محاربة الفقر قضية التزام لا إحسان»: ذلك هو الشعار الذي اختارته الأممالمتحدة للذكرى التاسعة والخمسين لصدور الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان في العام 1948، في الذكرى التاسعة والخمسين لاعلانها ... حقوق الانسان... قوت وحياة فقط! «محاربة الفقر قضية التزام لا إحسان»: ذلك هو الشعار الذي اختارته الأممالمتحدة للذكرى التاسعة والخمسين لصدور الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان في العام 1948، مع الإشارة الى أنها كرست السنة التي تفصلنا عن الذكرى الستين لفعاليات هدفها التشديد على الوعي العالمي بأهمية تلك الحقوق. وبتشديدها على أن الفقر يمثّل الشكل الأساس لانتهاك حقوق الانسان في القرن 21، تبدو المنظمة الدولية وكأنها إختارت مقاربة شديدة الواقعية لتلك الحقوق. ويوحي الأمر بأن العناوين الكبيرة للمساواة بين البشر في الحقول كافة (مثل المعرفة والعمل والسفر والثقافة واللغة والمعتقد والجنس) لم تعد تشكّل الهمّ الرئيس للنضال من أجل الحقوق الأساسية للكائن الانساني، بل إن المسألة باتت تتعلق بالقوت اليومي والحق في البقاء على قيد الحياة. ولا يخلو الأمر من تناقض بين تراجع حقوق الإنسان الاساسية لتصل الى الرغيف والمأوى والملبس، وبين وعود الوفرة الهائلة التي سُكبت سيولها في مسار العولمة الراهنة. ويصلح الشعار ليؤيد الوجهة القائلة بإن الكائن البشري في القرن 21 في حاجة الى عولمة بديلة تكون أكثر إنسانية وأشد قدرة على تحقيق المساواة بين البشر. ويزيد حدّة التناقض غياب الصوت عالمياً عن أشكال معاصرة من التمييز بين البشر، من ضمنها الحق في المعرفة، ما يكفل ردم الهوة في هذا المضمار بين الشعوب، خصوصاً بعدما بات تقدم العلوم المعاصرة (المعلوماتية وعلوم الوراثة والنانوتكنولوجيا) عنصراً حاسماً في تحديد تطور البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وهناك بُعد بيئي في حقوق الإنسان، إذ يتضح أن الدول الصناعية هي المُلوّث الأول للبيئة وأن دول العالم الثالث هي المتضرّر الرئيس منها. وفي قمة لشبونة بين أفريقيا وأوروبا، لم يتوصل المجتمعون الى إرساء الحقوق المتساوية للبشر في التنقل والعمل والسكن، كما بدا في استمرار الخلافات على مسألة المهاجرين، الذين يدفع بهم الفقر (والتصحر الناجم عن التلوث الذي تنفثه صناعات الدول الغربية) الى أوروبا حيث لم تصل حقوقهم الى النقطة التي افترضتها وثيقة حقوق الانسان في العام 1948. ومن المؤسي أن عربياً، هو اللبناني شارل مالك، شارك في صوغ تلك الوثيقة، فيما حقوق الانسان لم تكن أفضل سجل للنظام العربي منذ ذلك التاريخ. وراهناً، يتآزر الفقر المتصاعد في غير بلد عربي (بلغت نسبته في مصر 20 في المئة)، مع عوامل الغياب المزمن للحريات الفردية والتفاوت في الحق في التعليم والعمل وفي الحقوق بين الجنسين، لصنع صورة مأسوية لحقوق الانسان العربي. ويزيد في الألم أن لبنان يشكل راهناً ضلعاً في مثلث الأزمات المتفجرة في المشرق العربي، الذي تكمله العراق وفلسطين. وفي هذا المثلث الدامي، يضاف الاحتلال والتمزق الوطني والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية في طحن بقايا حقوق الانسان وأطلالها عربياً.