كشف المفكر الإسلامي الليبي الدكتور علي الصلابي عن وجود اتجاه لتصفية ملف المعتقلين السياسيين في السجون الليبية، وخصوصا من أتباع الفكر الجهادي، بعد نجاح الوساطات التي شارك فيها مع مؤسسة القذافي للتنمية -التي يترأسها سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي معمر القذافي- للإفراج عن آخر مجموعة من معتقلي الجماعة الإسلامية المقاتلة. وفي تصريحات خاصة ل"إسلام أون لاين.نت"، أكد الصلابي أهمية الحوارات والمراجعات التي جرت مع معتقلي الجماعة، وقال: إن الإفراج عنهم بمثابة "أهم مداخل الإصلاح في ليبيا"، إلا أنه أشار إلى أنه لا تزال هناك "مظالم عديدة" يجب علاجها قبل الحديث عن إصلاح حقيقي في البلاد. وأوضح أن ملف المعتقلين السياسيين من مختلف الأطياف، وخصوصا من أصحاب الفكر الجهادي الذين لا يزالون في السجون الليبية، "أحد هذه المظالم"، وكشف عن وجود ما وصفه ب"اتصالات حقيقية" مع السلطات الليبية في هذا الشأن. ويطلق مصطلح "الجهاديين" في العادة على عناصر الجماعات ذات التوجه الإسلامي، والتي تتبنى العنف وتحمل السلاح ضد الدولة، ويبلغ عدد المعتقلين الذين لا يزالون في السجون الليبية من هذه العناصر "المئات" بحسب الصلابي. وقال إنه خلال المسئولين الذين احتك بهم في هذا الإطار -ومن بينهم سيف الإسلام القذافي- أبلغوه بأنهم "يريدون للحوار (مع المعتقلين الجهاديين) أن ينجح"، وقال إنهم قالوا له: "إن من يمد يده لنا، فنحن مستعدون لمساعدته على الخروج" من السجن، إلا أنهم اشترطوا بحسب الصلابي أن تكون هناك "مراجعات حقيقية في الفكر الأيديولوجي" لهذه المجموعات. في المقابل شدد المفكر الإسلامي الليبي في تصريحاته على أنه "على الدولة أن تخرج (من السجون) الناس التي غيرت آراءها وأفكارها من تلقاء نفسها بدون حوار، لأن إخراجهم يعطي مصداقية قوية لملف الحوار"، وقال إن من حاكمتهم المحاكم الليبية وانتهت محكومياتهم، أو حصلوا على أحكام بالبراءة "لابد أن يتم إطلاق سراحهم، لأن ذلك يعطي مصداقية للمشروع الإصلاحي" في ليبيا. وقال الصلابي إن الأجهزة الأمنية الليبية لها الحق في البحث عن وسائل تحفظ أمن البلاد، ولكن "من دون مصادرة حريات وحقوق السجناء الذين انتهت محكومياتهم، أو نالوا أحكاما بالبراءة، وإلا اعتبر ذلك بمثابة ارتباك ما بين المؤسستين القضائية والأمنية، وهذا يؤثر في مشروع الإصلاح". مراجعات وأشاد الدكتور الصلابي في تصريحاته بالدور الذي يلعبه سيف الإسلام القذافي في هذا الشأن، وقال إن القذافي الابن "دخل معركة مع المسئولين" في سنوات سابقة في ملف معتقلي الإخوان المسلمين، محققا نجاحات في هذا الملف؛ حيث تم إخراج سجناء الإخوان جميعا من السجون الليبية. كما قال الدكتور الصلابي إن سيف القذافي هو الذي تبنى ورعى فكرة الحوار مع التيارات الإسلامية، والمعارضة الأخرى، وتبنى فكرة إخراج سجناء الرأي، وتكللت جهوده بالنجاح فيما يخص سجناء الإخوان. وقبل أيام أعلنت مؤسسة القذافي للتنمية أن السلطات الليبية تنوي الإفراج عن جميع عناصر الجماعة الإسلامية المقاتلة المتبقين في السجون الليبية قريبا، تتويجا لعامين من الحوار بين الجانبين، ونجاح المؤسسة في دفع الجماعة للاتجاه للعمل السياسي السلمي. ونجحت المؤسسة في أبريل 2007 الماضي في الإفراج عن أول دفعة من عناصر الجماعة، وعددهم 90 عنصرا، كانوا يقضون عقوبات بالسجن لمدد مختلفة في سجن أبو سليم بضواحي العاصمة الليبية طرابلس، وبعضهم كان يقضي عقوبات تصل إلى السجن المؤبد. وقال المفكر الإسلامي الليبي إن القذافي الابن بدأ الحوار مع الجماعة المقاتلة قبل نحو عامين، ل"عدم قناعته بجدوى الحل الأمني" في مواجهة الجماعات المسلحة، وقال إن القذافي غلب الحل الذي يقوم على أساس "معالجة الأفكار بالأفكار". وأضاف الصلابي أنه في البداية كانت هناك "متاعب حقيقية"، إلا أن القذافي الابن تدخل شخصيا، و"عالج العوائق والانسدادات للتمهيد لأرضية مناسبة للحوار". ويجري حاليا معتقلو الجماعة المقاتلة مراجعات فكرية، كشرط أساسي اشترطته السلطات الليبية، للتسريع بتصفية هذا الملف، ووصف الصلابي هذه المراجعات، بأنها تتفق في مرجعيتها "مع أفكار جمهور علماء المسلمين" في نبذها للعنف وعدم حمل السلاح في وجه الدولة. وأكد الصلابي على أن هناك انفراجة في مواقف الطرفين، الجماعات الإسلامية والسلطات الليبية في الوقت الراهن، وأوضح أنه على سبيل المثال فإن قيادات الجماعة المقاتلة بدأت في سلسلة من المراجعات الفكرية والفقهية لموقفها من عدد من القضايا الخلافية مثل حمل السلاح واستخدام العنف ضد الدولة. وقال إن الجماعة توصف نفسها على أنها "جماعة إصلاحية"، وأنها ما حملت السلاح في وجه الدولة في ليبيا "إلا بعد أن فقدت الأمل في الإصلاح في البلاد"، إلا أنه أشار إلى أن الجماعة بعد الحوار مع السلطات الليبية والإفراج عن معتقليها "لمست إجراءات إصلاحية حقيقية في البلاد"، ورأت أن هناك "أملا في الإصلاح". وأشار الصلابي في هذا الصدد إلى أن الجماعة المقاتلة بدأت في إطار مراجعاتها في البحث عن سبل الانخراط في العمل السياسي العام في البلاد بالوسائل السلمية، مشيرا في هذا إلى ما جاء في الرسالة التي نشرتها صحيفة "أويا" الليبية الخميس الماضي لزعيم الجماعة أبو عبد الله الصادق (عبد الحكيم بالحاج)، والتي كشف فيها عن جوانب من الحوار الذي انطلق قبل أكثر من عامين بين جماعته والسلطات الليبية. وأشار الصلابي إلى أن هناك مبادرات أخرى تقدمت بها بعض الأطراف السياسية ذات التوجه الإسلامي في ليبيا لإيجاد حلول وسط ما بين الحظر القانوني والسياسي المفروض على الأحزاب والتنظيمات السياسية، وما بين رغبة هذه الأطراف في لعب دور في الحياة السياسية والعامة في البلاد. وقال إنه في هذا الإطار، تقدمت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا بطلب إلى السلطات لإشهار جمعية باسم الإخوان، إلا أن السلطات الليبية رفضت ذلك، وأشار الصلابي إلى أن السلطات ترفض أية جمعيات أو مؤسسات تعتبرها مرتبطة بتنظيم أو بحزب. إلا أنه أشار من جانب آخر إلى أن السلطات الليبية لا تمانع في عودة أي مواطن ليبي مقيم في الخارج، أو استيعاب أي مواطن في مؤسسات الدولة، مهما كان انتماؤه الفكري، ما دام ترك العمل التنظيمي أو الحزبي.\ أحمد التلاوي