الحكم الغزّاوية، ح 2: ضرورة مراجعة كلّ الهياكل الدولية كتبت بتاريخ 14 يناير 2009 عن الحكم الغزّاوية وتوقّفت عند أولاها فأسميتها معرفة تحصينات العدوّ ودكّها، وبيّنت فيها بروز تحصينات جديدة تختلف عن باقي التحصينات التقليدية من حيث تكوينها، فهي ليست حجريّة غير أنّها أشدّ قسوة من الحجارة وهي ليست جامدة غير أنّها أكثر ثباتا في الخاصيات وأكثر قابلية للاستخدام من طرف العدوّ اليهودي الصهيوني الذي لم يقو إلاّ بتطويعها لنخر الجسم العربي بشكل ترتضيه المصلحة القومية أو الإقليمية... وأتوقّف اليوم عند ثاني هذه الحكم وهي ضرورة مراجعة كلّ الهياكل الدوليّة...
ضرورة مراجعة كلّ الهياكل الدولية: وأولّ هذه الهياكل هي منظّمة الأمم المتّحدة، ونحن نراها قد انحرفت انحرافا مشينا عن مسارها أو هدفها المعلن الذي أنشئت من أجله في 1945 على أنقاض عصبة الأمم التي كانت قد فشلت بدورها في أداء مهامّها إلاّ ما كان من غض بصرها وسمعها وبصيرتها عن الوعد المشؤوم الذي حرّره الوزير الأوّل البريطاني المجرم، بلفور، والذي قضى بنشوء ذلك المولود المشوّه المسمّى عندهم "إسرائيل"... فقد كانت "منظّمة الأمم المتّحدة" فكرة التفّ حولها المنتصرون في الحرب العالميّة الثانية (الحلفاء)، وقد كان من أغراضها المعلنة، المحافظة على السلم العالمي والأمن والتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدوليين، ما جعل أغلب الدول في العالم تساندها (كما هو ديدن العامّة في كلّ عصر ومصر) دون إطالة توقّف عند الامتيازات الكثيرة التي حاز عليها أصحاب الفكرة الأصليون، وهم - كما أسلفت - المنتصرون في الحرب، أي الولايات المتّحدة الأمريكية والاتّحاد السوفياتي (ولا أدري هنا، كيف ولماذا ترث روسيا تلك الامتيازات دون غيرها من بقية الدول المكوّنة للاتحاد السوفياتي سابقا) والمملكة المتّحدة والصين وفرنسا، وأهمّ تلك الامتيازات ديمومتهم فيما يعرف بمجلس الأمن الذي يعتبر أقوى وأهمّ مؤسّسات الأمم المتّحدة، فهم الأعضاء الخمسة الدّائمون فيه ولا أحد غيرهم يدوم، وهم الذين يملكون حقّ النقد (الفيتو)؛ ودون أن يدقّقوا في صدقيّة تلك الأغراض وحرص الأعضاء الدائمين على تنفيذها بأمانة وعدم انحياز يؤمّنان الضعفاء...
أقول: ليس من العدل أن يستمرّ هذا الهيكل - المقام أصلا على أنقاض الحرب - مساعدا للمنتصرين منجيا للقطائهم مذلاّ "للمهزومين" أو المغلوبين على أمرهم... فما حصل في كثير من البلاد الإسلاميّة كفيل بالدفع باتّجاه التشكيك في حياد وعدل "المنظّمة الدولية"، وما حدث في غزّة كفيل بالحكم بعدم حيادها وعدلها، فقد كانت المنظمّة بأعضائها ظالمة لاإنسانية عابثة مستهترة بأرواح الأطفال والنساء دمويّة محابية للإجرام والمجرمين، وقد آن الأوان لتجاوزها أو إصلاحها من أجل المحافظة على السلم والأمن العالميين... فلا مجال مستقبلا لفيتو بأيدي أناس بيّنت الأيّام مدى حقدهم وكرههم للإسلام والمسلمين ومدى انحيازهم إلى أعداء الإنسانيّة من اليهود الصهاينة المجرمين وعدم كفاءتهم في ضبط النفس مع القوّة، بل لا بدّ أن يكون الجميع سواسية في المجلس على أن تؤخذ القرارات فيه بالأغلبية المطلقة من أصوات أعضاء منتخبين دوريا!... ولا مجال لأعضاء دائمين بل هم جميعا غير دائمين، ويقع انتخابهم دوريا (كلّ سنتين مثلا) من القارّات الخمس وبصورة متساوية في العدد ومن طرف بلدان تلك القارّات، دون إشراك الدول أو الكيانات التي لا تزال تمارس الاستعمار أو التمييز العنصري في مجالاتها!... كما أنّه لا بدّ – والحديث اليوم يتأكّد حول الدولة اليهودية والمسيحيّة – من حضور الدولة الإسلاميّة بقوّة في هذه المنظّمة، وهي هنا ليست الأنظمة التي تتّخذ الدين شعارا وإنّما هي الدول التي يعمل الحكّام فيها على الدّفاع عن الإسلام والمسلمين قولا وممارسة وتقدّما علميّا واقتصاديا، كتركيا اليوم وإيران وماليزيا والسودان وربّما قطر والإمارات؛ فلا بدّ من وجود هؤلاء كياناتٍ وليس أفرادا في مراكز البحث والتخطيط والقرار. وهو ما يعني كذلك تولّيهم السهر على اختيار الكفاءات المسلمة الصادقة العاملة في مختلف دواوين هذه المنظّمة كي نجتنب الاختراقات والخيانات التي أوقعتنا فيها شخصيات "مسلمة" اختاروها لتوقّع على تخريب العمران وقتل الإنسان وإبطال أو إعطال الدور الإسلامي في البناء الحضاري العالمي... هذا ويجب – في انتظار الإصلاح المطلوب – عدم الالتزام بأيّ قرار من قرارات الأمم المتّحدة حتّى يطبّق الكيان الصهيوني اللقيط كلّ القرارات التي صدرت بشأنه، وأوّلها قرار 242 الصادر إثر هزيمة العرب سنة 1967. كما يجب الكفّ عن التوجّه إليه بأيّ شكوى والاكتفاء بفعل ما تمليه علينا "الكرامة والسيادة والاستقلال والعروبة" وقبلها جميعا الإسلام!...
على أنّ هذه التدابير لا تؤخذ أو قل لا تُقبل إلاّ بعد الفراغ من دكّ تلك التحصينات التي تكلّمت عنها في الجزء الأوّل من هذه الحكم الغزّاوية، إذ لا يمكن لمن قبل بالقاذورات تملأ بيته أن يفكّر أو يسعى إلى تطهير فضاء الجِوار!... فلن يتفطّن لظلم المنظّمة وعدم توازنها ومناصرتها للباطل على حساب الحقّ وللقويّ على حساب الضعيف من لم يتفطّن لذلك العميل الذليل الجبان المتمترس وراء قوانين ساغها لخدمة سطوته عليه!... لا بدّ من مواصلة التصرّف على ذات الطريقة التي تعلّمناها من غزّة ومن أهل غزّة الذين اختاروا الموت الرّفيع لمقاومة ساكن بمقاطعة في رام الله أو بالقصور الفخمة المنتشرة هنا وهناك في عربستان....
وما قيل عن المنظمة (منظّمة الأمم المتّحدة) يقال عن كلّ المؤسّسات الملحقة بها، فيلزم مراجعتها جميعا وفي مقدّمة تلك المؤسّسات المحاكم المتربّصة بالمسلمين وبرموزهم وبالضعفاء... كما ينبغي مراجعة كلّ المصطلحات السائدة وشرحها وإزالة الشبهات عنها، فالحديث عن حقوق الإنسان مثلا وعن محاربة الإرهاب يقود حتما إلى التعريف بالإنسان؛ أهو كما نفهمه نحن بنو الإنسان أم كما يفهمه حكّامنا الظلمة أم كما يفهمه ذلك القويّ الدّائم بمجلس الأمن وقد أمهل اليهود وأعطاهم الوقت اللازم لإفناء الإنسان؟! كما يقود إلى التعريف بالإرهاب وبالإرهابي أهو بعض ردود الأفعال اليائسة أم هو تلك القوانين المكبّلة المفقدة للحراك أم هو تلك القنابل العنقودية الفسفورية الثقيلة الذكية المحرقة الناسفة القاطعة؟! أهو ذلك المغلوب على أمره الممنوع من حرّيته المتمسّك بدينه أم هو ذلك المتاجر برؤوسنا وجماجمنا أم هو بلفور أم هو اليهود الصهاينة أم هو بوش وكلّ الدمويين بالعالم؟!...
على أنّ ما يساعدنا على فهم هذا كلّه هو فهم كلمات صيغ منها شعار ردّده الكثير منّا يقول:"غزّة غزّة رمز العزّة"!... وقد ردّد وغزّة وقتها تحترق ونفوس أهلها تصقل وتصفو وتعلو وتسمو فتعلن بكبرياء لا يقوى عليه القاعدون أن لا حياة بدون عزّة ولا عزّة بلا ثمن وأنّ ثمنها باهظ باهظ باهظ!....السلام عليكم ورحمة الله...