هدأة «مفاجئة» طفت على الساحة التونسية بعد «غزوة السفارة» التي بلغ العنف فيها منسوبا تم الإجماع على تصنيفه خطرا...و لئن ركن الشارع للهدوء الحذر فإن الكواليس باتت تغلي بما يخشى كثيرون أن يكون خارجها السكون الذي يسبق العاصفة ! بعد تلك الجمعة الحرجة، بدا و كأن الجميع يسعون إلى لملمة أنفسهم، و من ثمة الالتفات إلى بعضهم البعض نحو أفق جديد، فالعين الأمريكية الحمراء فعلت فعلها ... و كان أن طلع من «الترويكا» الحاكمة من يتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة «مصلحة وطنية»، في حين دعا آخرون من خارجها إلى حكومة «إنقاذ وطني»، و لم يكن حزب النهضة الإسلامي ليخفي توقه منذ زمن إلى توسيع التحالف الحكومي، لكن بشرط ألا يحدث تحوير جوهري و ألا يمس وزارات السيادة (العدل و الخارجية و الدفاع و الداخلية على وجه الخصوص)...و هنا مربط الفرس.. إذا، أقر الجميع –بالتلميح حينا و بالتصريح حينا- أن الأمور في تونس تردت في عنق الزجاجة، إلا أن هناك اختلاف بين الفرقاء السياسيين حول أسلوب الخروج من المأزق العام رغم البدء في لقاءات تشاورية يدعو ظاهريا للتفاؤل ... ففي هذه الأثناء طلع زعيم حزب «نداء تونس» ، الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي بلهجة أكثر هدوءا في مواجهة «الترويكا» الحاكمة، و برغم أنه استخدم مفردات مرطبة، إلا أنه بدا حازما في شرط تخلي «الترويكا» عن وزارات السيادة التي يشغلها حزب النهضة، لكي تحظى الحكومة المقبلة بمباركته لما سماه «الشرعية التوافقية» التي يجب أن تخلف «الشرعية الانتخابية» الآيلة للنفاذ بعد يوم 23 أكتوبر.. في هذه الأثناء أيضا، ظهر معطى جديد عن طريق سبر للآراء أسقط عن حزب النهضة 30% من مؤيديها، و أظهر حليفاها في الحكم بلا قيمة انتخابية ، في حين قفز الاستطلاع بحزب «نداء تونس « إلى المرتبة الثانية بعد النهضة رغم حداثة عهده و عدم اكتمال بنيته التحتية ، وهو أمر يبدو واقعيا في ظل الأخطاء المتواترة لمن يمسكون بالسلطة اليوم. حزب «نداء تونس» أبدى إلى حد الآن دهاءا سياسيا لا يبارى مقابل «بدائية» سياسية مقابلة. بل إنه قد يكون تعقل، إذ توقى من قانون «العزل السياسي» باجتلاب رموز نقابية و يسارية تجعله في مأمن من القانون الذي تستميت «الترويكا» في إقراره لعله يفرمل الدلفين الهائج ....القانون المميت لحوت الدلفين الذي يفضل – إلى الآن- الارتطام بالصخر، إيجادا لآلام أقوى تغطي على الألم السابق ! ... إلى ذلك أظهر سبر الآراء تصاعدا في شعبية أحزاب أخرى اقل ما يقال فيها أنها اقرب إلى «نداء تونس» من الترويكا الحاكمة، فبدا الأمر ذا مدلول مستقبلي حاسم إذا استمرت الأمور على ماهي عليه، خصوصا مع اقتراب موعد 23 أكتوبر الملزم ل»ترويكا» الحكم بإخلاء مواقعها في المرحلة الانتقالية الثانية، و ترك السلطة لمن ستختاره صناديق الاقتراع...و ما أعسرها هذه المرة ! من هنا جاء الشعور ب»الغصرة»، و بدأت محاولات الفكاك من ورطة سياسية و أخلاقية قد تؤدي إلى انفراج عام إذا أحسنت كل الأطراف التعاطي مع الموقف، و قد تؤدي إلى الإعصار إذا ركب الجميع رؤوسهم، و إذا سلك أطراف النزاع مسلك العجرفة السياسية التي ستشعل الشارع حتما حين يزين للبعض الاحتكام له. . و مع أنه ما تزال في زمن «صراع الإرادات» بين الداخل و الخارج خمس دقائق فحسب، فان كثيرين يسبقون تأثير العنصر الخارجي في الصراع السياسي الدائر الآن في تونس ... و مازال منهم من يتساءل بحيرة أن كان المطلوب من النموذج التونسي (الأول في سلسلة الربيع العربي) نجاحا في عبور جسر الانتقال إلى الأفضل ... أم أن المطلوب انتكاس إلى الأسوأ؟ !! و أحسب أن العنصر الخارجي يكتسب أهمية بالغة في عالم معولم بالكامل ، يجعل الولاياتالمتحدةالأمريكية تعطس عندما يبرد الجو في تونس مثلا ... وقد كان ذلك مثلا قديما متجددا مهما ضخم البعض من شيطنة «الشيطان الأكبر»، صديق اليوم ، عدو الغد ، و العكس صحيح في كل زمان و مكان ! المصدر: العرب القطرية 2012-09-27