مدريد بروكسيل : أصدر القضاء المغربي عشرات المذكرات المتعلقة باعتقال مغاربة مقيمين في عدد من الدول الأوروبية لكي يتسلمهم للتحقيق معهم بشبهة الإرهاب سواء في تفجيرات الدارالبيضاء أو مدريد أو علاقتهم بتجنيد انتحاريين نحو العراق وأفغانستان وتمويل شبكات وخلايا مرتبطة بتنظيم القاعدة. لكن ردود فعل الدول الاوروبية تختلف بين القبول بدون شروط مثل فرنساواسبانيا، والرفض مثل هولندا والتحفظ مع بعض التعاون مثل بلجيكا، حيث تعيش هذه الدولة فصلا موازيا للتحقيق في ملف ما يعرف 'بلعيرج' استنادا إلى مذكرة اعتقال أصدرها المغرب لاعتقال 17 شخصا يقيمون في الأراضي البلجيكية لكن يبدو عدم الاستجابة لها. في هذا الصدد، كان المغرب قد وجه في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مذكرة قضائية إلى القضاء البلجيكي يطلب اعتقال عدد من المغاربة بعضهم يحمل الجنسية البلجيكية بتهمة التورط فيما يسمى ملف 'بلعيرج' الذي انفجر منذ سنة بالضبط أو في تفجيرات الدارالبيضاء 16 أيار/مايو 2003 التي خلفت مقتل 45 شخصا وكذلك تفجيرات مدريد. وشملت المذكرة القضائية المذكورة ملاحقة 17 مغربيا، 14 منهم يقيمون في الأراضي البلجيكية وآخرون يترددون على هذا البلد. وعمليا، قامت بلجيكا في إطار التعاون ضد الإرهاب بملاحقة المشتبه فيهم رغم أن العلاقات الأمنية مع الرباط كانت متوترة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بسبب قلق بروكسيل من النشاط المتزايد للمخابرات المغربية في الأراضي البلجيكية. ووصل التوتر حد مطالبة بروكسيل برحيل بعض عناصر المخابرات المغربية التي يترأسها ياسين المنصوري. ونجحت الأجهزة الأمنية البلجيكية في اعتقال سبعة مشتبه فيهم من ضمن الواردة أسماؤهم في المذكرة القضائية. وأكدت الناطقة باسم النيابة الفدرالية البلجيكية ليف بيلنس وقتها 'أن هذه الاعتقالات تمت بطلب من المغرب في أعقاب اعترافات البلجيكي - المغربي عبد القادر بلعيرج الذي تجري محاكمته حاليا في المغرب بتهمة الإرهاب وتزعم شبكة إرهابية لتهريب الأسلحة والتحضير لعمليات اغتيال شخصيات مغربية'. وينقسم المعتقلون إلى قسمين، القسم الأول ويتعلق بمغاربة يحملون الجنسية البلجيكية، والقسم الثاني بمغاربة بدون جنسية بلجيكية. والموقف الذي تتبناه بلجيكا حتى الآن هو التحفظ بشأن تسليم المطلوبين إلى المغرب رغم أنها اعتقلتهم. فمن جهة، تؤكد أن كل عملية ترحيل لن تتم إلا إذا تأكد بالملموس وبالقرائن أن المشتبه فيه قام بالفعل بالأفعال المنسوبة إليه وأنه لن يتعرض لعقوبة الإعدام في المغرب، ومن جهة أخرى أن الذين تورطوا في أفعال إرهابية بعد حصولهم على الجنسية البلجيكية لن يتم تسليمهم إلى المغرب لأنهم مواطنون بلجيكيون وليسوا مغاربة. وأصدر القضاء البلجيكي أحكاما ببراءة جل الذين جرى إيقافهم ومن ضمنهم محمد بولعيون من تهمة الإرهاب وبالتالي عدم تسليمهم إلى المغرب . وكانت التهمة المتضمنة في المذكرة المغربية ضد بولعيون مثلا هي 'إدخاله إلى المغرب ما يقارب 30 قطعة سلاح منها بنادق من نوع كلاشينكوف سنة 2000، حيث سلمها لمواطنه عبد الرحمان البختي المطالب هو الآخر بترحيله إلى المغرب، و المنتظر مثوله أمام نفس المحكمة البلجيكية'. ويبدو أن سلطات بروكسيل البلجيكية لن تسلم إلى القضاء المغربي أيا من الواردة أسماؤهم في المذكرة المغربية والذين جرى اعتقالهم حتى الآن لأن القضاء البلجيكي يعتبر أن الأدلة التي قدمها المغرب واهية وغير قوية معتمدا الخروقات التي شابت ملف 'بلعيرج' مثل اعتقاله شهرين قبل الإعلان عن ذلك رسميا ثم الطعن في تصريحاته لأنها تمت تحت القوة والضغط وفق محاميه والكثير من الجمعيات الحقوقية وأخيرا بسبب عدم تنسيق الرباط مع بروكسيل في هذا الملف. والتطور الذي لم يكن منتظرا، أن الأمر لم يعد يقتصر فقط على تفنيد ما جاء في المذكرة المغربية ومدى صحة الاتهامات الواردة فيها بل أن بعض الذين جرى اعتقالهم وتم الإفراج المؤقت عنهم مثل حالة مصطفى بوصيف تقدم بدعوى إلى القضاء البلجيكي ضد الأجهزة الأمنية المغربية يتهمها بالتحرش والتربص به وبالسب والقذف فوق التراب البلجيكي، ويخشى من محاولة اختطافه. وأكد القضاء البلجيكي أنه فتح تحقيقا في الموضوع، كما تم الاستماع إلى أقوال بوصيف طويلا من طرف الأمن الفدرالي البلجيكي يومي 13 و 14 من الشهر الماضي. وبهذا، يسجل بوصيف سابقة من نوعها بتحوله من متهم بالإرهاب إلى توجيه الاتهام ضد المخابرات المغربية. وإذا ما اتبع باقي المتهمين ما قام به بوصيف، وقتها سيجد القضاء المغربي نفسه في قفص الاتهام. في غضون ذلك، تختلف مواقف الدول الأوروبية من التعامل مع عشرات المذكرات التي تنص على اعتقال مغاربة بتهمة الإرهاب. فهولندا ترفض تسليم أي مغربي يحمل الجنسية الهولندية وتفضل محاكمته فوق أراضيها، ويبدو أن بلجيكا تتبنى الموقف نفسه لا سيما وأن القضاء البلجيكي يتحفظ من نظيره المغربي بعد ملف 'بلعيرج'. وفي الجانب الآخر، توجد اسبانيا التي لم ترفض أي مذكرة قضائية مغربية حتى الآن بل تتعاون بشكل مطلق، الأمر نفسه ينطبق على فرنسا بسبب التعاون المكثف بين باريس والرباط. وتبقى الحالة الخاصة هي إيطاليا، فبعد وصول سيلفيو بيرلوسكوني إلى الحكم، يقوم القضاء الإيطالي بترحيل المغاربة المشتبه فيهم بدون أن تتقدم الرباط بأي مذكرة قضائية ضدهم. حسين مجدوبي وسعيد العمراني 12/02/2009