alfajrnews-swissinfo:ستُبصِر السنة الحالية انعطافا غير مسبوق في العلاقات الأمريكية – الليبية، يجعل منا شريكا كاملا للولايات المتحدة في إفريقيا". هكذا توقّع مسؤول ليبي، رفض الكشف عن هويته، مستقبل العلاقات الثنائية في الأمد المتوسط. واستدل المسؤول بمحطّتين مهمّتين، هما زيارة وزير الخارجية الليبي عبد الرحمان شلقم الأخيرة لواشنطن (وكان أول وزير خارجية عربي يدخل مكتب كوندوليزا رايس بعد حلول العام الجديد، وأول وزير خارجية ليبي تطَأ أقدامه مبنى الخارجية الأمريكية منذ سنة 1972)، والزيارة المرتقبة التي ستؤديها رايس لطرابلس في غضون الأشهر المقبلة. وكان العقيد القذافي جعل من عام 2007 سنة أوروبا، بجولته المثيرة للجدل، إلى كل من البرتغال وفرنسا وإسبانيا، وإلغائه زيارة كانت مُبَرمجة لإيطاليا في سِياق الجولة نفسها، وبدا أنه يُراهن على دور أوروبي مُتنامٍ في مواجهة سيطرة السياسة القطبية الأحادية على العالم، غير أن حواراته، وخاصة لقاءه مع سياسيين ومثقفين فرنسيين في باريس، أظهرت أنه يستهين بقوة أوروبا ويُدرك مكامِن الضعف فيها. وأكد المسؤول الليبي، الذي تحدث لسويس إنفو، أن القذافي يتطلّع إلى "شراكة فاعلة" مع أمريكا في القارة الإفريقية، تستند على توزيع أدوار تُقِر بدور واشنطن التي تسعى لتطويق الانتشار الصيني في القارة، مقابل إقرار أمريكا بدور ليبيا الإقليمي. وكان هذا التقاسم مِحور المحادثات التي أجراها مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية جون نيغروبونتي في ليبيا في الربيع الماضي، ورافقه خلالها وفد ضمّ غينادي فريزر، مساعدة الوزيرة للشؤون الإفريقية ونائب مساعد الوزيرة لشؤون الشرق الأدنى. شراكة إستراتيجية كاملة وكشفت آنذاك صحيفة «الشرق الأوسط»، استنادا إلى ما وصفته ب "مصادر ليبية وعربية مسؤولة"، أن ليبيا تسعى إلى شراكة إستراتيجية كاملة مع إدارة الرئيس بوش، بما في ذلك توقيع عقود تسليح لتزويد الجيش الليبي بمعدّات وأجهزة عسكرية تقنية متطورة، مشيرة إلى أن ليبيا تريد الحصول على تعهد رسمي ضمن اتفاقية عسكرية مشتركة، تضمن فيها الولاياتالمتحدة أمن الأراضي الليبية وسلامتها في حال تعرّضها لأي هجوم خارجي. غير أن مصدرا ليبيا أوضح أن العلاقات تجاوزت ذلك المستوى بعد موافقة الحكومة الليبية على إقامة "قاعدة لوجستية أمريكية في جنوب البلاد، في إطار الحملة المشتركة لمكافحة الإرهاب". وبرهنت الرسائل، التي وجهها بوش إلى القذافي في مناسبات عدّة خلال العام الماضي، رغبة واشنطن في إقامة هذا النوع من الشراكة، إذ عبّر الرئيس الأمريكي في رسالته بمناسبة عيد الأضحى، على سبيل المثال، عن رغبته "في العمل معا لتحقيق الحرية والسلام في كافة أقطار العالم". وستشكل زيارة رايس لليبيا، التي تم الإعداد لها نقلة في العلاقات الثنائية بوصفها أرفع مسؤول أمريكي يزور البلد بعد التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية في سنة 2006 ورفع التمثيل الأمريكي في طرابلس إلى مستوى السفارة. وكانت العلاقات الدبلوماسية، التي قُطعت بصورة كاملة عام 1981، استُؤنفت عام 2004، ولذلك، تذكِّر واشنطن ليبيا باستمرار بوصفها مثالا يحتذى به على صعيد نزع السلاح، وفُتح قسم للمصالح الأمريكية في طرابلس في الثامن من فبراير 2004، قبل أن يتحول إلى "مكتب اتصال" في 28 يونيو من السنة نفسها. وفى سبتمبر 2004، رفعت الولاياتالمتحدة العقوبات الاقتصادية على ليبيا، وسمى بوش في 11 مايو الماضي جين كريتز، (الذي كان يشغل منصب نائب رئيس البعثة في السفارة الأمريكية في تل أبيب)، سفيرا في ليبيا للمرة الأولى منذ 35 عاما، على رغم الصعوبات التي واجهها للحصول على موافقة الكونغرس على هذا التعيين. مكاسب اقتصادية وحصدت الولاياتالمتحدة مكاسِب اقتصادية هامة من فتح هذه الصفحة الجديدة، إذ وقعت عدّة شركات أمريكية عقودا للتنقيب عن النفط واستخراجه في ليبيا. كما سمح رفع العقوبات الأمريكية بعودة المجموعات النفطية الأمريكية، وخاصة أوكسيدنتال وشيفرون وأميرادا هيس، بقوة إلى ليبيا. ويتهافت الأمريكيون على سوق النفط الليبية، محاولين التعويض عن الوقت الضائع الذي استثمرته الشركات الأوروبية والآسيوية المنافسة. وتم طبخ هذا الانعطاف خلال زيارات موفدين أمريكيين كُثر إلى ليبيا، بمن فيهم السيناتور الجمهوري ريتشارد لوغر، الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وكذلك لقاء شلقم - رايس على هامش مشاركتهما في مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، والذي قيل أنهما ناقشا خلاله "تعزيز العلاقات الدبلوماسية"، واجتماعهما الأخير مطلع السنة الجارية. هل يعني هذا الاندفاع للتطبيع مع ليبيا، تناسي أمريكا تعهداتها في شأن الدفاع عن حقوق الإنسان والتزام بوش الإبن في خطاب شهير بمكافحة الأنظمة المستبدّة في العالم الثالث، لأنها من أهم البواعث على انتشار التشدد والإرهاب؟ في رأي مصادر أمريكية، أن واشنطن "ثابتة على تعهّداتها" فهي تدعم بقوة خطة الإصلاحات الاقتصادية، التي قالت السلطات الليبية، إنها باشرت تنفيذها لإخراج الاقتصاد من حالة الترهّل، وهي تشجِّع عَلنا الإصلاحات السياسية، التي قال نجل الرئيس الليبي سيف الإسلام القذافي، إنه يسعى لإدخالها على نظام الحكم "الجماهيري"، الذي أرساه والده في سنة 1977 بموجب وثيقة "قيام سلطة الشعب"، وخاصة الدعوة إلى سَن دستور والفصل بين السلطات وإقامة محكمة عليا مستقلة. لكن أمريكا لا تعارض، مثلما هو واضح، مسار التوريث (الذي لا يمكن تصوّره في بلد مثل أمريكا نفسها أو أوروبا)، وهي لا تعترض على نظام الحزب الواحد الذي تُجسِّده "اللجان الثورية" ولا تنتقد اضطهاد المعارضين السياسيين والنشطاء في الداخل، ومن ضمنهم الصحفي ضيف الغزال، الذي اغتالته الميليشيات بسبب جسارة المقالات التي كان يكتبها ويبثها على شبكة الإنترنت. براغماتية وتكشف عناوين المحادثات بين شلقم ورايس، أن المنطق البراغماتي هو الذي بات طاغيا على العلاقات الثنائية. فطرابلس تطلب من واشنطن مساعدتها في الحصول على التكنولوجيا النووية السِلمية وعلى السلاح الحديث لجيشها، بالإضافة للقبول بدورها في إفريقيا، فيما يأمل الأمريكيون في الحصول على حصّة هامة من العقود النفطية والصّفقات التجارية الليبية. وبدا إمساك واشنطن عن الاعتراض على تولي ليبيا رئاسة مجلس الأمن خلال الشهر الجاري، تجسيدا واضحا لهذا النمط الجديد من العلاقات. أما الثمن الآخر الذي يسعى الجانب الليبي لتحصيله، فهو تبرئَته الكاملة من دماء ضحايا "لوكربي"، بمناسبة معاودة محاكمة المتّهم الليبي الرئيسي في القضية عبد الباسط المقرحي، الذي يقضي عقوبة المؤبد في أحد سجون غلاسكو الاسكتلندية. وستنظر محكمة اسكوتلندية يوم 26 فبراير المقبل في الملف مجدّدا، ويُرجّح بعدها تسليمه لسلطات بلده في ضوء اتفاقية قضائية تم توقيعها مؤخرا بين ليبيا وبريطانيا، تقضي بتبادل تسليم المحكومين كي يتمكّنوا من تمضية باقي العقوبة في بلادهم. والأرجُح، أن معاودة المحاكمة هي ثمرة مقايضة ليبية – أمريكية – بريطانية لطي الملف، بالاعتماد على وثائق، قال المقرحي في تصريحات أدلى بها أخيرا إلى صحيفة "القدس العربي" (تصدر في لندن)، إن المحكمة لم تنظر فيها أبدا. وقال المحامي الجزائري سعد جبار للصحيفة نفسها، إن "الحكومة الليبية مارست ضغوطا كبيرة على بريطانيا لإعادة محاكمته أو تسفيره إلى بلاده، بما في ذلك تجميد كثير من الاتفاقات التجارية (بين لندنوطرابلس)". أوراق أوروبية وروسية لكن الثابت، أن القذافي لا يريد وضع كل بيضه في السلة الأمريكية، إذ أنه حريص على تطوير العلاقات مع أوروبا، على رغم انتقاداته لضعفها، وكذلك مع روسيا. وأظهرت المحادثات الجارية مع الروس، بعيدا عن الأضواء، والقمة المتوقعة بين القذافي وبوتين، أن خط موسكو - طرابلس لم تنته صلاحيته، وكان لافتا أن وزير الخارجية الروسي سيرغاي لافروف زار طرابلس بعد أسبوع واحد من عودة القذافي من جولته الأوروبية وأجرى محادثات مع مسؤولين ليبيين، دارت حول ثلاثة محاور، هي الحصول على الطاقة النووية السِّلمية وصفقات التسليح وشطب الديون الليبية لدى روسيا، إضافة لإشراك مجموعات روسية في صفقات مشاريع البنية الأساسية الليبية، ومعلوم أن مجموعة "غازبروم" الروسية، من أهم المتنافسين على مشاريع الطاقة في ليبيا. وتوقَّف مراقبون عند تصريحات الوزير شلقم في ختام زيارة القذافي لباريس، والتي قال فيها "تحملنا الانتقادات والحملات الفرنسية، لكن عليهم أن يفهموا أننا لسنا مُضطرين لقبولها. ليبيا لا تحتاج إلى محطتهم النووية ولا لقاذفاتهم (من طراز رافال)، يمكننا الحصول على ما هو أفضل من مكان آخر". ودلّ ذلك التصريح على أن ليبيا تُلوح بورقة الصفقات في وجه كل من يفتح ملف الإصلاحات السياسية أو موضوع الحريات وحقوق الإنسان في الداخل، وهو التكتيك الذي أعطى أكله في مدريد، بعدما "اتعظ" الإسبان من الدرس الفرنسي. بهذا المعنى، يسعى القذافي لتنويع الشركاء لتحسين قدرته على المناورة، خاصة أن ارتفاع مداخيل النفط، رفع الاحتياطي الليبي إلى 70 مليار دولار، فيما زادت إيرادات البلد من المحروقات في سنة 2007 إلى 45 مليار دولار، مما نشط شهية الدول الكبرى. غير أن العقبة التي تعطل تسريع الشراكة الروسية – الليبية، هي استكمال تسوية ملف الديون السوفييتية المستحقّة على ليبيا. وفي هذا المضمار، جرت جولة محادثات مهمّة بين الجانبين في ديسمبر الماضي، وتابع لافروف المباحثات في زيارته الأخيرة لطرابلس، لكن الطرفين لا زالا متكتّمين على حجم الديون. وكشفت الميزانية الفدرالية الروسية لسنة 2007، أن حجم ديون روسيا المستحقة على ليبيا يبلغ 5.3 مليار دولار. والأرجح، أن تحديد موعد القمة الروسية – الليبية مرتبط بالوصول إلى تسوية لهذا الملف، ومن غير المستبعد أن تتم القمة في وقت متقارب مع زيارة رايس لليبيا، كي يؤكد القذافي لمحاوريه الأمريكيين أن الأوراق التي بين يديه كثيرة.