ماذا سيكون موقفك لو كان رئيسك مجنونا؟ أحد المقربين للرئيس, السيد الطاهر هميلة, يصرح للعربية نت "ان تصرفات المرزوقي تبعث على الريبة والشك" ثم دعا "نواب التأسيسي إلى عرض المرزوقي "على الفحص الطبي"، و"تكوين فريق طبي يهتم بمعاينة سلامة الدكتور المنصف المرزوقي", لأنه يعاني من اضطرابات نفسية. تصريحات في غاية الخطورة, قد لا يكون أثرها بسيطا على الرأي العام, وقد تكون حقيقية او مغرضة, وفي كل الحالات فهي لا تليق بمقام رئيس الجمهورية ليس لذات الاشخاص وانما لأهمية المهمّة. فالرئيس منصف المرزوقي, وقد كنت أحد تلامذته في كلية الطب بسوسة لمدّة لا تقل عن السنتين, رجل مفكر طبيب واضح الأهداف والرؤى, حتى انه رجل مبدع يبحث عن الأنفراد, وانتقل من اختصاص الأمراض العصبية الى أختصاص الطب الجماعي, لكون هذا الأخير غير موجود في تونس, وكان اول من ابتدعه بالبلاد. في 25 سنة من عمره, اي سنة 1970 شارك المرزوقي في مسابقة عالمية للشبان بمناسبة مئوية المهاتما غاندي لتقديم نص عن حياة الرجل وفكره، وفازت مشاركتة دون كل المشاركات. انضم في 1980 إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وأصبح رئيسها في 1989 ثم خلع منها سنة 1994 بعد لعبة قذرة من النظام السابق. أحيل في عام 1993 إلى القضاء بعد تأسيسه جمعية الدفاع عن المساجين السياسيين. في عام 1997 أسس مع عدد من المناضلين بينهم الناشط السوري هيثم مناع اللجنة العربية لحقوق الانسان وترأسها حتى عام 2000. أسس في عام 2001 بمشاركة العديد من المناضلين والقوى السياسية التونسية المجلس الوطني للحريات, واسس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في نفس هذه السنة, وأعلن انه حزب مقاومة لا معارضة. حياة الرجل كانت في غاية الوضوح, مقاومة الزمن الدكتاتوري والسعي الى تأسيس الجمهورية, كما اصطف الى الحراك الحقوقي بل وقاده في كل المواطن التي وضع فيها قدمه. كل حياته لا توحي بانه مجنون, لقد كان رجلا شجاعا يعوّل على نفسه اولا وأخيرا, حسب شهادة اقرب المقربين له من الأصدقاء, وقد يكون مغرورا ويعتدّ بنفسه في الكثير من المواقف, وربما كان ذلك للوحدة القصرية التي فرضها عليه النظام قبل خروجه للمنفى. وقد كان المرزوقي من الذين يطمحون للرئاسة, وقد ترشح لها سنة 2004 , ثم رشّح نفسه لها بعد ثلاثة ايام من هروب الطاغية, وأخيرا حصل عليها, وكأنه حقّق هدفا عظيما من أهداف حياته. قد يكون الرجل عالما ومفكّرا وفيلسوفا ولا يصلح ان يكون رجل دولة, فهذا ممكن, ولكن ان يكون الرجل مجنونا حسب السيد هميلة, فهذا مما لا شكّ فيه تجنّ على الرجل. ولعل تأكيد السيد هميلة بانه سيعلن قريبا عن حزبه الجديد " حركة الاقلاع نحو المستقبل", يجعل من تصريحاته ضدّ الرئيس مجرّد دعاية سياسية مخجلة, لا تليق باهل السياسة ولا تنمّ عن عقلي ديمقراطي, فالفوز الديمقراطي هو فوز اقناع وليس فوز ببث الأشاعة. وليس الساسة فقط من تجرؤوا على الرئيس, الكثير من الشباب من مستويات تعليمية مختلفة وثقافية ايضا, ولكنهم يشتركون في البذاءة وانحطاط اخلاقي لم تشهد تونس مثله, اذ يتهكمون على رئيسهم بابشع الألفاظ, وخاصة الألفاظ الغير اخلاقية, وأغلبهم يستعمل اسما مستعارا. وأتحدى كل من كتب في الرئيس المرزوقي سبّا وشتما ووقاحة, بان يأتي ببعض من نظالاته او من كتبه او من مقالاته, فهم أعجز ما يكونون. قد يكون الرجل لا يحمل مواصفات رجل دولة, ولكنه المفكر المثقف المناضل, الذي وقف في صفّ الشعب التونسي منذ السبعينات ولم يتغيّر, هذا الرجل الذي كسّر النمط الرئاسي, فكان رجل عاديا مثله مثل كل مواطن تونسي. ان نقد المرزوقي, لا يعني سبّه وشتمه والتنكيل به, لا يعني الأنحطاط الأخلاقي في التعرض اليه. ان رئيسكم هذا, حتى وان كان قدرا عليكم وقد انتخبتموه, فهو يمثلكم في المحافل الدولية يشرفكم بنضاله وبعلمه وبثقافته وبقدرته على الكلام... حتى وان لم يكن رجل دولة. 19/08/2012