الجزائر - عاد الشيخ عبد الله جاب الله الرئيس السابق لحركة الإصلاح الوطني الجزائرية مجددا إلى صفوف حركة النهضة التي أسسها ثم انشق عليها، وهو ما فسره مراقبون بأنه يأتي في إطار "صفقة جديدة" قبلها جاب الله بعدما تيقن من أن عودته إلى "الإصلاح " أصبحت شبه مستحيلة إضافة إلى أن سعيه لتأسيس حزب سياسي جديد ليس أمرا سهلا. وفي تصريحات نقلتها عنه صحيفة "الشروق اليومي" الجزائرية في عددها الصادر اليوم الإثنين أكد جاب الله أنباء عودته إلى أحضان حركة النهضة، بناء على القرار الذي "تم اتخاذه يوم 29 يناير الماضي من قبل المجلس الشورى لحركة النهضة ومن قِبل مجلس الشورى للجناح المنشق عن الإصلاح". "لمّ الشمل"
وحول الدوافع التي قادته إلى العودة مجددا إلى صفوف النهضة، قال جاب الله: "محتوى القرار هو استرجاع كل أبناء الحركة منذ تأسيسها كخطوة أولى، والتعاون بيننا (جناحه المنشق عن حركة الإصلاح) وبين النهضة من أجل جمع شمل النهضة التاريخية.. على أن يتم في مرحلة ثانية التواصل مع كل أبناء الأمة ". وكان جاب الله قد انشق أواخر عام 1998 عن حزب حركة النهضة الذي أسسه في بداية التسعينيات إثر خلاف حاد نشب بينه وبين الدكتور لحبيب آدمي، الذي تولى تسيير شئون حركة النهضة حتى عام 2002، لكن الأخير أعلن استقالته من رئاسة الحزب على خلفية النتائج الهزيلة التي حصدها في الانتخابات التشريعية في حينه. ولم يعرف حتى الآن ما إذا كان جاب الله سيتولى رئاسة حزب النهضة، لكن مصادر صحفية جزائرية لفتت إلى أن الحركة ستعقد بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل المقبل مؤتمرا استثنائيا ولا تستبعد أن يتم تنصيب جاب الله رئيسا للحزب باعتباره "شخصية لها مكانتها داخل التيار الإسلامي، وبإمكانه المساهمة بشكل كبير في إعادة بناء النهضة، التي تعاني مرحلة خطيرة من الوهن السياسي". ويرى المتابعون للشأن السياسي في الجزائر أن عودة جاب الله إلى صفوف النهضة كانت نتيجة عجز القيادة الحالية للحزب عن إعادته بقوة إلى الساحة السياسية "ببريقها المفقود" بعد سلسلة الانتكاسات الانتخابية التي تعرض لها منذ عام 2002 وحتى محطة تشريعيات 2007. صفقة جديدة وعلى الصعيد ذاته رأى آخرون في تصريحات لإسلام أون لاين.نت أن قبول جاب الله ب "الصفقة" الجديدة، كان نتيجة تيقن هذا الأخير من عدم قدرته على تكرار سيناريو 1999، حين لجأ إلى تأسيس حركة الإصلاح الوطني بعد مغادرته لصفوف حركة النهضة، فهذه المرة من المستبعد جدا تأسيس حزب جديد مع إصرار السلطات على عدم الترخيص لتشكيلات سياسية حديثة النشأة وخاصة أي حزب سياسي جديد يؤسسه جاب الله. وكان جاب الله قد ألمح في أغسطس 2007 إلي إمكانية العودة إلي حركة النهضة مع إقدام حركة النهضة بعد الانتخابات التشريعية في ربيع ذلك العام على تبني خطاب سياسي جديد واتجاهها نحو المعارضة -كما يرى مراقبون- وهو ما جعل انضمام جاب الله مجددا لصفوفها منسجما مع متطلبات المرحلة وربما تعزيز مكانتها على الساحة السياسية نظرا للمكانة التي يتمتع بها داخل التيار الإسلامي. مقاطعة الانتخابات وتعتبر عودة الشيخ: عبد الله جاب الله إلى حركة النهضة بحسب الكثير من المتتبعين بمثابة "رصاصة الرحمة" التي أطلقت على وثيقة التنسيق التي وقعت الصيف الماضي بين خصومه في حركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة، خاصة بعد بروز تباين كبير في وجهات النظر من الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها مطلع شهر أبريل المقبل. وأعلن جاب الله في 30 يناير الماضي مقاطعته للانتخابات الرئاسية قائلا: إن السباق حسم سلفا للرئيس بوتفليقة بعد تعديل الدستور في نوفمبر الماضي، كما قررت حركة النهضة في وقت سابق عدم المشاركة في الاستحقاق الرئاسي القادم، معتبرة أن الأجواء السياسية السائدة في البلاد غير مشجعة على خوض المعترك الانتخابي أو مساندة أي من المترشحين. ومرر البرلمان والمجلس الدستوري الجزائريين في نوفمبر 2007 الماضي، تعديلات دستورية اقترحها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قبل ذلك بعام، تفتح تولي منصب الرئاسة لعدد غير محدود من المرات، بعد أن كانت محددة بمرتين فقط، بما يسمح لبوتفليقة بالترشح لمنصب الرئاسة لفترة ثالثة. وفي المقابل قررت حركة الإصلاح الوطني التي يتزعمها محمد بولحية بعد الإطاحة بالشيخ عبد الله جاب من على رأس الحزب، خوض الانتخابات الرئاسية باختيار الدكتور محمد جهيد يونسي الأمين العام للحركة لخوض معركة انتخابات الرئاسة، ومن المنتظر أن يعلن يونسي ترشحه للرئاسيات نهاية الأسبوع الجاري. وكان جاب الله يتزعم جناحا منشقا عن حركة الإصلاح الوطني التي أسسها قبل سنوات بعد فصله من حركة النهضة التي يرأسها حاليا السياسي الإسلامي الجزائري فاتح ربيعي، وفي مارس 2007 أطاحت وزارة الداخلية الجزائرية بالشيخ جاب الله من رئاسة الحزب رسميًّا باعتمادها نتائج مؤتمر عقده الجناح المعارض، وقضى بعزل جاب الله وانتخاب محمد بولحية مكانه. وانعكست تنحية جاب الله من زعامة حركة الإصلاح الوطني -بحسب المتتبعين- سلبا على الحزب الذي مني بهزيمة "نكراء" في الانتخابات التشريعية التي جرت 17 من مايو 2007، حيث لم يحصد سوى 3 مقاعد، وقد حصلت حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية في الانتخابات نفسها على 5 مقاعد، ما جعل حصتها ترتفع بأربعة مقاعد مقارنة بعام 2002 عندما حصلت على مقعد واحد فقط. ويؤخذ على الشيخ جاب الله كثرة انشقاقاته الحزبية، حتى وصلت إلى 4 انشقاقات؛ منها اثنان بعد فتح التعددية السياسية عام 1989. ويتردد أن جاب الله خرج قبل ذلك من "حركة مجتمع السلم" (حمس) التي كان يرأسها الشيخ محفوظ نحناح، ليؤسس حركة النهضة، ثم انشق وأسس حركة الإصلاح، وقبل كل ذلك كان في حركة الإخوان المسلمين، ثم خرج منها.