عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    تركيز نظام معلوماتي للتقليص من مدة مكوث البضائع المورّدة بالمطار ..التفاصيل    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    بن عروس: اصابة 5 ركاب في اصطدام شاحنة بسيّارة أجرة تاكسي جماعي    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    البنك الدولي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية    أخبار اتحاد تطاوين..غزال يحمل الآمال    برنامج الدور ثمن النهائي لكأس تونس    كواليس الأهلي ...«معركة» بسبب حراسة المرمى    عاجل/ الديوانة تحذر التونسيين العائدين من الخارج..وهذه التفاصيل..    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تحذير من الديوانة بخصوص المبالغ المالية بالعُملة الصعبة .. التفاصيل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    غوغل تطلق تحديثات أمنية طارئة لحماية متصفح Chrome (فيديو)    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    الإبقاء على مدير عام «إي آف آم» والممثل القانوني ل«ديوان آف آم» بحالة سراح    نقابة الصحفيين تنعى الزميلة المتقاعدة فائزة الجلاصي    ملفات «الشروق» (4) كيف تغلغلوا في الجامعات التونسية؟.. عندما يتحكّم الفساد يكون المجد للصامدين    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    مذكّرات سياسي في «الشروق» (22) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... ...لهذا كنّا نستورد الحبوب من أمريكا    أخبار المال والأعمال    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    صادم/ سائق بشركة يحول وجهة فتاة ويتحرش بها ويحاول اغتصابها..    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    مع الشروق ..صفعة جديدة لنتنياهو    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    مقتل 14 شخصا بعد انهيار لوحة إعلانية بهذه المنطقة جراء عاصفة رعدية..#خبر_عاجل    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    الصحة الفلسطينية: القصف الإسرائيلي على غزة يُخلّف 20 شهيدا    عاجل: الإذن بالاحتفاظ بالمحامي مهدي زقروبة    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    اتحاد تطاوين - سيف غزال مدربا جديدا    على خلفية حادثة حجب العلم الوطني بالمسبح الاولمبي برادس ... فتح بحث تحقيقي ضد 9 أشخاص    القصرين : عروض الفروسية والرماية بمهرجان الحصان البربري وأيام الإستثمار والتنمية بتالة تستقطب جمهورا غفيرا    وزارة الشؤون الثقافية: الإعداد للدّورة الرّابعة للمجلس الأعلى للتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية    المدير العام لوكالة احياء التراث والتنمية الثقافية : التشريعات الجارية المنظمة لشؤون التراث في حاجة الى تطوير وإعادة نظر ثقافة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    جراحو القلب والشرايين يطلعون على كل التقنيات المبتكرة في مؤتمرهم الدولي بتونس    المعهد الوطني للاستهلاك: 5 بالمائة من الإنفاق الشهري للأسر يُوَجّه إلى أطعمة يقع هدرها    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    الديوانة التونسية تضرب بعصا من حديد : حجز مليارات في 5 ولايات    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل حميدة قطب : حميدة الّتي عرفت أمّ البراء أ. نجيبة بلحاج
نشر في الفجر نيوز يوم 22 - 08 - 2012

أمّ البراء أ. نجيبة بلحاج ------------------------------------------------------------------------ الكاتبة والاديبة المرحومة حميدة قطب
هاتف داخليّ شدّني للكتابة عن حميدة:
الله أكبر و لله الحمد، العالم على كبره صغير، و العمر على سعته قصير ..
فارقتنا منذ أيّام الأخت السّمحة حميدة قطب .. وجدتني أعيش نفس الظّروف و نفس المشاعر الّتي حدّثتني عنها الأخت الرّاحلة عندما رحلت عنها شقيقتها أمينة قطب.. حدّثتني أختي حميدة كيف أنّ ( مجلّة منبر الدّاعيات) طلبت منها أن تكتب مقالا عن أمينة إثر وفاتها سنة 2006م ، و كيف أنّها
وجدت صعوبة نفسيّة للكتابة في هذا الموضوع.. و أجدني اليوم أعيش نفس الموقف، و في هذه المرّة، الدّافع إلى الكتابة ليس طلبا خارجيّا إنّما هو هاتف داخليّ يصرخ في أعماق قلبي خُذِي القلم و اكتبي، سجّلي حقائق ما عشتِهِ خلال ما يقارب الثّلاثين سنة مع أختك الرّاحلة، علّك بهذا تُساهمين في نفض بعض غُبار التَّعتيم الإعلاميّ الّذي لقيته هذه الأسرة
من جهة و إفادة النّشء الطّالع من الشّباب بهذه التّجربة الحيّة فيعتبر بها في حياته اليوميّة و حركته نحو الله.. و لكن عبثا أحاول .. تُوّفيت حميدة قطب يوم الجمعة مع آذان صلاة الجمعة يوم 13يوليو 2012م قبل أيّام قليلة من بداية شهر رمضان، و نحن الآن في شهر شوّال، و لم يتحرك القلم إلاّ الآن مع محاولاتي المتكرّرة السّابقة للإمساك به لهذا الغرض النّبيل، فمن حقّها عليّ و على كلّ من عرف حقيقة شخصيّة حميدة أن يذكر لها ما قدّمت. بل من حقّ الإنسانيّة جمعاء أن تذكر مناقبها الآن بعد أن لقيت ربّها. ففي حياتها كانت متجرّدة للّه، آخر شيء تفكّر فيه هو نفسها و تكره حبّ الظّهور . فكانت جنديّة من جنود الخفاء إذا ما نظرنا إلى حقيقتها و حقيقة ما قدّمت.
ثبات على الحقّ وسماحة وقُدرة على تفهم الشّباب الناشئ في الغرب:
و هذا القلم أعجز مِن أن يُعبِّر عمَّا يجيش في القلب من خواطر بعد رحيل الأخت الحبيبة حميدة قطب، فما بالك بأن يُسجل أو يرسم حقائق حياة كاملة مليئة بالعطاء و الصّبر و التّسامح ومحبّة الآخر مع الثّبات على الحقّ.. سماحة و بسمة لا تفارق تقاسيم الوجه و هي تنطق بقوّة الحقّ، بل تسطع به و هي شامخة أبيّة، لا لفّ و لا دوران و لا ذُلَّ و لا هوان، شموخ و علّوٌ في الحقِّ لا يُناقض تفهّم الآخر ، خاصّة الجيل الجديد من الشّباب المسلم الّذي يعيش في ديار الغرب و الّذي وجد نفسه مخضرما بين ثقافتين لا يعرف أيّ موقف يقف ، أ يتبنّى الأولى أم الثّانية .. فيضطرب و تضطرب حياته، فتراها تحتضن هذا الاضطراب بقلبها المملوء حبّا للإنسان و بعقلها الرّاجح و علمها العقائديّ المتأصّل و خبرتها بتاريخ الإنسانيّة وهي خرّيجة الجامعة، اختصاص تاريخ .. فتعرف كيف تضع الإصبع على السّبب و المتسبّب في الخلل. و تتبيّن الضّحيّة من الفاعل الحقيقيّ المؤدّي لهذا الاضطراب، فتُوجّه و تُرْشِد، إرشادا مجديا ينفذ إلى القلوب ويؤثّر فيها.
لقائي بحميدة: المسار و المآل
القلم حقيقة أعجزُ مِنْ أَنْ يخُطَّ حقائق عشتها طيلة ثلاثين سنة من العمر في مدينة ماسّي بفرنسا ، مع الأخت الرّاحلة إلى ربّ كريم رحمن رحيم، هذا القلم أصغر من أن يلمس حتّى مجرّد اللّمس هذه الحقائق. و لكن أحاول أن أنقل بعض ما دار في نفسي من خواطر لها صلة بهذه الحقائق..
عرفتُ الأخت الحبيبة إلى القلب حميدة قبل أن أحلّ بفرنسا سنة 1981م، عرفتها كفرد من أسرة مجاهدة رعاها الأستاذ الشّهيد سيّد قطب، عرفتها عبر ما نُشر من كتب و مؤلفات للأستاذ الشّهيد نسأل الله له القَبُول و الرّحمة و الأستاذ محمّد أخوه الأصغر نسأل الله له الحفظ و الرّعاية و النّفع به.
و علمت أنّها مُقيمة في باريس صحبة زوجها الفاضل الدّكتور حمدي مسعود.. و كنت حينئذ أبحث عن الإسلام الّذي أراده الله لتسير به البشريّة و تُعّمر به الأرض .. فقد شعرتُ وقتها بأنّ ما عليه المجتمع الّذي كنت أعيش فيه هو بقايا إسلام و أغلبه تقاليد وضعها الإنسان لنفسه أو جلبها المستعمر له حلّت شيئا فشيئا محلّ حقيقة الإسلام و التّربية على مبادئه .. و كانت ثَمَّة بداية صحوة إسلاميّة تريد أن تنفض الغبار الّذي عَلِق بإسلام النّاس هناك و ضيّع الكثير منه، رغم كون أنّ هذا الغبار لم يقض على العاطفة الّتي تزخر بها قلوب النّاس هناك لحساب هذا الدّين.. و دعوت الله و أنا أتلمّس طريقي نحوه سبحانه و تعالى أنْ يُعرّفني بما يُحبّه و بمن يُحِبّه و يُلْهِمنِي الرُّشد و إن كان ذلك بنقلي إلى أيّ مكان في العالم، المُهّم أن أجد طريقي إلى الله كما يحبُّه الله...
و عبر الابتلاء، و كأنّ الله استجاب لدعائي، وجدْتُنِي في باريس جارة للأخت حميدة قطب منذ سنة 1982م إلى الآن..إلى لحظة وفاتها، ولم تكن مجرّد جارة لي، فقد كانت أسرة لي بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى، بل من معاني..
حميدة: الجمع بين الانفتاح و الثّبات على الحقّ
شهادة حقٍّ وجدت الإسلام يتحرّك في بيتها، في شخصها، في علاقتها بالمسلمين ممّن كانوا يطلبون زيارتها للاستفادة من علمها و تجربتها سواء اختلفت أو اتّفقت معهم، سواء عادوها أو صاحبوها.. في علاقتها بغير المسلمين من أصدقاء زوجها في العمل و غيره ، أو الّذين عرفتهم هي عندما كانت تدرس في الجامعة الفرنسيّة.. أو من جيرانها ..
وَجَدْتُنِي أُجاور قمّة من قمم الانفتاح على الآخر و رمزا من رموز التّواضع والتّجرّد للّه و محبّة الآخر و إن اختلفت معه في الرّأي. تعلّمت منها أنَّ الإنسان يحبّ الإنسان و لا يمكن للإنسان أن يكره مخلوقا من مخلوقات الله السّابحة في كونه الممتّد. و إنّما الّذي يكرهه بقوّة و بلا مداراة و لا نفاق العمل الّذي لا يُرضي الله، العمل المضّر بالبشريّة و الّذي يمكن أن يهوي بها إلى متاهات لا قبل للإنسان ذاته بها، و إن سمح الإنسان لنفسه أن يخوض معركة مع أخيه فلحساب استنقاذ البشريّة من هذه المتاهات المهلكة.
عرفت فيها نقيض ما تروّجه بعض وسائل الإعلام عن هذه الأسرة و عنها هي من أمثلة القول أنّهم ارهابيّون و منغلقون أو ما شابه ذلك.. و في الوقت ذاته هي قمّة من القمم الثّابتة على الحقّ التّي لا تخاف في الله لومة لائم و تصدع به دون تردّد و دون تلكؤ .. فأحببتها في الله، و أحبّها كلّ جيرانها..كلّ من عرفها.أذكر أُسرة أحد المسؤولين الكبار عن المعبد اليهودي الملاصق لشقّتها.. و سبحان الله يوم وفاتها، كنت نازلة من شقّتها واعترضتني زوجة هذا الجار و أنا أركب مصعد العمارة، فبادرتني بالقول ..مساء النّور، كيف حال السيّدة مسعود( يعني الأخت حميدة)؟ هي سيّدة جِدُّ طيّبة .. هي شخصيّة تُحبّ، هي متميّزة.. هذه شهادة عفويّة تلقائية صدرت من جارتها غير المسلمة يوم وفاتها وهي لا تعلم أنّها فارقت.
قِصّة بسيطة في ظاهرها عميقة في أبعادها أحبّ أنْ أنقلها أيضا ضمن هذه الخواطر الّتي أكتبها: كنت عند أختي الرّاحلة يوما و حدثّتني و الأخت عزيزة، رفيقة دربها و مُقيمة عندها، فقالتا : جارنا المُلاصق لنا له كلب اعتدنا سماع نُباحه دائما.. و منذ أيّام غاب هذا النُّباح ..فهذا أمر غريب .
و عرفنا بعد فترة أنّ الكلب مات. فلمست رأفة و حُزْنا لغياب هذا الحيوان في ملامح الأختين.. و نحن نعلم ما هي عقيدة المسلم فيما يتعلّق بتربية الكلاب في الشُّقق.. درجة راقية في الإحساس بالآخر و محبّة الآخر سواء كان انسانا أو حيوانا و مهما كانت المعتقدات .. هذا الحبّ الرّاقي للآخر لم يمنعها مِنْ أنْ تصدع بالحقّ متى وجب ذلك.. أذكر يوما اسْتُضِفْنا معا عند جارة أمريكيّة مُتّزوجة من أمريكي من أصل يهودي و اعتنق البروستانتينيّة ، أتيا إلى فرنسا لمهمّة يقومان بها في الكنيسة البروستانتينيّة و دار حوار ساخن في بيت الجارة حول علاقة أمريكا بحرب العراق أيّام صدّام حسين فرأيت في حميدة قُوَّة في الحقّ عالية مُصاغة بخُلُقٍ دمِثٍ لا يمكن للعدوّ إلاّ أن يحترمها أو أن يسكت ولو على مضض.. فالحقّ يعلو و لا يُعلَى عليه أيّا كانت المواقف، وأيّا كان المكان، و أيّا كانت الأحداث،إذا كان الإنسان واثقا بمبادئه قوّيا بالله و في الله.
لا أستطيع في هذا المقال الصّغير أن أذكر كلّما سجّلته الذّاكرة في حياتي مع حميدة العزيزة .. ولكن أذكر إجمالا علاقاتها بأساتذتها في الجامعة الفرنسيّة، بالطُّلاب هناك مسلمين و غير مسلمين، فرنسيين و غيرهم، علاقتها بالأطبّاء و الممرضين و الممرضات في المستشفيّات التّي تردّدت عليها للعلاج .. محبّة الجميع و احترامهم لها أينما حلّت و أينما وُجِدَت لسماحة خُلُقها و لقّوة عقيدتها و إن خالفوها.
حميدة سلوك متميّز و أخلاق راقية :
بحثت في كلّ اللقاءات و الجلسات.. في كلّ اللّحظات الّتي التقيت بها مع حميدة في بيتها، في بيتي، عند الآخرين، في السّيارة، في الشّارع، فما وجدت لحظة لغو واحدة في عمر حميدة الّذي عرفته و عشته معها.. فإن تحدّثت فلحساب الحقّ، و إن صمتت فلحساب الحقّ، و هذا لم يمنع مِنْ أنْ تكون الجلسات معها شيّقة و مُحَبَّبَة لمن حضرها للصّغير و الكبير، للمسلم و غير المسلم، للغريب و القريب، للمُخْطئِ و المُصيب في حقّها.
حميدة الأديبة
كثيرا ما شغلت نفسها بالقراءة و طلب المعرفة إلى آخر لحظة في حياتها، كانت مطالعاتها مُتّنوعة ، شغُوفة بالأدب و كان كلُّ ذلك لحساب المعرفة و متابعة الأحداث و الاهتمام بالآخر. و قد خلّفت حميدة وراءها كتبا مطبوعة أذكر منها : رحلة في أحراش اللّيل،و نداء إلى الضّفة الأخرى و العديد من المقالات المنشورة و غيرها من المخطوطات الّتي لم تطبع من بينها بحث حول موقعة الجمل باللّغة الفرنسيّة.
رأيت في حياتها تُرْجمانا حيّا لما عبّر عنه الإمام الشّافعي رضي الله عنه في البيت التّالي:
أينما ذُكِرَ اسم الله في بلد يُعَدُّ أَرْجاؤه مِنْ لبِّ أوْطَانِي
و أيضا:
سافِر تَجِدْ عوضا عمّن تفارقه وانصب فإنّ لذيذ العيش في النّصبِ.
فحتّى سفرها لم يكن مرّة واحدة لحساب ذاتها بل كان دائما لحساب الواجب وما يرضي اللّه، وكانت سعيدة بذلك مهما كانت المشاقّ، تستمدّ تلك السّعادة من شعورها بإرضاء اللّه.
و حجم شخصيّة حميدة جدير بأن يؤلّف فيه كتاب يتناول دراسة حياتها من جوانبها المتعدّدة: حميدة الإنسان، حميدة العابدة و الحافظة لكتاب الله،حميدة المرّبية،حميدة الدّاعية ، حميدة الصّبورة المُحتسبة و المجاهدة، حميدة الحقيقة بالشّهرة الزّاهدة فيها و حميدة الأديبة.
أسأل الله أن يتقبّل منها هذا العمر الّذي سخّرته للجهاد في سبيله بالكلمة الطّيبة ، بالعمل الصّالح، بالثّبات على المبدإ و إن اقتضى ذلك الصّبر على السّجون ( و قد قضت الأخت حميدة ما يقارب السّبعة سنوات في سجون جمال عبدالنّاصر في زنزانة و المجاهدة زينب الغزالي يرحمهما الله)،و أسأله سبحانه و تعالى أنْ لا يفتننا بعدها و أن يُلحقنا بها في مقام رحمته يوم لا ظلّ إلاّ ظلُّه.
باريس 21أوت 2012
أمّ البراء أ. نجيبة بلحاج
------------------------------------
التحرير:
سطور مضيئة من حياة الأديبة المجاهدة حميدة قطب رحمها الله
- عبد الله القزمازي
لا تعرف معادن النفوس إلا في الشدائد والمصائب، وعند الاختيار ما بين الحياة والموت، عندما يفترق المرء عن أحبائه برضاه، هذه هي البطولة إذا كانت في الحق، ولدينا في قاموسنا الكثير من نسائنا الأبطال فهناك من بيّضت بمواقفها الصحائف، وأعلنت شموخ شخصيتها، من خلال أدوارها المشرّفة في كلِّ مجال، فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد، فالفقه والحديث، والشعر والنثر، والجهاد: إمّا بالحضور في سوح المعارك، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور.
من هؤلاء النساء الأبطال "حميده قطب" إحدى المجاهدات الصابرات في عصرنا الحديث.
ولدت الأديبة المصرية حميدة قطب إبراهيم، الشقيقة الصغرى للشهيد سيد قطب والأستاذ محمد قطب وأخت المناضلة أمينة قطب في القاهرة في العام 1937، اعتقلت في ظل النظام الدكتاتوري الناصري في عام 1965 وحكم عليها بالأشغال الشاقة لعشر سنوات وعمرها حينئذ 29 عامًا وكانت التهم الموجهة لها المساهمة في لجنة لإعالة أسر المعتقلين في الفترة من 1954 و 1964، خرجت من المعتقل بعد 6 سنوات وأربعة أشهر قضتها بين السجن الحربي وسجن القناطر، وتزوجت من الدكتور حمدي مسعود طبيب القلب وانتقلت معه للإقامة بفرنسا.
الداعية المجاهدة
عرفت حميدة قطب الإخوان المسلمين بعد أن التحق الشقيق الأكبر "الشهيد سيد قطب" بدعوة الإخوان بعد عودته من أمريكا، وسارت على نهجه أختاه حميدة وأمينة، ونشطت حميدة مع الحاجة زينب الغزالي في نشر الدعوة وسط النساء، حتى دخلت الجماعة في طور محنة حادثة المنشية عام 1954م فاعتقل أخوها سيد ومعظم الإخوان، وحكم عليهم بأحكام متفاوتة بين الإعدام والسجن، ولم تستكن حميدة قطب، لكنها اشتركت مع السيدة أمينة علي ونعيمة خطاب وزينب الغزالي وخالدة الهضيبي في رعاية أسر الإخوان المعتقلين.
وعندما بدأ تنظيم 1965 يتشكل في عام 1957م، واختير الشهيد سيد قطب ليكون مسئولاً عن التنظيم، وكان ما زال داخل السجن اختيرت حميدة قطب لتقوم بدور الرسول بين قادة التنظيم خارج السجن وبين أخيها سيد داخل السجن، وظلت تقوم بهذا الدور لسنوات عدة حتى اعتقلت عام 1965م.
تكبدت حميد قطب المشاق ولم يتجاوز عمرها 21 عامًا من أجل دعوتها فرحلة ذهابها إلى الشهيد سيد قطب في سجن طره كان يستغرق ما يزيد عن 5 ساعات، وانتظارها في حر الشمس خروج تصريح لمقابلة أخيها الشهيد.
تعرَّضت أسرة المجاهدة حميدة قطب لكثير من المحن، ففي عام 1954 حُكم على سيد قطب الشقيق الأكبر بالسجن لمدة 15 عامًا، وفي 1965 قبض على أفراد أسرة آل قطب كلهم، وعُذِّبوا عذابًا شديدًا، ونصبت المحاكم العسكرية، وتولى الفريق محمد فؤاد الدجوي رئاسة المحكمة، وحكم على أخيها سيد قطب بالإعدام.
وجهت إلى حميدة قطب تهم كثية منها: "نقل معلومات وتعليمات من الشهيد سيد قطب إلى زينب الغزالي والعكس، توصيل ملازم معالم الطريق إلى الإخوان خارج السجون، إعانة العائلات في الفترة بين 1954م 1964م".
وأحيلت إلى المحكمة العليا في الجناية رقم 12 لسنة 1965م، "أمن دولة عليا"؛ حيث أصدر صلاح نصار رئيس النيابة قرارًا بإحالة 43 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، كانت حميدة قطب رقم 40 في الصحيفة والتي حوت القرار، وكان عمرها آنذاك 29 عامًا ولم تتزوج بعد.
وحكم عليها بالسجن ظلمًا 10 سنوات مع الأشغال الشاقة، قضت منها ست سنوات وأربعة أشهر بين السجن الحربي وسجن القناطر حتى أفرج عنها أوائل عام 1972م.
الأديبة
برزت المواهب الأدبية للأخ الأكبر سيد، فاتجه إلى الشعر والأدب، وسار على نهجه بقية إخوته: محمد وأمينة وحميدة، وكان سيد هو الموجه والمربي والمعلم لباقي إخوته، وأصدروا معًا كتاب (أطياف أربعة) في عام 1945م، وذكر الشهيد سيد أخته حميدة في هذا الكتاب بقوله: "تلك الصبية الناشئة "حميدة" إنها موفورة الحس أبدًا، متفزِّعة من شبحٍ مجهول".
وكان الإخوة الأربعة يجلسون فيتدارسون العلم، وعندما التحق سيد قطب بالإخوان، وأُسند إليه الإشراف على جريدة "الإخوان المسلمون"، نهض بها، وفتح صفحاتها أمام إخوته ليكتبوا فيها، فأثروا الصحيفة بكثير من المقالات، منها: مقالة "لا إله إلا الله" للأخت حميدة، كما نشر لها مقالات في مجلة "المسلمون" وكتبت قصة بعنوان: "درس في الصغر"، وعندما رحلت أختها أمينة كتبت مقالاً جياشًا قالت فيه: "تفضلت مجلة "منبر الداعيات" الحبيبة إلى قلبنا فطلبت مني أن أكتب إليها نُبذة عن "أمينة قطب" شقيقتي.. شقيقة الدم وشقيقة الروح، التي غادرت دنيانا قبل أيام قلائل وذهبت، بعد رحلة شاقة في دار الشقاء، ندعو الله الرحمن الرحيم بعباده أن يجعلها في دار سعادة وجنة عرضها السموات والأرض".
ومن أعمالها الأدبية: "كتاب نداء إلى الضفة الأخرى، كتاب رحله في أحراش الليل، قصة درس في الصغر، قصة جنة الرعب، كتاب الأطياف الأربعة مع إخوتها".
داعية إسلامية بباريس
انتقلت حميدة قطب مع زوجها الدكتور حمدي مسعود طبيب القلب إلى باريس وعاشت معه هناك لتستكمل مشوارها الدعوي من هناك وجعلت من منزلها بباريس بيتا للدعوة، وصالونا للقاء الأخوات المسلمات هناك.
ورفضت حميدة تقديم صورة لها بدون حجاب حتى يمنح لها حق الإقامة بباريس وفضلت الرحيل وعدم الإقامة، مما أجبر السلطات هناك على إعطائها حق الإقامة وكذالك كل المسلمات هناك دون أن يطلب منهم خلع حجابهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.