فاقمت هذه الأيّام مظاهر الاستقطاب السّياسي بين التّيّار الدّاعم للحكومة و التّيار المعارض لها، و في خضمّ تلك المظاهر ألمح خللا و خوَرًا لعلّ سببُه تحسّس كل المجتمع لأولى خطواته في طريق الدّيمقراطية. فأن يناصر أحدٌ تيارًا بعينه، فذاك عين العادة و منه السّعادة، لأنّ جوهر المناصرة توافق فكر مع فكرٍ. و لا يُعمل الفكر سوى من له عقلٌ يَميز به الخبيث من الطيّب... و مجتمع بعقول أفضلُ كثيرا من مجتمع برؤوس. لكن أن يتبنّى أحدٌ مناصرته لمجموعة أفراد يختلفون أصلا في مرجعيّاتهم الفكريّة، فذاك عين الجاهليّة و العصبيّة. لأنّه إن يفعل فقد ناصر أخاه على ابنِ عمّه، و ابنَ عمّه على الغريب. و يسقط هنالك في القبليّة السّياسيّة، التي لا تختلف كثيرا على القبليّة الاجتماعيّة لأنّ من مكوّناتها الأصليّة التّكاتف و انعدام المنطق و تسمية الطير عنزا و لو طارت، إذا كان ذلك لا يُسقط كلمة القبيلة و لا يضرب وجودها وسلطتَها. لذلك فإنّي ألمح جوقة تتحضّر للعزف بأكثر ما يمكن من التّناغم المفقود أصلا بين أفرادها، فيها من العازفين الكثير... و طبّال يُتقن الوزن الثّقيل و الخفيف... حوله مصادح لا تُحصى بدأت أُصول خيوطِها تأكلها... منسأة الخوف من المحاسبة.