الجديد كما يقولون في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة كانت تضوّي عالبراني. قناة تونس 7 هي كذلك لم تكن تستهويني بالمرّة لكثرة ذكر بن علي ومكاسبه الزائفة وخياراته الصائبة لذا قمت بحذفها من باقة القنوات الفضائية. وإن أردت معرفة ما يحدث في البلد الذي تنكّر لي ولأبنائه البررة أقوم بمشاهدة الحصاد المغاربي التي تبثّه يوميا قناة الجزيرة. قال لي آخر عليك أن تعيد النظر في مسألة الولاء للوطن فقد قال الشاعر : بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلها وإن جاروا عليّ كرام فقلت له إنني لست مقتنع بهذا البيت الشعري وهو مجرّد هراء وترّهات وكلام لا يسمن ولا يغني من جوع وليس له أساس من الصحة. وإنما قيل هذا البيت حتى يكون بلسما ومسكّنا للمضطهدين، فيتوخوا بذلك سياسة النعامة ويتخاذلوا في الذود على حقوقهم المسلوبة قهرا وعدوانا، ويضعون رؤوسهم في التراب حين يبصرون خطرا محدقا بهم. بعد ثورة الياسمين تغيّر الحال وكأن الدنيا انقلبت رأسا عن عقب، فبن علي هرب واحتضنه بلد كان يُفترض ألاّ يدخل ترابه الطاهر الزكي بتاتا. فالمملكة العربية السعودية مهد الأنبياء وبلد الأنقياء وبها بيت الله الحرام والمدينة المنورة الغرّاء آوى إليها رجل لطالما حارب الله ورسوله وجفّف منابع الإسلام في تونس وضيّق على مسلمي هذا البلد حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. فعلى قدر ما كرهت بلدي في ما مضى بقدر ما أحببته حين وجدت الأمن والأمان في ظل حكومة تعمل على إزالة الفساد ومحاربته بشتى الوسائل والسبل. صحيح أن حكومة الجبالي لا تملك عصى نبي الله موسى ولا مصباح علاء الدين ولكنها تملك الإرادة والعزم على دفع الظلم على المظلومين والضرب على أيادي المعتدين الظالمين. وهذا ما نريده ونرجوه من حكومتنا ونحن نساندها على هذا التمشي وشعارنا في ذلك خبز وماء وبن علي لا. واليوم عادت إليّ نشوة مشاهدة منتخبنا الوطني الذي لن أتوانى على تشجيعه، فهو منتخب جميع التونسيين مع اختلاف مكوناته وأطيافه، ويجدر بي مساندته حتى ترفرف الراية التونسية في المحافل الدولية. ويعلم العالم بأسره أنّ ثورتنا نجحت وأن الاستبداد ولّى وانتهى ودخل مزابل التاريخ ولن يعود بإذن الله. فيصل البوكاري تونس