تبيّن أنّ حادثة العوينة ليست وليدة لحظتها وإنّما هي جزءٌ من سياق وقد تثبت التحقيقات أيضًا أنّ قتل الشهداء من الحرس من ضمن ذات السياق أي أنّ جهازا بغرفة عمليّات مركزية يُمسكُ خيوطًا ويضغط على أزرار ولعلّ الملتحين أو بعضهم من الخيوط والأزرار. تتطوّر الأمور وتجد النقابات والتي تكره المُسيّسين والمتحزّبين سندًا من بعض الأحزاب التي زارتها وليس معلومًا إن كان هذا من السّياسة أو من فعل الأزرار. حديثٌ عن شاراتٍ سوداء وتجمّعات ومطالبة بإعادة هيكلة أجهزة وزارة الدّاخلية وتحديد أولويّاتها والإيحاء من خلال كلماتٍ بعينها للدّول أنّ المسار يقود إلى حكم القاعدة. ولقد مهّدت لهذه الأجواء تصريحاتٌ على الشاشات لدكاترة مُختصّين في مسائل الأمن والجماعات يمتلكون معلومات ويصرّحون أنّ جيشًا قوامه عشرة آلاف مقاتل يرعاهم عبد الحكيم بلحاج يستعدّون لدخول تونس بقيادة أبي عياض. الإعلام، المحكوم بالأزرار، يُمهّد ويغذّي لدى النّاس انتظارات كارثية يكون بعدها عملٌ ارهابي. يخاف النّاس فيطلبون الأمن ويتصدّر أمنيون المشهد للحديث عن تقاعس الحكومة وأمنها الموازي الموالي للنّهضة وللقدح في ما تباشر من نُقلٍ وتحويرات وهكذا كلّ مرّة وصولا إلى حادثة قبلاط وتمرّد بعض الأمنيين الذين باشروا استقلالا رمزيًا على الدولة في انتظار، ربّما، إعلان رسمي بذلك. في الأنظمة العسكرية يكون البيان رقم واحد عسكريًا أمّا في الدول الأمنية فيكون نفس البيان أمنيًا والتمنّي أن لا يكون عندنا هكذا بيان. لتكون الدولة أمنية يجب أن يحضر الخوف دومًا إذ هكذا تكون لهذه الدولة علّة بقاء وإن لم يكن هذا الخوف فإنّه يصنع وإن لم يحضر فإنّه يستحضر لهذا فإنّي أميل إلى الإعتقاد أنّ نسبة، لعلّها الأهمّ، من الشبكات الإرهابية من صناعة دولة بن علي الأمنية وأنّ المخطّط أن يحرّكهم لزرع خوفٍ جديد في تونس وحولها ليُسوّق نفسه صمّام أمنان وحاميًا للحمى والدين ومواصلة حكم تونس بعد 2014. تجميع المئات في السجون بعد حادثة سليمان مكّن من ربط صلاتٍ كان الأمن محيطًا بها ومنتظرًا لساعة الصفر. أمورٌ كثيرة تغيّرت بعد الثورة ولكنّ الصّلات بقيت وبقيت صلة بعض الأمنيين بها ولن اعجب إذا عمد بعض هؤلاء لتحريك المنظومة في هذا الإتّجاه أو ذاك. اذا أراد أمنيون استعادة مقاليد دولة يعتبرونها دولتهم فإنّ مرورهم يكون عبر بوّابة الإرهاب. عبرها حكم بن علي وكثرٌ أمثاله في المنطقة. هذه أصبحت من ثوابت السياسة الدولية فحتّى أمريكا ترسل مجاهدين كثر لتلحق بهم إذ هي تعهّدت بمقاومة الإرهاب وملاحقته. غزت أفغانستان والعراق لهذا وحيث تكون لأمريكا مصالح يسبق الإرهاب لتلحق أمريكَا للمصالح لا للإرهاب. في الجزائر تحوّلت جبهة الإنقاذ التي كانت رقمًا سياسيًا بقدرة مخابرات قادرة إلى جماعات ارهابية تقطع الرؤوس وتشوي الأطفال في الأفران وتغتصب النساء. من الصّعب رغم أنّ رأس الدولة الأمنية التونسية هرب، من الصّعب التحرّر من مخلّفاتِ حكمٍ أمنيّ حديدي ومن الذهنية الأمنية المترسّخة ومن كمّ المصالح الهائل الذي بنته كلّ هذه السنون لذلك فإنّ حلم العودة لدى أكثر الأمنيين تورّطًا يكبر ويتعاظم خصوصًا إذا وافق هواهم هوى محلّيًا وآخر خارجيًا. تونس تدخل في السياسة وتخرجُ من الأمن وهي بهذا الخروج تتطوّر ولا تتقهقر ومن يحرّكُ الإرهاب يريد لتونس أن تعود إلى مربّع الأمن. دخولنا إلى السياسة مرتعش ومتعثّر ولكنّه يبقى دخولا ويمكن التأسيس عليه. الأطراف السياسية أرقامٌ سياسية لا ينفع معها إلا حوار السياسة وآلياتها. النهضة حزب سياسي، لا هي ديوان صالحين ولا جماعة ارهابية وإذا خاصمناها نهزمها في القادم من الإنتخابات وتمضي بإرادة النّاس غير مأسوف عليها ولا على غيرها إذا مضى. تونس تدخل إلى التاريخ والتاريخ مغامرة وللشعوب الحقّ وهي تدخل التاريخ في الجنون كما الإنتحار كما من حقّها أن تذوق حلوَا ومرًّا. من حقّها أن تنتخب لائكيًا وأن تنتخب إسلاميًا ولا يقاد أحد إلى الجنّة بالسلاسل. إذا لم تكن الشعوب قادرة على التمييز فليس بوسع أحدٍ اقدارها على ذلك بل عليها أن تتحمّل كلّ مسؤولياتها، تبني ذاكرة وتنحت ذكاءها. هذا المسار غير قابل للإنتكاس وقد يعطّلُ ليس أكثر. إذا سمع بعض الأمنيين من بعض المتنفّذين هنا وهناك أنّ طريقهم إلى العودة سالكٌ فإنّ عليهم التفكير مليًّا إذ قد يُستدرجون الى محرقةٍ حقيقية لا أرجوها لهم فهم بشر وهم تونسيون وتعاطفي معهم مضاعف. ولكن وفي المقابل فإنّه ليس بوسعي التصفيق للإنقلاب كما أنّه ليس بوسعي احتقار النّاس والدوس على اراداتهم. لن أكون غدًا أقلّ سعادة من اليوم اذا كان حمّة الهمّامي وجماعته حكّامًا بعد الإنتخابات. السعادة ليست به ولا بخصومه وإنّما بالشّعب الذي بدأ يريد أفنمنعه بعد كلّ هذه القرون من أن يريد؟ يكون بعد ذلك كبت ينفجر لغمًا بوجه الجميع خصوصًا الأمنيين الذين منعوا تونس طويلا من أن تريد. اذا كان من بعضهم انقلاب خرجت تونس عن السيطرة ويكون بعدها ما يكون مِمّا لا أتمنّاه ولا أذكره. Mansar Hedhili