المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة بسويسرا في ظل الاتنهاكات المتواصلة لحقوق الانسان في تونس، بادرت كل من جمعية الزيتونة بسويسرا وجمعية التضامن بباريس بتنظيم يوم حقوقي اعلامي بمقر الجمعيات بمدينة جينيف يوم السبت 20 ديسمبر 2008 .حيث انعقدت خلاله ندوة تحت شعار «معا من أجل تونس حرة»، حضرها مجموعة من ممثلي الجمعيات الحقوقية التونسية والأحزاب السياسية من داخل تونس وخارجها. انطلقت الندوة حوالي الساعة الثالثة مساء بكلمة ترحيبة للمهندس العربي القاسمي رئيس جمعية الزيتونة ذكر فيها أن فكرة التظاهرة كانت في البداية احتفالية بمناسبة اطلاق سراح بقية مساجين حركة النهضة، لكن الأحداث الأخيرة المتمثلة في اعادة محاكمة الدكتور الصادق شورو الرئيس الأسبق للحركة، ومحاكمات أبناء الحوض المنجمي وقياداته النقابية واستمرار الاعتقالات في صفوف الشباب المتدين في كامل التراب التونسي، جعلت هذا التحرك يأخذ بعدا احتجاجيا. استهل الأستاذ محمد النوري مداخلته بالاشارة الى أهمية الحراك النضالي في الخارج بغية اقناع المجتمع الدولي بضرورة مساندة مطلب الحرية في تونس بدل دعمه للنظام الدكتاتوري. ذلك أن بن علي لايزال يستقوي بالخارج الذي هو مقوم استمراره. فأكد الأستاذ النوري أن القضاء تحول، في عهد بن علي، الى آلة جريمة بيد النظام التونسي لتصفية خصومه، مما مكنه من قتل الحياة السياسية في البلاد، فحتى التجمع الدستوري الديمقراطي،وهو حزب الرئيس، صار أداة موظفة من قبل السلطة الحاكمة لحماية مصالحها. فيما جاءت مداخلة الاستاذ عبد الوهاب معطر لتذكّر بمبدئية حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في المطالبة بالحرية والديمقراطية للجميع. فخاض بذلك معركة الدفاع على كل المضطهدين في تونس وساند حركة النهضة منذ بداية محنتها، والتي نالها النصيب الأكبر من الظلم في عهد بن علي. كما اعتبر أن انتخابات 2009 هي بحث عن شرعية لسلطة استبدادية مهمتها القمع و المحاظفة على سياسة النهب. فهذه الانتخابات هي أيضا طريقة جديدة للتزييف. وهو ما يجعل الشعب التونسي مقبل على مرحلة جديدة من القمع . أما اقدام النظام على تسريح المجموعة الأخيرة من سجناء حركة النهضة فلا يعدو أن يكون مجرد تحويل من معاناة السجن الى معاناة أشد مثل حالة الشيخ الحبيب اللوز ونفي الصحفي عبد الله الزواري والمضايقات التي يتعرض لها العجمي الوريمي وغيرهم كثير . انهم رهائن بن علي ، رهائن للمقايضة. وهذا التوجه المحموم للسلطة القمعية تكرّس مع الحملات المتتالية على الشباب المتدين من خلال الاعتقالات والمحاكمات الجائرة. وفي حديثة عن واقع المعارضة التونسية، أشار الأستاذ معطرالى حالة الانقسمام والتشتت التى تشهدها. فقد بقيت معارضة أطراف. قبل أغلبها بدور معارضة الديكور، ترضى بمحددات السلطة . لأن النظام لايقبل بأي معارضة حقيقية. وبهذا الانغلاق يصبح مشروعا قابلا للتقويض لا للاصلاح. ومن هنا كان من الضروري على القوى الوطنية المختلفة التي لم تقبل بمعارضة الأطراف أن تضع اليد في اليد لتوقف صناعة الزيف. وفي هذا السياق وجه الأستاذ معطر دعوته في نهاية كلمته، باسم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لحركة النهضة للعمل سويا بهدف اعادة الشرعية للشعب التونسي كاملة غير منقوصة. أما الاستاذ سمير ديلو فقد وجه تدخله الى الأطراف الحقوقية التونسية في الداخل والخارج ودعاها الى ضرورة فهم الواقع والتمييز بين التضحية والاستثمار . اذ لا يكفي، على حد قوله، أن نشتم النظام. فأفعاله تشتمه (قمع، تشريد، اعتقال...). بل لابد من وقفة صدق وصراحة مع أوضاعنا تجعلنا نتساءل عن السبب الحقيقي لحرية السلطة في فعل ما تريد دون رقيب. وذكر أن هناك رسائل من وراء محاكمة أبناء الحوض المنجمي والدكتور الصادق شورو والشباب السلفي، لابد من فهمها بروية. اذ أن الخطاب الحماسي لا يفي بغرض الفهم و المفروض على المعارضة توحيد الجهود لرفع الظلم المسلط على البلاد بايجاد الحلول المناسبة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق ما هي نقائص عملنا؟ ان عملنا ذو طابع احتجاجي وهو عبارة على تجمع لمعلومات، قد تكون غير دقيقة. في حين أن هناك اخلالات كبيرة في المؤسسات لابد من معالجتها. هناك فساد مالي داخل المنظمات الحقوقية لابد من كشفه وتتبع المتورطين فيه، هذا عن الداخل. أما نقائص المعارضة بالخارج فتتمثل أساسا في عدم افادتها من اتساع هامش الحرية و من انجازات و خبرات العقلية السائدة في المهاجر. وألمح الأستاذ ديلو الى التقصير الذي تبدّى في عملنا من خلال النقص الكبير في مراكمة ابداع أدبي وفني لمحنة طال أمدها. لكن مقابل هذه السلبيات عدّد الأستاذ ديلو بعضا من ايجابيات العمل الحقوقي في كشفه للانتهاكات. فذكّر بما حصل في محاكمة الدكتور صادق شورو من تجاوزات. اذ أن ملفه لايتعدى الأربع ورقات حول الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها (والمتمثلة في الادلاء بتصريحات اعلامية) وتهمة المساس بمؤسسات الدولة في ذكره للتعذيب وتشكيه من الممارسات العقابية التي سلطت عليه. الرسالة الأولى كانت من السلطة، وهي أن يدها القمعيّة لا تعترف بالحدود القانونية ولا الإنسانية، والثانية ضدها لأن المحاكمة في حد ذاتها تكريم للدكتور صادق شورو ونقله من سجين سياسي إلى سجين رأي بامتياز أما على المستوى الاجتماعي فقد شكلت أحداث الحوض المنجمي حالة ارتباك للسلطة ولا يمكن ان تقبل بنزول الناس للشارع احتجاجا على ضيم سلّط عليهم. انها رسالة للشعب فحواها أن السلطة مستعدة لتجاوز الخطوط الحمراء في زجرها لكل محاولة تحرر من قبضتها. أما كلمة الدكتور المنصف المرزوقي فقد تلاها المهندس عماد الدايمي، أشار فيها الى ضرورة تحقيق الاستقلال الثاني لتونس لتحرر من ربقة الاستبداد وهوما يستوجب تكوين جبهة موحدة متصلة بالجماهير تقف في جهه. وفي اتصال هاتفي من تونس، عبّر فيه المهندس عبد الكريم الهاروني الكاتب، العام لمنظمة حرية وانصاف، عن ابتهاجه بخروج بقية مساجين حركة النهضة. لكنه عدّد في المقابل صنوف العذابات التي يتعرض لها السجناء المسرحون، مما يبقي مطلب الحرية قائما بكل ما يستتبعه من نضال وتضحيات. وفي نفس السياق كانت مداخلة السيد رياض بالطيب عن جمعية التضامن التونسي بباريس. حيث أشار لجسامة الرسالة الملقاة على عاتق المناضلين في دفاعهم عن كل المضطهدين في تونس. وأكد على مسِؤولية المهاجر في دعم الحركة الحقوقية في البلاد والمطالبة بحق العودة الكريمة لكل المهجّرين. أما مداخلة الشيخ راشد الغنوشي فقد أثنى فيها على الحقوقيين داخل البلاد وخارجها في دفاعهم على المساجين السياسيين. و تناول بالتحليل علاقة الوطن بالمنفى. فذكر أن الوطن يعيش فينا وليس خارجنا. والمنفي شريك أبناء الداخل في المعاناة، لأن شعب تونس منفي في وطنه. اذ لا معنى لوطن لاينعم فيه المرء بحقوقه. بل ان المساجين المسرحين تتضاعف معاناتهم في بلدنا بخروجهم من السجن. فالسجين قبل اطلاق سراحه كان على حساب الدولة لكن بعد خروجه يصبح سجينا على حسابه الخاص وهذا ما يراكم معاناته الاجتماعية و يشدّد خناقه. كما أشار الى تحول حرب السلطة من محاربة للتيارات السياسية الى الحرب على مناطق بأسرها، كما حصل بمنطقة الرديف. وهذا ما يؤكد أن حقيقة الأزمة هي الاستبداد وليس مجرد موضوع مساجين سياسيين. لذلك فان الأولوية يجب أن تعطى للمكاسب الصلبة في النضال وهي تفكيك مؤسسة القمع والاستبداد وعدم التعويل على مكاسب هشة قد يترجمها سراح سجين أو امتلاك ترخيص مهدّد بالسحب. لذلك فان المرتقب في تونس هو مزيد من القمع وتضخم آلياته. لكن في المقابل تزداد جبهة الشعب المضطهد وعيا وتقاربا ويتحتم عليها تجديد الثقة بشعبها وعدم الانخداع بالدعايات الانتخابية الوهمية . اذ أن السلطة باعتقالها للدكتور صادق شورو تثبت انقاطعها عن الزمن وعن حركة تاريخ الشعوب التي أفرزت في انتخابات أقوى دول العالم سليل الشريحة المضطهدة من سود أمريكا. فالمطلوب، اذن، هو مراكمة الجهد الجماعي لمعالجة السبب الحقيقي للأزمة. وفي اتصال هاتفي طالب الصحفي عبد الله الزواري، من منفاه داخل وطنه، بالعمل لتبني حالات المساجين المسرحين من قبل المنظمات الدولية. اذ الحاجة ملحة لمعرفة أسباب الاصابات والامراض الخطيرة التي تعرضوا لها. كما ذكر بانه آن الأوان لمتابعة الجلادين ومقاضاتهم دوليا بتكوين ملفات ضدهم لدى الجهات المختصة وتقديمهم للمحاكمة. ودفع المهجرين إلى ضروة التمسك بحقوقهم كاملة حتى تؤمّن لهم عودة عزيزة لوطنهم. وفي نفس السياق تدخل الدكتور سليم بن حميدان ممثلا عن تنسيقية العودة بباريس، فشرح أبعاد المبادرة باعتبارها تعبيرا عن الوجه الآخر للمحنة في تونس. فالتهجير السياسي هو نتاج للظلم المسلط على الشعب التونسي. وهذا ما يجعل مبادرة العودة انخراطا في معركة الحرية والكرامة للشعب التونسي. اذ أن العودة حق واسترداده واجب. من جهته عبر السيد علي عرفة ،منسق الحملة الدولية لحقوق الانسان بتونس، عن سعادته باطلاق سراح مساجين حركة النهضة لكن أكد أن معركة الحريات مازالت متواصلة ( محاكمات أبناء الحوض المنجمي والشباب المتدين...).كما أن خروج المساجين لايعدو أن يكون مجرد خروج من السجن الصغيرالى السجن الكبير. فمعركة التونسيين هي معركة الحرية بامتياز، حرية التعبير والتنظم للجميع. ولايمكن أن ننعم بالحرية الا بالقدر الذي نضحي به من أجلها، والثقة تبقى قوية في أصالة هذا الشعب والاقرار بالتضحيات التي قدمها في هذه المعركة قبل الاستقلال وبعده. هذا وقد تخللت التظاهرة عروض فنية لفرقة الزيتونة بسويسرا ومشاركات شعرية متنوعة شحذت الحضور الغفير بمعاني التضحية والنضال، كما وجّه رئيس جمعية الزيتونة، المهندس العربي القاسمي التحية والشكر لكل المناضلين الذين توافدوا من أقطار مختلفة ليعبّروا، في صف واحد، عن دفاعهم المستميت عن حق الشعب التونسي، كسائر شعوب العالم، في تمتعه بالحرية و العزة والكرامة.
عن المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة بسويسرا [email protected]