غزة "لقد عانيت كثيرا.. جلدي يحرقني.. كهرباء تلسع جسدي .. ما عدت أعرف طعم النوم" بهذه الكلمات بدأت صباح أبو حليمة بينما هي مستلقية على فراشها في قسم الحروق البليغة في مستشفى الشفاء بغزة تروي ما حصل معها. قذائف حارقة وتقول صباح وهي تكتم آلام الحروق التي تغطي صف جسدها: "سمعنا صوت انفجار بالقرب منا فخرجنا جميعنا زوجي وأبنائي لمعرف مصدر الصوت فإذا هو صاروخ على منزل أخ زوجي، عندها عدنا ودخلنا المنزل وجلسا في غرفة خوفا من استهدافها بصاروخ آخر". وتصمت هنيهة لتعود بذاكرتها للحظات التي حرقها وحرقت قلبها على من فارقها من بيتها، تقول: "ما أن دخلنا المنزل خوفا من قذائف أخرى، وإذا بقذيفة الفسفور الحارقة تنزل علينا ونحن نجتمع في الغرفة وتقطع رأس زوجي مباشرة وتصيب حمزة (8 أعوام) وزيد (15 عاما)… وأخذ الأطفال بالصراخ والمناداة ناار نااار". وتابعت وهي تحاول إخفاء دموع سالت رغما عنها: "زيد قال مباشرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، أما حمزة فقال أريد الصلاة وتوقف لأنه استشهد"، وأدرت نفسي فإذا بقذيفة أخرى أصيب بها علي (5 أعوام) حرقت شعره وأسفل وسطه ويوسف (16 عام) حرقت وجهه وعبد الرحيم أدت إلى استشهاده، لتسقط بعدها قذيفة ثالثة أصابتني وأنا أمسك طفلتي الرضيعة شهد (عام وثلاثة أشهر) فوقعت على الأرض ووقت من يدي في النار التي كانت تشتعل في كل مكان وهي تنادي ماما ماما وبعدها لم اسمع صوتها". هنا انفجرت صباح بالبكاء ثم تابعت: "أنا وقعت على الحائط فإذا بالنار تهب في جسدي بأكمله ولم أعد أرى أي شيء فظننت أن عيني ساحت فأخذت أحسس على وجهي فوجد عيناي كما هي فقمت وخرجت من الغرفة وتمرغت على البلاط والنار تشتعل في وماء سوداء تسيل مني، وقد كانت لحقت بزوجة ابني غادة (20 عاما) وطفلتها فرح (3 أعوام) واللواتي تم تحويلهما إلى مصر، كما أصيب عمر (18 عاماً)". لم يكتفي الصهاينة بما فعلوه من إحراق عائلة بأكملها في منزلها، بل لاحقتهم أثناء إسعاف أقاربهم لهم وقتلت بعضهم وأصابت آخرين. إعدام المسعفون وأضافت صباح ويدها اليمنى يلفها الشاش الأبيض بينما اليد اليسرى آثار الحروق تملؤها: "أتى أبناء أخ زوجي محمد ومطر وأخرجونا من المنزل ووضعونا على شاحنة وساروا بنا متجهين إلى المستشفى، فإذا بجنود الاحتلال يطلقون النار على محمد ومطر ما أدى لاستشهاد محمد مباشرة، وإصابة مطر في قدميه، فنزلنا من الشاحنة لأنه لم يعد هناك من يسعفنا بها فقام جنود الاحتلال بقلب الشاحنة بمحمد ومطر وما أن وقع الأخير منها حتى أتت عليه دبابة حاقدة وسارت على جسده الطاهر مما أدى لاستشهاده، ومن ثم ألقوا بهما في حفرة وأهالوا عليهما التراب". صمتت صباح قليلاً والدموع تنزل من مقلتيها على وجنتيها المتأثرتان بالحروق ثم تابعت: "لم تتوقف معاناتنا مع الاحتلال البربري الهمجي عند هذا الحد، بل أوقفوا ولدي عمر الذي أصيب في وجهه بالحارقة وكان يحمل الشهيدة الطفلة شهد وأطلقوا عليه 3 رصاصات، وطلبوا من محمد (24 عاماً) خلع ملابسه وحمل ابنته وزوجته والمصابتان والسير بهما، فسحبهما وسار بهما وجنود الاحتلال يطلقون النار عليه، وسرنا طويلاً ونحن مصابين مسافة طويلة حتى وصلنا لأقرب مكان فيه إسعاف وأتى ونقلنا إلى مستشفى الشفاء". مشيرة إلى أنها كانت طوال الوقت تردد الشهادة. وهنا توقفت وقالت: "إنني أتحدث إليك وكهرباء تلسع جسدي من شدة الألم"، وأضافت ودموع الفراق تنفجر من عينيها: "حياتي كلها انتهت، لم يبقى شيء حلو فيها، ذهب الزوج والأبناء والمنزل، لم يبقى لي شيء إلا الله". وتساءلت: "ما ذنب الأطفال الذين حرقوا وقتلوا بدم بارد؟ هل كانت تحمل شهد صاروخاً أم قذيفة؟؟ حسبنا الله ونعم الوكيل". وما أن سألناها عن كلمتها للعالم الذي يرى مجازر الاحتلال الصهيوني بأهل غزة، قال: "أقول للعالم، رغم ما فعل هذا البربري الصهيوني ومهما فعل من قتل وحرق وتدمير فلن يثنينا عن عزيمتنا، فنحن مازلنا صابرين وصامدين في أرضنا إلى أن يندحر آخر صهيوني عنها". وأضافت: "على العالم أن يقف مع بعضه وينصر الدين الإسلامي لترتفع راية الحق لا إله إلا الله وينكسر اليهود الطغاة". وفي مستشفى الشفاء يروي عدد من الناجين كيف أن الدخان يبدأ بالتصاعد من حروقهم كلما يجري غسلها أو تغيير الضمادات, لأن الفوسفور يظل فعالا لمدة طويلة، ويستمر في الاشتعال إلى حين إطفائه.