لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات في ظاهرة توالد المواقع الإلكترونية الإسلامية:الهادي بريك * ألمانيا
نشر في الفجر نيوز يوم 10 - 12 - 2007

نظرات في ظاهرة توالد المواقع الإلكترونية الإسلامية:الهادي بريك * ألمانيا
الهادي بريك * ألمانيا
لمن شاء الإختصار مبتسرا يتعامل مع الفكر والثقافة تعامله مع اللمجات الغذائية الخفيفة السريعة يطفئ بها جوعة حاضرة أقول أن أكبر وأعظم درس من تلك الظاهرة هو : أن الحرية مناط التكليف.
ولكن دعني قبل المضي أبرق إلى مولودين إلكترونيين جديدين هما : السبيل أون لاين و الفجرنيوز .. بأطيب الكلام وأحر السلام مهنئا بسلامة الميلاد وراجيا من العلي الكبير سبحانه لهما توفيقا وسدادا وفصل خطاب وتثبيتا على كلمة الحق التي تجمع الناس ولا تفرقهم وتوحد عملهم ولا تبعثره شذر مذر وترصد جهدهم بمرصاد قوي أمين يحرر الناس من طاعون الخوف ومن مزالق التسيب فيبنون ولا يهدمون ويستأنفون ولا يعودون في كنف صف إعلامي إسلامي واحد تعددت ألوانه سنة الله البديع في خلقه.
لن يزال لواء جهاد العصر " كما سماه بحق الإمام القرضاوي شفاه الله ونفعنا الله بعلمه " بيد " إسلام أون لاين " التي حققت نجاحات مهنية وثقافية باهرة شهد لها بها أهل الذكر وربما تليها " الإسلام اليوم " ومئات أخرى لا تحصى منها " تونس نيوز" التي تعرضت بسبب جديتها من لدن أكبر أعداء الحرية الإعلامية في العالم بحسب إحصائيات أممية دولية صحيحة أي الحاكم التونسي إلى ضربات موجعة تدور رحى آخرها في هذه الأيام بالذات ومنها كذلك " النهضة نت " و" نواة" و" الحوار.نت " و " الوسط " و" تونس أون لاين " وغير ذلك مما لا يأتي تحت حصر.
كلها بحسب ما يبدو للناظر من الخارج والله وحده يتولى سرائر عباده .. لبنات إعلامية جهادية ترفع لواء الكلمة الحرة الصادقة تجتهد في أن تكون تلك الكلمة في مكانها المناسب وزمانها المناسب وبحجمها المناسب موجهة لهدفها المناسب أي تطلب الحكمة مبنى ومعنى فتصيب وتخطئ دون أدنى ريب والعبرة بخلاصة الميزان النهائي تقديرا.
العبرة الأولى التي ما يحسن الغفلة عنها أبدا هي : الحرية مناط التكليف.
لولا مناخات الحرية لما ولدت تلك المئات المئينة من المواقع الإلكترونية ولولا أن ساق ربك سبحانه بتسخير منه وهداية لعباده من مؤمنين وكافرين تلك الثورة الإعلامية الهادرة ( أكبر ثورة في تاريخ البشرية مطلقا ) لتدك حدود السجون العربية والإسلامية والإشتراكية الشيوعية والدكتاتورية من كل دين وملة .. لولا كل ذلك لما شهدت كلمة واحدة من ذلك الإنتاج الخصب نورا. أكبر دليل على ذلك هو أن عامنا المنصرم مثلا شهد لأول مرة في التاريخ سجن وقتل أكبر عدد من الإعلاميين في الأرض وربما لو أحصيت المساجين اليوم في الدنيا بأسرها ( مساجين الكلمة والرأي ) لألفيت أن أغلبهم سجنوا وعذبوا وقتلوا وجوعوا ونفوا وطردوا من أجل كلمة.
ذلك أن أصل الجهاد في الإسلام هو الجهاد بالكلمة وليس بالقوة أو قل بقوة الكلمة وليس بكلمة القوة والدليل هو قوله سبحانه " وجاهدهم به ( أي بالقرآن الكريم وهو يخاطب رسوله عليه الصلاة والسلام والمخاطبون هم الكافرون سياقا ) جهادا كبيرا".
وليس الجهاد بكلمة القوة إلا إستثناء يتدخل عندما يحال دون قوة الكلمة أن تنفذ إلى صدور الناس تعرض نفسها وبضاعتها في حرية لا إكراه فيه ( وهو ما تكفل به جهاد الطلب كما يعبر عنه قديما ) كما يتدخل عندما يتعرض المظلوم للظلم والبريء لفتنة الإكراه ( وهو جهاد الدفع كما يعبر عنه قديما والكلمة المناسبة المعاصرة هي : المقاومة ).
معنى الإستثنائية هنا ليس معنى جانبيا أو سلبيا يمكن إزاحته أو التخلص منه ولكنه معنى أصيل إذ لكل قاعدة إستثناء تقريبا في هذه الدنيا إلا الحقائق العظمى من مثل وحدانية الله سبحانه وما يحيطها من ثوابت كبرى معروفة عند كل أحد من الناس.
مؤدى كل ذلك هو أن الإنسان إنما خلق حرا ليعيش حرا حتى أن الله سبحانه الذي خلقه وصنعه ورزقه وأماته فملكه بذلك ملكا تاما لا شرك فيه لم يكرهه على عبادته ولو بسجدة واحدة ولا تسبيحة واحدة إلا بعد أن حرره بآلة العقل تلك الملكة الفطرية الباطنية الجليلة التي لم يمن بها على ملك مقرب ولو كان جبريل عليه السلام وهي آلة تعمل على تجديد جبلة الحرية فيه لحظة بعد لحظة في حياته ليتحرر عقله وتتحرر نفسه وتتحرر روحه وتتحرر عاطفته ويتحرر ذوقه ويتحرر بدنه ويتحرر لسانه والقلم أحد اللسانين كما قالت العرب ويتحرر عمله ويتحرر فردا ويتحرر أسرة ويتحرر جماعة فلا يختار من الدين إلا ما يرضيه ولا من الولاء إلا ما يرضيه ولا من القول والعمل والإنتماء إلا ما يرضيه فإذا عقل كل ذلك ورضي به قبل منه إسلامه إن إختار الإسلام وقبل منه كفره إن قبل الكفر ولكن على قاعدة مساوية موازية للحرية وهي : المسؤولية أي يقبل منه إسلامه فيتحمل مسؤوليته فيه كاملة بما رضي منه وما كره من تفاصيل عملية قد تشق عليه أو تورده الجحيم في الدنيا ويقبل منه كفره فيتحمل مسؤوليته فيه كاملة بما ورط فيه نفسه وبما يلقى من أرق وتمزق وشعور بهيمي في الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وأبقى.
معنى ذلك هو أن الحرية أسبق إلى الإنسان من الدين والدليل على ذلك أن الصانع سبحانه كرم الإنسان بملكة العقل وحرية الإرادة ثم دعاه إلى الإيمان به إلها ووليا ولنا في تجربة آدم عليه السلام مع شجرة الجنة أروع دليل على ذلك ولو شاء لنزع عنه نعمة العقل فلم يكلفه بعدم الأكل من تلك الشجرة وعندها لم يعد لتكليفه وتحميله مسؤولية الخلافة والعمارة والعبادة من معنى ولا لمحاسبته يوم القيامة على سعيه من معنى وبذلك سمى نفسه سبحانه " الحكيم " نسبة إلى الحكمة وإلى الحكم معا وإشارة خفية إلى أن الحاكم الحكيم من بني البشر أولى الناس بظل الرحمان سبحانه بما حقق من عدل ورحمة على قاعدة الحرية في الدنيا للناس ليتاح لهم حرية الإختيار بين الكفر والإيمان وبين العدل والظلم وبين الطهور والفجور.
ذيل ذلك هو : يجب علينا أن نتعلم أبلغ الدروس في ساعتنا هذه ومنها دون منازع أن الحرية التي تتيح لنا اليوم فتح الدكاكين الإعلامية دون حتى الحاجة إلى إخطار حاكم فضلا عن تقديم مطلب كتابي وملء شروط مجحفة تعجيزية وإنتظار الرفض بل الحبس والتضييق .. أن تلك الحرية هي أغلى ما في حياتنا ولا تقل لي الدين أغلى لأن الدين ثمرة للحرية وليس العكس فليكن أفقك الفكري أوسع لترى أن الدين تاج على الرأس بسبب تكريم الله لنا بالحرية وبالعقل وبالإرادة وبالعلم فهو مولود وهي والدة فإذا عكست الأمر فإن ذلك هو أول بوابات الإستبداد ومداخل الدكتاتورية. أسباب التدين في الدنيا تفضي إلى القول بأن العامل على إستخلاص الحكم في الدنيا ضمن مشروع طويل دونه الموت ألف ألف مرة عليه أن يتشبع بقيم الدين العظمى المقدمة ومنها: الحرية المنضبطة بالمسؤولية التي تعرفك على خالقك وصانعك ورازقك ومالكك فتكون له وحده عبدا ولا تصرف من تلك العبودية لنفسك شيئا فتغيض الحرية في نفسك وتغيض في الناس ثم تتحول أعتى مستبد في الدنيا تضاهي فرعون وأنت تحسب أنك تحسن صنعا.
تلك هي خشيتي التي تؤرقني : لا تجد اليوم ظالما ولا مظلوما أبدا إلا وهو ينادي بالحرية ويقدمها في أحسن باقة وأثمن رداء ولكني أخشى منهم جميعا ومن المظلومين منهم بصفة خاصة أن تتزين الأرض تحت أقدامهم يوما فيدوسون على الحرية شبرا بعد شبر وذراعا بعد ذراع ومشاجب الدوس جاهزة في التاريخ وفي الواقع لا يعدمها أخرق بله حصيف وعندها يكون البوار ويكون الإحباط أي تكون الردة ثم نتساءل تساؤل الفلاسفة البلداء : أين الخلل؟ ثم ينتج مناخ الإستبداد الأعمى حين يطبق ذيول ليله البهيم على الأرض جوابا إسمه : الخلل في القيمة ذاتها أي أن قيمة الحرية ليست مقدمة على قيمة " العلف " الذي تأكله دابة الأرض ثم نستسلم لتلك البلادة الفلسفية ويأوي كل واحد منا إلى مخدعه إما هانئا قرير العين أو ثائرا يكتم غيظه ثم تبدأ دورة حضارية جديدة عنوانها
:
آن تقهقر الحرية مناط المسؤولية عند الإنسان ومخ كرامته وآن زمن العلو في الأرض.
فمن يحمي قيمة الحرية مناط الكرامة والتكليف فينا إذن؟ سؤال كبير يبدأ الجواب عنه من أن الإنسان الذي إستؤمن على الخلافة والعبادة والعمارة هو نفسه المستأمن على أغلى عطايا الرحمان له أي حريته التي بها يتدين ويعتقد ويسجد ويركع وينفق ويجاهد ويموت فيستشهد ويسجن فيصبر ويشرد فينفع وبها يتعلم ويتعلم ويعمل فيكفل الضعفة والأرامل. أي أن الإنسان في الإسلام وسيلة وغاية في الآن ذاته : هو وسيلة للإستئمان على وسيلة العبادة أي الحرية وهو غاية للإستئمان على غاية وجوده أي العبادة. عندما تكون وسيلة وغاية في الآن نفسه تكون حقا مكرما ومعلما ومستأمنا ومستخلفا ومستعمرا وأهلا بسعادة الدارين.
العبرة الثانية هي : لا حرية بدون تعدد ولا تفاضل بدون تنوع أي لا حياة بدون حركة.
أول مقتضيات الحرية في حياة الناس هي توسع سنن التعدد والتنوع والإختلاف بينهم فإذا ما تاخمت تلك السنن بسبب طيش أو حمق أو جهل أو بسبب إرادة ظلم وبغي .. حمى الوحدة التي تظلهم حصل حيف ضد قيمة أخرى موازية مساوية لقيمة الحرية أي قيمة المسؤولية وهي بالمناسبة عبارة نبوية صحيحة قحة وليست وليدة ثورة فرنسية أو إعلان حقوقي أمريكي.
معنى ذلك هو أن الحرية يجب أن تنداح دون حدود أبدا لتحرك الحياة وتملأها بسنن أخرى واقعة من مثل التفاضل والتنافس والتدافع والبقاء للأصلح فإذا ما جاوز ذلك الإندياح حدوده المناسبة لينقلب إلى ضده أي ليكون الإسم حرية والمسمى دكتاتورية أو إكراها بالتعبير القرآني .. تدخل الناس ( الشعب أو الأمة أو مثل ذلك ) بإسم المسؤولية ليحصل التوازن وينتصب الميزان المنزل من السماء جنبا إلى جنب مع القرآن الكريم في إشارة جلية إلى أن القرآن لا يعمل وحده والميزان لا يعمل وحده فالعامل بالقرآن التارك للميزان عابث والعامل بالميزان التارك للقرآن عابث أما الحر المسؤول فهو الذي يعمل بالقرآن والميزان معا دون إخسار ولا طغيان ولا شطط ولا تحريف.
إذا إنتصب الميزان وفق ذلك فإن كفتيه تملآن حرية ومسؤولية ولا ينفي ذلك وجود مشاكل وعقبات وجرائم وجنايات لعدم تعطل قانون الإبتلاء ولكن العبرة بالمنظر الكلي الجامع لا بالتفصيل الجزئي فذلك حسابه الدقيق جدا يوم القيامة لأن بعضا منه متعلق بالسرائر وبعضه الآخر لا يرصد لدقة حركته فلا يكشف عوره.
إذا إنتصب الميزان وفق ذلك فإن الحرية تثمر تنوعا وتعددا وإختلافا لا تسير الحياة بدونه إذ الحياة مبناها الحركة الدائبة والحركة الدائبة لا تكون بتقابل متماثلين متجانسين ولكن تكون بتقابل مختلفين يجمعان بين الإشتراك وبين الإختلاف معا كما هو معهود في النفس وفي الأسرة وفي كل حركة وسكنة وعمل وفعل وقول وخاطرة. تلك هي سنة الإزدواج التي بنى عليها الرحمان سبحانه كونه وخلقه ولا يسأل عما يفعل سبحانه ولكن يجري العقل لأكتشاف كنه ما فعل سبحانه إنسجاما معه لئلا يخر من السماء أو تخطفه الطير فتهوي به الريح في مكان سحيق والملك ملكه وحده لا يشاركه فيه أحد أبدا مطلقا وليس من شأن المملوك السؤال ولكن من شأنه الطاعة ولكن الإنسان مملوك يختلف عن المملوكين الآخرين فهو مملوك حر ونظرية المملوك الحر لا وجود لها إلا في الإسلام ولا تنطبق إلا على الإنسان لأن الملك ينفي الحرية والحرية تنفي الملك فكيف يلتقيان؟ تلك هي أعظم نقطة قوة في الإسلام بها يتجدد التوحيد الإلهي وبها يتكرم الإنسان وبها يأخذ الجزاء الأخروي مكانه في العقل الإنساني وبها تعمر الأرض بالخير والجمال والزينة تحت سقف الإبتلاء الذي يحرك الحياة ويجدد التدين. من فقه ذلك فهو الفقيه الإسلامي الحق ومن جهل ذلك أو تعالى عنه فهو أحمق الحمقى وأخرق الخرقى.
ذيل ذلك هو : تعدد المواقع الإلكترونية الإسلامية أمر واقع مقبول مفهوم يجب أن يؤطر ضمن تلك القيم التي سبقت الإشارة إليها وهي قيمة الحرية أكبر غريزة جبلية في الإنسان بها عبد ربه وإعترف بألوهيته وتحمل الضر في سبيله والموت والعزة ومن جذوعها وأغضانها وثمراتها : قيمة التعدد وقيمة التفاضل وقيمة التنافس وهي قيم لا بد منها لتغذية الحياة بالحركة لئلا تأسن فإذا أسنت أزفت ساعة الدنيا وهل يوم القيامة يوم الحساب بلا عمل.
العبرة الثالثة : صور التعاون على الخير كثيرة.
نحن مأمورون بالتعاون على الخير كما ورد في سور كثيرة منها المائدة في أولها والحج في آخرها. ذلك مبدأ ومقصد وليس من شأن المبادئ الكبرى والمقاصد العظمى أن تتفصل في الوحي أي حين الأمر بها أو النهي عنها لأن ذلك يشوش عليها فيختلط في ذهن متواضع الذكاء الكلي مع الجزئي فيقدم هذا على ذاك فيهلك ويهلك ولأن عظمة المبادئ مقدم دوما على صور تطبيقاتها فيختار لها موضعا تقريريا إلى حين إستيعابها فإذا باشر الإنسان خلافته فوق الأرض لم يعدم بسبب كرامة عقله وحرية إرادته وتشاوره مع إخوانه من الناس أجمعين وسيلة بل ألف ألف وسيلة لتنزيل ذلك المبدإ أو ذلك المقصد لأن التنزيل من شأن العمل أصالة وليس من شأن العلم إلا نسبة ومرجعية.
معنى ذلك هو أن الكلمة مخ الجهاد في الإسلام وأصله الآصل هي المبدأ وهي المقصد أي الكلمة التي تتميز بالصدق إخلاصا في الصدر وإنتصارا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام ولدينه والقيم العليا التي جاء بها ليحرر بها الإنسان من كل طغيان وإستعباد كما تتميز بالحرية التي تقي الإنسان من النفاق السلوكي والإعتقادي كما تتميز بالحكمة التي تجعل من الكلمة في مكانها المناسب وزمانها المناسب وبحجمها المناسب وخطابها المناسب وموجهة إلى هدفها المناسب تحاول الأقتراب من فضيلة نبوية إسمها جوامع الكلم. مقصد تلك الكلمة بتلك المميزات هو : تحرير الإنسان لأن الإنسان آلة معنوية موضوعة ضمن إطار مادي فعلامة المتحضر الراقي هو من يقدم الموضوع على إطاره ضمن حفظ إطاره أما المتخلف فهو من يقدم الإطار عن موضوعه وهو بذلك يضيع الإثنين دون أدنى ريب.
يظن كثير من الناس أن التعاون على أمر ما لا يكون إلا بالإنتظام شكلا في صورة واحدة من صوره وهو خطأ شنيع يعكس قلة فقه وبضاعة في الفهم مزجاة. من يظن ذلك يغفل بسرعة آثار قانون التعدد الذي هو فرع عن قانون الإزدواج أقوى سنة في الأرض وضعت لتوحيد الديان الواحد الأحد سبحانه الذي لا يزدوج ولا يتعدد ولا يتنوع ولا يختلف فهو وحده الواحد الأحد الفرد الصمد وكل ما عداه من أجرام مادية ومخلوقات معنوية مختلفة متنوعة متعددة بالضرورة والغرض الثاني من قانون الإزدواج هو إتاحة الفرصة للتفاضل والتنافس والتدافع أي لتغذية الحياة بالحركة التي هي إكسيرها الصافي لا تسير بدونه أبدا مطلقا.
في تراثنا التاريخي الإسلامي مصداق ذلك إذ لم تزدهر الحضارة الإسلامية إلا بعد أن تعددت المذاهب والأصول والفرق والملل والنحل والطوائف واللغات والأعراق والألوان والأجناس فكانت بحق أول حضارة في التاريخ تجمع الوحدة الإنسانية تحت سقف قانون التعدد وسنة التنوع وبذلك سادت وليس بغيره فلا يقال أنها سادت بقوة حجتها الثقافية فحسب لأن الحجة الثقافية إذا لم تتنزل منزلا يجمع الناس المختلفين تقاوم بل إن من أوثق عرى الحجة الثقافية الإسلامية إنبناؤها على التعدد والتنوع.
التعاون منا إذن على الخير أي على كلمة صادقة مخلصة جريئة صحيحة نوجهها إلى الناس أو نذكرهم بها لا بد له أن يكون من خلال تنزيل ذلك التعاون منازل مختلفة ومواقع متنوعة ومواطن متعددة وللقرآن الكريم في ذلك نظرية تنزيل عظيمة قال فيها سبحانه " وأدخلوا من أبواب متفرقة " أما الدخول من باب واحد فهو من شأن الطائشين أن المستبدين المحتمين بدبابة عسكرية تلجم الأفواه وتزرع الجزع أما الكلمة فلن تفلح حتى تدخل إلى الإنسان من عقله ونفسه وروحه وعاطفته وذوقه وبدنه وسمعه وبصره وفؤاده وفرديته وأسرته وجماعيته معا. الإنسان كائن متعدد فلا تصلح به إلا كلمة متعددة.
الخلاصة هي :
عندما ينخل كل واحد منا نفسه ( الإنسان بصفة عامة والعربي بصفة خاصة ) يجد عنده ضيقا وتبرما من التنوع والتعدد أي من آثار الحرية التي قد يراها بحسب نظره الضيق أو بسبب آثار المحنة عليه قيمة لا بأس من تأخيرها. يجد ذلك حتى وهو صادقا مع نفسه فإن وجد ذلك وهو كذلك فعليه بالفقه في الدين فإن الدين يعلمه حقيقة أن الحرية هي مخ الإسلام وسر إندياحه في قلوب الناس وفي أرضهم عندما تكون منضبطة بالتقوى أي بالمسؤولية لأن المسؤولية هي تصرف من أثر التقوى فإذا إنفصلت الحرية عن المسؤولية أي عن التقوى ومراقبة الرحمان سبحانه في الغدين : القريب والبعيد إستحالت الحرية ظلما مقننا وبغيا يسنده القانون ويعزره العرف فلا نكير عليه وهو ما نبه إليه من خير من ألف في هذا الموضوع " طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد ". أما إذا وجد الإنسان منا ذلك الشعور بالضيق من الحرية ومن آثارها من تعدد وتنوع ولم يكن بحسب تقييمه هو بنفسه لنفسه في لحظة صفاء ومحاسبة لنفسه صادقا مع نفسه فليتق الله ربه سبحانه وليراجع زاده من التقوى وليعترف بأن جيش الشيطان على عتبة صدره يهم بين الفينة والأخرى أن يقتحم البيت ويتخذ له فيه غرفة القيادة والتوجيه والإدارة.
يجب أن نجمع بين الشعورين : شعور عقلي صحيح مفاده أن التعدد قانون غلاب مطرد لا ينفع تجاهله ولا جهله ولا حتى مواجهته وأينا يقدر على مواجهة قدر الله سبحانه ومن قدره المقدر : سنة الإختلاف بين الناس. وشعور عاطفي صحيح مفاده أن الحرية المنداحة قد تفضي إلى الفوضى التي تغلب البغي على العدل إذا غابت قيمة المسؤولية في الناس أو في أكثرهم على الأقل ولكن البلسم الشافي لذلك الخلل لا يكون بالإتيان على الأصل وهو الحرية هنا بالإلغاء كما تفعل الحكومات العربية والإسلامية وكثير من حكومات العالم ولكن يكون بتقييد شغب الحرية المنفلتة بدون ضابط مسؤولية ولا قيد تقوى حتى ينلجم طيشها. إما إذا دعانا داعي الحنق ضد ذلك الإندياح بدافع طيب نبيل إلى غلق أبواب الحرية فإن النتيجة تكون عكسية وفي أقرب فرصة ممكنة. تلك سنن التاريخ تترى ولكن من يقرأ التاريخ منا ومن ينتفع منا بما يقرأ منها ومن يجند نفسه كدحا وسعيا لتنزيل تلك المنافع على أرض الناس لئلا تظل أفكارا سامية ومثلا عالية في أذهان الفلاسفة؟ قليل ما هم.
خلاصة الخلاصة هي :
الحرية فطرة جبلية في الإنسان قيدها المسؤولية الناشئة من شجرة التقوى وهي مناط التكليف عند الإنسان ومخ كرامته والعدوان عليها عدوان على البشرية قاطبة جمعاء فهي الحياة الروحية للإنسان لا ينداح الخير إلا بها ولا يضيق الشر إلا بها.
التنوع قانون قائم مطرد غلاب وفرع عن الحرية وهو شرط للتعاون بأثر قانون الإشتراك والإختلاف معا في كل إنسان وكائن مخلوق أبدا في دنيا المكلفين أي العابدين طوعا لا كرها.
الكلمة أمانة ومسؤولية وهي مخ الجهاد الإسلامي الأصيل وكل صور الجهاد الأخرى هي إستثناء لا يآل إليه ولا يصار إلا بعد إستنفاد معين الكلمة ولكنه معين لا يستنفد فبالكلمة يكون الإنسان إنسانا وبدونها يكون الإنسان حيوانا ولذلك فتح الوحي بصيرة الإنسان بكلمة هي رمز العلم والمعرفة والحضارة والرقي والمدنية " إقرا".
كلما كان الموقع الإلكتروني الإسلامي متجها بخطابه الجامع بين الأصالة وبين المعاصرة في أدب الجادين إلى حربة الإستبداد التي تحول دون إندياح الحرية وإستعادة الإنسان لعقله ونفسه وذاته وقوله وعمله وعبادته ورسالته دون أدنى إكراه .. كان على الطريق الصحيح سواء كان توجهه سياسيا أو إخباريا أو إجتماعيا أو ثقافيا أو فكريا أو فنيا أو جامعا بين كل ذلك أو بعضه إذ الإستبداد صناعة ليست خاصة بمؤسسات الحكم والسلطان ولكنها صناعة يصنعها الإنسان في جوفه إبتداء ثم يغذي بها ما شاء من دوائر السلطان والحكم أو الإعلام المأجور أو المال المتبرج أو الجمال البغي وإن كانت لمؤسسة السلطان والحكم اليوم لأسباب معلومة دور تجميع تلك الصناعات في معمل ضخم كبير يوزع أقساط الإستبداد وتكميم الأفواه على مواطن الصمت بعدل.
الهادي بريك ألمانيا
مصدر المقال : http://www.alhiwar.net/vb/showthread.php?p=63002


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.