د. هيثم مناع أثار القرار الذي اتخذه البرلمان الاوروبي بادانة انتهاكات حقوق الانسان في مصر ردود فعل عنيفة من قبل الحكومة المصرية، التي اتهمته بالانتقائية والاستهداف المقصود وتزوير الوقائع وأخيرا محاباة اسرائيل. وقد صرح وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بأن مصر ترفض جملة وتفصيلا محاولة أي طرف ينصب نفسه مفتشا علي أوضاع حقوق الانسان فيها . مضيفا أن مصر لا تحتاج الي تلقي دروس من أي طرف وبالذات اذا اتصف هذا الطرف بقدر عالٍ من العنجهية المشوبة بالجهل . أكتب هذه الأسطر كمواطن عربي يعتبر عاصمته القاهرة بالمعني المجازي، وكانت عاصمته القاهرة ورئيسه مصريا في سنوات الوحدة التي نحتفل بالذكري الخمسين للتصويت الديمقراطي عليها بعد أيام. وبالتالي، وبعكس ما قاله لنا الضابط الذي منعنا من مراقبة المحكمة العسكرية لمعتقلي المحظورة (الاسم الاعلامي الرسمي لحركة الاخوان المسلمين) بدعوي أننا أجانب، لنا في مصر أمل، وعلي مصر في وجداننا حقوق، ولشعب مصر في القلب مكان لا تهزه المواقف السياسية لأية حكومة. لعل من الضروري وقد هاجت الدنيا علي 52 نائبا أوروبيا صوتوا للقرار، التذكير بعدة أمور حول آليات عمل البرلمان الاوروبي ووسائل الضغط المختلفة لاستصدار قرار في قضية أو بحق بلد. كذلك طريقة النقاش في البرلمان بعيدا عن المسودة الأولي والاقتراح الأولي، وكيف تتحرك عدة مجموعات ضغط كل منها علي ليلاه لغرض محدد قد ينسجم مع المشروع أو يسبب له قروحا وجروحا غير مقروءة النتائج من قبل نواب لا يملكون بالضرورة تصورا كافيا عن عملية التلقي الوطنية والتعامل مع أي قرار بنظرة غير حكومية أو بنظرة خارج أوروبية. خاصة، وأنه بعكس ما يقول مسؤولون مصريون، فان هذا القرار شبه روتيني ويشمل بلدانا لا حصر لها بجغرافيا سياسية محددة. وقد صدرت عدة بيانات تدين الادارة الأمريكية في مواضيع كالمطالبة باغلاق غوانتانامو مثلا، كذلك حال الفدرالية الروسية في قضية احترام الأقليات وحقوق القوميات وحقوق المنظمات غير الحكومية، وعدة دول عربية في الأعوام السابقة، بل نجد عدة قرارات تدين حكومات من الاتحاد الاوروبي نفسه. يوجد لجنة تابعة للبرلمان الاوروبي اسمها اللجنة الفرعية لحقوق الانسان، ترأس اللجنة اليوم نائبة فرنسية من حزب الخضر هي هيلين فلوتر. وقبل أن تتولي السيدة فلوتر هذه المهمة، كانت معنا في عدة معارك وحضرت مراقبة عدة محاكمات ووقفت مع عدد كبير من المضربين عن الطعام والمعتقلين في عدة بلدان عربية. وان كان من الصعب التحدث عن هيلين كمختصة في العالم العربي، فهي تميز الخيط الأسود من الخيط الأبيض ولها علاقات شخصية مع ديمقراطيين ومدافعين عن حقوق الانسان في العالم العربي تسمح لها بعدم الوقوع في أخطاء في التقدير والتدقيق بالمعلومات. لكن النواب الاوروبيين الذين يتابعون ملفات خارجية هم عادة من عدة حساسيات سياسية ولهم شبكة علاقاتهم الخاصة، باللوبي الموالي لاسرائيل يسعي لوضع عصا موسي في كل قضية، واللوبي المعادي للأجانب يسعي لشل كل قرار يستهدف الدفاع عن حقوق الأجانب ونواب الأحزاب الحاكمة يأخذون بعين الاعتبار الحكومات الحليفة والصديقة الخ. باختصار، يبدأ المشروع المتعلق بحقوق الانسان غالبا برسائل واتصالات وزيارات وضغوط من الوسط غير الحكومي لحقوق الانسان، مراسلون بلا حدود تركز علي الصحافيين وحرية التعبير، مرصد المدافعين عن حقوق الانسان يركز علي المدافعين الملاحقين، لجنة الحقوقيين الدوليين تركز علي استقلال القضاء والانتهاكات الواقعة علي المحامين والقضاة، هيومان رايتس وتش تعكس مواقف مركزها في نيويورك، اللجنة العربية لحقوق الانسان تركز علي الحقوق الانسانية عامة وترفض فكرة العقوبات والقطيعة الدبلوماسية.. باختصار، تتلقي اللجنة أحيانا مئات الصفحات الموثقة عن انتهاكات حقوق الانسان ويطلب منها تكثيفها في مشروع قرار يعاد انتاجه وفق موازين القوي ومواقف الجماعات السياسية الكبيرة بل وأحيانا انتظار فرصة غياب أكبر عدد من النواب للسيطرة علي وضع لا يجعل المشروع يفشل بالتصويت، فيما يسبب هزة للبرلمان الاوروبي خاصة عندما يتعلق الأمر برفض مشروع قرار يدين انتهاكات حقوق الانسان في برلمان القارة الأقدم في تبني هذا الملف، ولو من حيث الشكل. المناضل الحقوقي يسير بين كل هذه الألغام بحثا عن قرار غير مسيس بالرغم عنه، وغير قابل للتوظيف لغاية تتعدي السبب الأساسي لصدوره، أي الدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية. وبهذا المعني، لا يمكن لسلطة مضادة (هي المنظمة غير الحكومية والمجتمع المدني) أن تتوافق تماما مع التصور الذي سيصدر عن سلطة تشريعية فوق قومية. من أجل هذا، وبتتبع لقرارات الهيئات التشريعية علي الصعيد العالمي، رفضت اللجنة العربية في عشر سنوات هي عمرها اليوم، أي تدخل لدي الكونغرس الأمريكي، بعد دراسة آليات اصدار القرارات، وقوة تأثير اللوبي الموالي لاسرائيل في صناعتها خاصة عندما يتعلق الأمر بالمنطقة العربية. وسعت عمليا لبناء جسور بين نواب المعارضة في البلدان العربية التي تملك هامشا (ولو مقيد في انتخاب معارضين) والنواب الاوروبيين والاتحاد الدولي للبرلمانيين. كذلك طالبت النواب الذين تتواصل معهم بقراءة أي مشروع بعين شعوب المنطقة وليس فقط بعين أوروبية. ورغم أن القرار المتعلق بمصر، قد ضم 27 بندا، منها 25 لا تشكل مادة اعتراض من أي مواطن مصري يتحلي بالموضوعية، ويتعرض لأهم الانتهاكات في مصر دون اعتماد خطاب مواجهة مباشرة (واضح ذلك في تسمية أيمن نور والدواعي الانسانية للمطالبة بالافراج عنه، وعدم تسمية خيرت الشاطر وجامعيين وأكاديميين ورجال أعمال يمثلون أمام المحكمة العسكرية لحساسية الملف عند السلطات المصرية) دون اغفال المطالبة بوقف المحاكم العسكرية بشكل عام، والاشادة بدور ايجابي لمصر في عملية السلام. بقي أخيرا نقطة نظام نوجهها للجنة الفرعية لحقوق الانسان والنواب التقدميين للاستفسار عن دواعي حشر قضية اقليمية في قرار يتعلق بأوضاع مصرية. فما معني حشر عصابات التهريب التي تسهل عبر الأنفاق التواصل مع غزة التي تتعرض لقصف وحشي منذ أيام في هذا القرار، أليس الأمر فخا وصيغة خبيثة أضافها نواب موالون لاسرائيل كبحصة في حلق المدافعين عن حقوق الانسان الذين يتهمون البرلمان الاوروبي بالتقصير في الرد علي الحصار اللا انساني والمجرم بحق الشعب الفلسطيني والجرائم اليومية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي ضد المدنيين والعزل في القطاع والضفة تحت الاحتلال. أليس في محاولات كهذه، ما يمس مصداقية البرلمان الاوروبي ويسمح لدول تنتهك حقوق الانسان بالتذرع بتخفيف اللهجة علي الكيان المدلل في المؤسسات الغربية وعدم نهج المسلك ذاته، مع حكومة تعتبر نفسها الترجمة الأفضل للمصالح الغربية في مصر؟ بالتأكيد، هذه الأسئلة مشروعة، ولن نقول بأن الذنب يقع فحسب علي البرلمان الأوروبي، فهناك مسؤولية لمنظمات حقوق الانسان، التي تقبل بالحد الأدني، وتغمض النظر عن هذه المسائل حتي لا تخسر أصدقاء في مؤسسة تشريعية لتقييمها دورا كبيرا في الحكم علي بلد. هناك المستفيد ماليا من الاتحاد الاوروبي، الذي يحرص علي عدم انتقاد مؤسساته ومواقفه، وهناك عرب الارضاء وعرب الخدمات الذين يضعفون صوت الرفض لهكذا ممارسات. وان كنا اليوم أقوي في مسألة النقد والمتابعة منه قبل عشر سنوات، فان قوتنا أكبر بكثير لو كانت هناك جبهة جنوبية لحقوق الانسان تحرص علي نصوص متوازنة ليس بمعني تخفيف اللهجة عن السلطات، ولكن بمعني عدم حشر أي موقف طفيلي علي الموضوع تزكم رائحة التوظيف فيه الأنوف. بالتأكيد، لا يضير أية منظمة لحقوق الانسان صدور قرار أضيفت له بهارات سياسية خاصة، كونها ستنتقد ذلك وتأخذ بما يخصها تحديدا، وبما هو دقيق وأمين ونافع، ولكن بالتأكيد كان بامكاننا تحريك الملفات المصرية العالقة، كملف مناهضة التعذيب، التضييق علي الصحافيين والمدونين، المحاكمة العسكرية لكوادر الاخوان، الاعتقال الاداري المزمن والمتكرر لشل الحياة المهنية والنضالية للمعارضين، اطلاق سراح عشرات المعتقلين في وضع صحي لا انساني (مثال حالة أيمن نور)، وضع حدٍ لحالة الطوارئ ودسترة القوانين الاستثنائية. وأخيرا وليس آخرا، وضع حد لظواهر العنف المجاني اليومي لأجهزة الأمن والشرطة التي تزداد بشكل كبير، والذي يعتبر بالنسبة لنا، وعكس ما يقول بعض النواب الاوروبيين والمجلس القومي لحقوق الانسان، مؤشرا هاما لتدهور، وليس لتحسن أوضاع حقوق الانسان في مصر.