ما حدث اليوم في العوينة خطير بكلّ المعاني، فهو يمثّل مرحلة متقدّمة من نفوذ الفاسدين في النّقابات الأمنيّة، ودرجةً متطوّرة من مسيرة هرسلة السلطة المفوّضة انتخابيّا وتهشيم اعتباريّة مؤسسته الدستوريّة الوحيدة وتقويض رمزيّة قياداتها التنفيذيّة المتضرّرة أصلا من صعوبات المرحلة التأسيسيّة. وإنّ ردّة الفعل المتخفّية وراء الحزن على من فُقِدوا من الحرس الوطني سياسيّةٌ محضة ولا علاقة لها بالعمل "النقابي الأمني". ولا يمكن أن يكون مثل هذا الصلف إلاّ بروفة تقيس بها قوى الثورة المضادّة قدراتها في هذه المؤسسة القويّة، مؤسسة الحرس الوطني. ويكشف توقيت العمليّة "الإرهابيّة" وتزامنها مع أصداء عن انسداد أفق "الحوار" الوطني( وما يعنيه الانسداد من فشل في إملاء شروط الانقلاب) عن أنّ قدرات التحالف الأمني المالي الإعلامي الذي يديره كمال لطيّف مازال يمتلك زمام المبادرة والدقّة في اختيار المواعيد( اغتيالات، عمليات "إرهابيّة"). حتى صارت المسألة أيسر من الضغط على زر ليكون ما تريده الدولة العميقة وما يريده التحالف المهدّد بتجربة الحريّة الناشئة. ويكتسي الأمر خطورة أكبر، حين نستحضر أنّنا ننفتح على مرحلة ما بعد فشل "الحوار" الوطني. وهذه المرحلة دقيقة وخطيرة إذا بقيت منطقة فراغ. وهي أكثر خطورة حين تُملأ بمثل هذه الأعمال "الإرهابيّة" ومثل هذا التمرّد الذي يمسّ عمق المؤسسة الأمنيّة. وقد كنّا أشرنا إلى ألاّ تبقى هذه المرحلة منطقة فراغ قد يملؤها الخصوم، وأنّ على القيادة التنفيذيّة أن تأخذ بزمام الأمور وأن تكون منها أجراءات قويّة تعكس ثقتها بنفسها وبإنجاح المرحلة. إنّ ما قام به "نقابيّو" الأمن اليوم وجلاّدو الأحرار بالأمس( من بينهم من كان من جلاّدي رئيس الجمهموريّة ورئيس الحكومة) قد يُقرَأُ على أنّه ردّة فعل يائسة من "طحّانة" لطيف والجبهة، والدّليل هو أنّ من يفكّر في الانقلاب يدّخر قواه ليوم موعود، وليس من مصلحته أن يُظهر حجم نفوذه. ولكنّ الحدث قد يُقرأُ على أنّه الخطوة الأولى في الانقلاب. وفي ضوء ردّة فعل القيادة التنفيذيّة يكون موقف المنقلبين الموالي وربّما الخطوة الموالية. وإنّه ما لم تُتّخذ في شأن هؤلاء الأمنيين الفاسدين إجراءاتٌ صارمة وسريعة تليق بالمؤسسة الأمنيّة وتعيد ثقة أفرادها بها، قبل ثقة الشعب، فإن تطوّرات(انهيارات) متوقّعة لا تُحمد عقباها، خاصّة وأنّ الوضع ازداد هشاشة بفعل التجاذب السياسي في خاتمة هذه المرحلة التي لا تعرف لها نهاية ومستقرّاً.