حسان غنّاي رئيسا للمجلس الجهوي بصفاقس    شركة اللحوم تشرع في بيع أضاحي العيد بداية من 8 جوان وهذه اسعارها    قربة: وفاة تلميذ ال13 سنة غرقا    القصرين: 5 آلاف و991 مترشحا لمناظرة الباكالوريا دورة 2024    بنزرت: وفاة اب غرقا في شاطئ سيدي سالم وإنقاذ طفليه الصغيرين    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    هذه الدولة تعتمد أول لقاح للسرطان في العالم    متابعة للوضع الجوي بهذا اليوم…    مفزع/ 427 قتيلا في حوادث المرور خلال خمسة أشهر !    بعد زيارة الصين: رئيس الدولة يعود الى تونس..    أخبار الأولمبي الباجي: مباراة بلا رهان وبن يونس يلعب ورقة الشبان    في الصّميم :خوفا على ناجي الجويني    خلال زيارته المكتبة الكبرى لشركة "هواوي": رئيس الجمهورية يهدي المكتبة مؤلفات تونسية (صور)    أفضل الخطوط الجوية لسنة 2024    هزّة أرضية في المغرب    أحمدي نجاد يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في إيران    النادي الصفاقسي يطلق منتدى للتشاور مع احبائه ومسؤوليه السابقين    ايقاف 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بنيويورك    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    منوبة .. تهريب أفارقة في حشايا قديمة على متن شاحنة    دليل مرافقة لفائدة باعثي الشركات الأهلية    انقسامات داخلية حادة تهز الاحتلال حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    برنامج الغذاء من أجل التقدم 110 مليون دينار لدعم إنتاج التمور في تونس    رابطة الأبطال: الريال بطل للمرّة ال15 في تاريخه    علوش العيد .. أسواق الشمال الغربي «رحمة» للتونسيين    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    أمطار الليلة بهذه المناطق..    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    لوقف حرب غزة...ماكرون ''يتحدث العربية والعبرية''    وزارة الداخلية :بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة بين النادي الافريقي والترجي الرياضي    وزارة المالية تعلن عن اطلاق منصة ''تاج''    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    قرعة التناوب على عضوية المجالس الجهوية والتداول على رئاسة المجالس المحلية و الجهوية بولاية صفاقس    بكالوريا 2024 : نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    أبرز مباريات اليوم السبت.    إمكانية نفاذ منخرطي الكنام إلى فضاء المضمون الاجتماعي عبر منصة 'E-CNAM'    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    حريق ضخم جنوب الجزائر    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    ماذا في مذكرة التفاهم بين الجمهورية التونسية والمجمع السعودي 'أكوا باور'؟    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمل الإسلامي في أوروبا بين جيل الشبيبة والشيوخ
نشر في الفجر نيوز يوم 02 - 04 - 2009

يحاول مسلمو أوروبا الموازنة بين المواطنة والهوية الإسلاميةالحديث عن العلاقة بين جيل الشبيبة والجيل الأكبر سنا من المسلمين في أوروبا، وعلى وجه التحديد الناشطين إسلاميا منهم، حديث ذو شجون، وقد يثير حساسيات غير مقصودة، أو انطباعات لا أصل لها، لاسيما أن علاقة كاتب هذه السطور مع العمل الإسلامي في أوروبا قديمة، فقد كانت اندماجية واقتصرت منذ فترة، ومع
التفرغ للكتابة، على التواصل، وقد يقال -وهذا صحيح- إنه كثيرا ما دعا إلى "ثورة الشبيبة" على من هم أكبر سنا في توجيه العمل، إنما كان المقصود على الدوام هو ثورة الشبيبة على أنفسهم أولا، حيثما وجدوا، بالارتفاع إلى مستوى حاجة الإسلام والمسلمين، وحاجة العمل الإسلامي، فهذا ما يؤهل للقيادة، وليست الثورة العشوائية الاعتباطية بطبيعة الحال، وما يسري على الساحة الإسلامية في أوروبا يسري على البلدان الإسلامية نفسها بصورة أشدّ ضرورة وإلحاحا.
تسارع الأحداث
رغم التردد المبدئي في الكتابة، تزامنت مؤخرا ثلاثة أحداث في بريطانيا وألمانيا وأسبانيا؛ لتدفع إلى طرح السؤال عن مستقبل الإسلام في أوروبا مجددا، وإلى التأمل فيه عبر منظور العلاقة بين جيلين من المسلمين، وهذه الأحداث هي:
1- الإعلان البريطاني يوم 24/3/2009م عن "إستراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب"، والتصريح بمخاوف عدد من المسئولين عن التنظيمات الإسلامية من مزيد من التشدد تجاه المسلمين في بريطانيا، تحت ستار تشريعات قانونية، وإجراءات إدارية شبيهة بما عرف تحت عنوان القوانين الاستثنائية بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون عام 2001م.
2- حملة مداهمات واتهامات جديدة في ولاية بافاريا الألمانية، كُشف عنها يوم 19/3/2009م، واستهدفت سبعة من الناشطين إسلاميا من منظمات إسلامية معروفة، وانطوت على تصعيد نوعية الاتهامات ومضامينها بالمقارنة مع ما كان في حملات سابقة.
3- مرور الذكرى السنوية الخامسة لحادثة تفجير القطارات في مدريد يوم 11/3/2004م، واقتران ذلك بتبني جهات رسميةٍ طباعةَ كتاب وتوزيعه حول التسامح ومعارضة "الإرهاب"، وكان من وراء إعداده في صيغة مجموعة صور وكلمات بأقلام أطفال المسلمين بعد الحادثة مباشرة، عددٌ من الشبيبة المسلمة في مدريد، تميزوا بالوعي والمثابرة، كما يشير احتفالهم بطباعة الكتاب وتوزيعه عام 2009م.
الخلل الأكبر
سؤال طالما تكرر طرحه: ما الذي ينبغي على المسلمين في أوروبا صنعه على طريق اندماج إيجابي، يجمع بين جناح المواطنة في الدول التي يعيشون فيها، وباتوا جزءا من واقعها ومستقبل مجتمعاتها، وجناح الحفاظ على تميزهم بالهوية الإسلامية، وهو ما لا يمكن -دون تحقيقه- أن يسري مفعول "حرية المعتقد" على أرض الواقع؟.
قبل محاولة الإجابة مجددا على هذا السؤال وفق معطيات قائمة حاليا، يحسن النظر في معالم الأرضية السياسية والإعلامية التي يتحرك عليها الوجود الإسلامي في أوروبا، فهي التي تبين تلك المعطيات لتحديد العلاقة بين "سلوك الطريق" و"العقبات".
ولا نزال نرصد تناقضا كبيرا في السياسات والممارسات الصادرة عن قطاع لا بأس به من المسئولين في أوروبا، من الميادين السياسية والإعلامية والفكرية، ما بين دعوات الاندماج والتسامح وإزالة الأحكام المسبقة والحوار وما شابه ذلك، وبين مواقف وإجراءات عملية صادرة عن المخاوف أولا، والتي قد تكون مشروعة أحيانا بمنظور أحداث بعينها كعمليات التفجير في مدريد ولندن عامي 2004 و2005م، ولكن لا يمكن أن تكون مقبولة عندما تتخذ شكل تعميم الشبهات والاتهامات، بدلا من التمييز الدقيق بين الغالبية الكبرى للمسلمين في أوروبا وبين نسبة محدودة تميل إلى العنف غير المشروع أو تؤيده، ناهيك عن أن ممارسته لا تصدر إلا عن نسبة محدودة أيضا من هذه الفئة المناصرة له، فهي لا تمثل شيئا يذكر بالمقارنة مع عشرات الملايين من المسلمين في أوروبا.

يتبنى الأمير تشارلز سياسة منفتحة تجاه مسلمي بريطانيا

ونقف فيما يلي عند بعض الأمثلة:
بريطانيا: في بريطانيا حيث صدرت "الإستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب"، نجد فيها تفصيلا واسعا يتناول "الملاحقة لمن يمارس الإرهاب، والوقاية بمنع التطرف، والحماية للحدود والمواقع المحتمل استهدافها، والاستعداد لمواجهة أنواع جديدة من مصادر الخطر، إضافة إلى ما يسمى تجفيف منابع التمويل، وإلى مزيد من الجهود العسكرية الخارجية كما في أفغانستان، ونعلم أن كثيرا من ذلك بات ذريعة لصنع ما لا تتحدث عنه العناوين، كالتضييق على جمعيات خيرية، وأنشطة إسلامية مشروعة، والخلط بين "إرهاب" ومقاومة، ولكن علاوة على ذلك لا نجد في هذه القائمة الطويلة المعلنة رسميا، ما يمكن اعتباره استئنافا أو تطويرا أو "إستراتيجية" تنطلق من بذور أخرى كان قد سبق التأكيد عليها، وفيها بعض الإيجابيات، وقد صدرت أيضا عن جهات رسمية وغير رسمية في حينه، كالانفتاح الإيجابي الذي كان يمثله بصورة خاصة الأمير البريطاني تشارلس، أو المبادرة "اليتيمة نسبيا"، التي أقدم عليها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير تحت عنوان مضاعفة الدعم المالي لتنشيط الدراسات الإسلامية في الجامعات البريطانية.
بدلا من ذلك تشهد بريطانيا حتى الآن كما كانت تشهد من قبل، وكما يشهد سواها من بلدان الاتحاد الأوروبي، تلك الظاهرة التي انتقدها رئيس الوزراء السابق توني بلير قبل سنوات بقوله: (إن الأصوات المتطرفة تحظى باهتمام إعلامي لا يتناسب مع حجمها، وتحجب عن العالم الصوت الإسلامي المعتدل والحقيقي).
لا غرابة إذن أن تنتشر الشكوك في أوساط المسلمين تجاه التصريحات الصادرة بين وقت وآخر حول تسامح وحوار واندماج، أو على حد تعبير محمد شفيق باسم "مؤسسة رمضان" الشبابية الإسلامية في بريطانيا معقبا على موقف بلير المذكور في حينه: (الحكومة ماهرة جدا في صياغة ما تعلن عنه، ولكن لا يصدر الكثير عنها عند الوصول إلى التنفيذ بصورة جوهرية، وحكومة بلير أقدمت على كثير من التشريعات القانونية التي تنطوي على التمييز ضد المسلمين، كما أن ما فعلته في العراق وأفغانستان زاد من وطأة الإرهاب)، ولا يبدو من "الإستراتيجية الجديدة" لحكومة براون أنها قد خرجت عن هذا الخط العام عموما.
فرنسا: المسلمون يدركون ما يوجد من ثغرات في صفوفهم، ويريدون -كما في فرنسا- الوصول إلى إعداد أفضل لأئمة المساجد والمصليات، كما يقول ولد لعروسي مدير مكتبة معهد العالم العربي بباريس، منتقدا تعامل الحكومة مع الجزائر لإرسال من ترى الحكومة الجزائرية إرسالهم، وأغلبهم لا يؤدي الغرض على الوجه الأمثل، ولكن تكمن المشكلة الأهم في وضع عام، وهو السائد، وهو أن (الغرب اليوم ينظر إلينا نظرة استفزازية، وكأننا غنيمة مريضة يجوز الاستحواذ عليها) على حد تعبير فضل السيد حسين رايس، المحاضر في مسجد باريس، وليس مجهولا أن حظر الحجاب على بنات المدارس المسلمات ما زال مستمرا، وأن ملاحقة أئمة المساجد وخطب الجمعة فيها ما زالت قائمة، وأن مواجهة ثورات الغضب الاجتماعي في بعض الأوساط التي ترتفع فيها نسبة المسلمين وتعاني من التهميش والبطالة وسواها لم تخرج من البوابة الأمنية إلى البوابة الاجتماعية والثقافية.
ألمانيا: في ألمانيا كان من أقوال د. آلبريخت ماجن، رئيس لجنة اندماج الأقليات في فرانكفورت: (لا نحاول اقتلاع الناس من جذورهم، بل نريد نشر الإدراك أننا نعيش في مجتمع متعدد الثقافات)، وكما يؤكد د. فيرنر شيفاور، من جامعة فرانكفورت (قيام بعض قطاعات الإعلام الغربي بدور كبير لإلصاق "تهمة الإرهاب" بالمسلمين) ويعزو إلى ذلك زيادة عزلة المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني، ولكن سيان، فكم تتكرر أقوال من هذا القبيل، ولا ينقطع سيلُ المقالات الإعلامية التحريضية، ومنها ما يطالب بوقف بعض المحاولات الجزئية في اتجاه الاندماج، بغض النظر عن تقويمها تفصيليا، كما هو الحال مع ما يسمّى ب"مؤتمر الإسلام في ألمانيا" برعاية وزير الداخلية الألماني فولفجانج شتويبلي، وهذا التحريض دائم الحضور، دون مناسبة تستدعيه مباشرة، ولكن يبلغ مداه بعد حادثة من قبيل حملة الاتهامات والمداهمات الصادرة عن النيابة العامة في ميونيخ، ويحدث هنا -كمثال- ما لا يحدث غالبا إلا عندما يرتبط الأمر بالإسلام والمسلمين، وهو استباق الإدانات الإعلامية للبعد الزمني الشاسع ما بين توجيه الاتهام، وبين ظهور الحصيلة، فتؤدي الإدانات مهمة التحريض لعدة سنوات، ولا يفيد بعد ذلك كثيرا أن تنتهي الاتهامات إلى التبرئة أمام القضاء، كما كان مرارا في حالات مشابهة سابقة.

كثيرا مايتعرض مسلمو ألمانيا لحملات إعلامية تحريضية

آرمين لاشيت، وزير شئون الاندماج في ولاية رينانيا الشمالية وستفاليا الألمانية، يؤكد أهمية أن تكون لدى المهاجرين فرص تعليمية ومهنية متكافئة مع سواهم، ويعتبر ذلك شرطا أساسيا للاندماج، ولكن لا نكاد نرصد شيئا يستحق الذكر على هذا الصعيد في السنوات الماضية، رغم تأكيد شبيه بذلك رسميا، فيما عُرف بقمة الاندماج الداخلية التي عقدتها المستشارة الألمانية ميركل في منتصف عام 2006م.
الاتحاد الأوروبي عموما: باختصار، لا تزال الهوة الفاصلة بين القول والعمل على مستوى السياسات الرسمية والممارسات الإعلامية في الدول الأوروبية كبيرة جدا، فما سبق أمثلة تسري على بقية بلدان الاتحاد، ولا زال واقع المسلمين فيها مناقضا إجمالا للصورة المرجوّة التي عبرت عنها مثلا وزيرة المغتربين السورية سابقا بثينة شعبان أثناء مؤتمر انعقد في دمشق بمبادرة ألمانية عام 2006، بقولها (أفضل طريقة للاندماج هي قبول الغرب للمسلمين على أنهم جزء ثقافي منه، ومصدر غِنى له، وعلى القوانين والحكومات الغربية تفهّم ثقافة الإسلام؛ لأن لديه الكثير مما يغني الإنسان في الشرق والغرب).
ومن الناحية النظرية نجد شبيه ذلك فيما يسمى ب"دليل شئون الاندماج"، الصادر بنسخته الأولى قبل 5 أعوام عن مفوضية الاتحاد الأوروبي، ولكن لا يوجد على أرض الواقع ما يشير إلى وضع المقترحات العديدة فيه موضع التنفيذ، لاسيما وهو يؤكد أن (الاندماج لا يتحقق عبر طريق في اتجاه واحد فقط، بل ينبغي أن تكون المجتمعات الأوروبية على استعداد لاحتضان المهاجرين أيضا)، ويبين تبعا لذلك الكثير مما ينبغي صنعه -ولم يُصنع- على أصعدة الخدمات والسكن والقطاع الاقتصادي وغيره.
كهولة التنظيمات الإسلامية
لا شك أن استمرار التطور السلبي يمكن أن يؤدي في مرحلة ما إلى تصعيد المواجهات بدلا من الاندماج، كما أنه لا يمكن أن يمثل أرضية إيجابية يتحرك عليها المسلمون في أوروبا، والذين يراد منهم أن يحملوا قسطا من مسئوليتهم في اتجاه الاندماج الإيجابي، وقد صدرت الآن (27/3/2009م) نتائج دراسة قامت بها مؤسسة "كاريتاس" الخيرية الكنسية، وفوجئ القائمون عليها بنتيجة من بين نتائجها تقول، إن العقبة الأكبر في وجه الاندماج هي عقبة "البيئة الاجتماعية" أكثر من أصول الانتماءات الأجنبية للمهاجرين من جيل سابق.
وعنصر المفاجأة كامن في انتشار التصور الموهوم أن المسلمين لا يمكن أن يندمجوا في المجتمعات الأوروبية لمجرد أنهم مسلمون؛ أي بسبب انتمائهم، وليس بسبب الظروف المحيطة بهم!.
لا ينفي ما سبق وجود عقبات ذاتية كبيرة على صعيد المسلمين، ونقف في هذه المقالة عند إحداها فقط، وترتبط بأوضاع "العمل الإسلامي"، وقبل الخوض فيها يفيد التأكيد مسبقا:
أن المراكز والاتحادات والجمعيات وما سوى ذلك من التنظيمات الإسلامية التي أنشئت قبل عقود، قدّمت خدمات جلية لوجود الإسلام والمسلمين في أوروبا، وكان وجودها وأنشطتها وجهود من قام عليها من الأركان الحاسمة في الحفاظ على إسلام المسلمين، وانتشار الصحوة في صفوفهم، وتأمين بعض الاحتياجات الأساسية لهم، من حيث أداء العبادات، وتحصيل المعرفة الإسلامية، والتربية السلوكية، وتأمين متطلبات معيشية أخرى، بدءا بالذبح على الشريعة الإسلامية، وانتهاء بالمقابر الإسلامية.
هذا الحديث يصف حقبة ماضية، والتفصيل فيه يمكن أن يطول، ولكن يبتعد بهذه السطور عن غايتها الأصلية، إنما يأتي هذا التمهيد -قبل ذكر السلبيات- دفعا لبعض الحساسيات المعروفة، فذكر السلبيات في سياق مقال ما يثير الانطباع أو الوهم، كما لو لم تكن توجد إيجابيات، وليس هذا صحيحا.
كما يمكن الاكتفاء بصدد بعض السلبيات المقصودة بتعداد بعض العناوين الأساسية:
1- البنية الهيكلية لمعظم التنظيمات القائمة بنية بلغت مرحلة الكهولة إن لم نقل الشيخوخة، وقد قامت تحت تأثير ظروف زمنية وموضوعية تختلف اختلافا جذريا عما هو سائد اليوم.
2- ومن ذلك على وجه التخصيص غلبة طابع "تنظيم جاليات وافدة" مع ما يعنيه ذلك من تأثير الأساليب والوسائل وطرق التفكير والتعامل الوافدة مع الوافدين من مواطنهم الأصلية، بينما أصبح أكثر من ثلثي المسلمين في أوروبا من الفئات المستوطنة، بإقامة دائمة أو عبر اكتساب الجنسية، أو نتيجة الولادة في أوروبا، أو باعتناق الإسلام بمعدلات متزايدة من جانب ذوي الأصول الأوروبية.
3- أغلب المسئولين (أي القيادات) في العمل الإسلامي في أوروبا، من مراكز وروابط، يسري عليهم ما يسري عليها من حيث الوصول إلى مرحلة الكهولة وتجاوزها، ومن حيث غلبة "فكر الوافدين" عليهم، بينما نجد أن السواد الأعظم من المسلمين المترددين على المساجد والمصليات والمراكز الإسلامية هم من جيل الشبيبة، وهم في سن العطاء المطلوب، ويتمتعون بميزات أخرى عديدة، بدءا باستيعاب المجتمع الذي ولدوا ونشئوا فيه، وطرق تفكيره وأساليب التعامل معه والتأثير عليه، وانتهاء باستيعابهم الأكبر لوسائل العصر الحديثة وقدرتهم على توظيفها لتحقيق الأهداف المرجوة.
4- إن التركيز على التميز الانتمائي الإسلامي كما مارسته التنظيمات الإسلامية في عقود ماضية كان ضرورة، لا سيما في مواجهة ما غلب على المجتمعات الأوروبية والإسلامية آنذاك، وتمثل في تيارات رافضة للدين ومعادية له، ويختلف الوضع الآن من حيث ارتفاع نسبة المتأثرين في تصوراتهم وواقع حياتهم بالصحوة الإسلامية، كما يختلف بارتفاع نسبة المعرفة بالإسلام في الغرب، رغم المظاهر العدائية والتحريضية.
واستمرار التميز مطلوب، ولكن دون أن يفقد ضوابطه، كي لا يتحول إلى تقوقع وعزلة، أو يدعم مظاهرهما المنتشرة حتى الآن، فيصبح عقبة في طريق الاندماج الإيجابي بشقي "المواطنة الأوروبية، والانتماء الإسلامي" معا في الوقت الحاضر.

تسعى المراكز الإسلامية الأوروبية للتكيف مع الاحتياجات الجديدة لروادها

5- ممارسة التنظيمات الإسلامية للدعوة إلى الإيمان والأخلاق والعبادات في حقبة ماضية كانت ضرورية للغاية، وقد حققت كثيرا من أهدافها، ولا تنقطع الحاجة إليها الآن وفي المستقبل أيضا، إنما الحاجة في الوقت الحاضر كبيرة وماسة وحيوية إلى ما يرتبط بميادين أخرى عملية، بدءا بقضايا حضانة الأطفال والتدريس، وعلاقة أولياء أمور التلامذة المسلمين بالمسئولين في المدارس والدوائر الرسمية، وعلاقة الطلبة والطالبات بزملائهم من غير المسلمين وبطواقم التدريس في الجامعات، مرورا بقضايا الأسرة والمجتمع، وتنمية المواهب والتخصصات، والتعامل مع النقابات وأرباب العمل، والتأثير على المستويات الفكرية والأدبية والفنية والإعلامية، وانتهاء بالتفاعل مع التيارات والأحزاب السياسية ومراكز القوى المؤثرة على صناعة القرار التشريعي القانوني وسواه.
سلامة العمل
هذه صورة موجزة غاية الإيجاز تؤكد أن من أكبر المعضلات المستعصية على طريق بناء مستقبل أفضل للوجود الإسلامي في أوروبا، كامنة في السؤال: هل يمكن لتنظيمات بلغت سن الكهولة مع قياداتها، أن تنهض بأعباء جديدة ترتبط ارتباطا مباشرا بجيل الشبيبة، الغائب عن مواقع القيادة والتوجيه والإدارة، إلا قليلا؟.
لا يكفي جوابا على ذلك ما يؤكده كثير من المسئولين عن العمل الإسلامي أنهم لا يتشبثون بمواقعهم القيادية، ويريدون أن يستلم الشباب مهامهم، ويدعون إلى ذلك علنا، ويشجعونهم على ذلك!...
الجواب واضح في أمرين:
أولهما: واقع قائم يقول إن هذه "الرغبة" لم تتحقق حتى الآن على وجه التعميم، فيوجد إذن خلل ما يحتاج إلى إصلاح.
والأمر الثاني: إن الرغبة مقيدة برغبة أخرى، تصدر غالبا عن الحرص على سلامة طريق العمل وفق ما نشأ عليه، ومثل هذا الحرص يعني الحيلولة واقعيا دون تطور جيل قيادي شاب جديد للعمل، ينهض بالمهمة وفق تصوراته هو، وليس وفق ما "يقال له" تحت عناوين إيجابية المبنى وسلبية التطبيق، ومثل إرشاد الشباب وتوجيههم وتوعيتهم وما شابه ذلك، ومن يقول ذلك يغفل أنه كان من جيل الشبيبة وتحرك وفق تصوراته الذاتية قبل عقود، وكانت تنقصه المعرفة والخبرة، فأصاب وأخطأ، وتقدم وتأخر، ولكن الحصيلة العامة مع توافر الإخلاص وتوفيق الله تعالى، كانت إيجابية، وهذا -وليس الخوف المبالغ فيه على العمل الإسلامي واستمراريته وصواب طريقه- هو ما ينبغي تثبيته كمعيار لعملية انتقال المسئولية -أو نقلها- إلى جيل الشبيبة.
افتراق الجيلين
المثال الوارد في بداية الحديث عن نشاط شبيبة مسلمة في مدريد بأسبانيا، واعتمادا على متابعته ومعايشة جانب منه، ومتابعة أمثلة أخرى عديدة في ألمانيا وسواها، تبدو لكاتب هذه السطور معالم أزمة قادمة على صعيد العلاقة بين الجيلين المشار إليهما من المسلمين في أوروبا، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- صحيح أن الشبيبة يحتاجون إلى المزيد من المعرفة بالإسلام، وإلى المزيد من الخبرة في العمل، ولكن هذا يتحقق عبر ممارسة العمل وليس من خلال إعداد نظري في مرحلة تليها مرحلة أخرى.
2- مفهوم استيعاب الشبيبة من جانب القيادات "الأكبر" سنا، يحتاج إلى تصحيح جذري، فهو لا يتحقق إلا من خلال تمكين الشبيبة من المشاركة في الرأي والتوجيه، وليس من خلال التأكيد دون انقطاع أن الشبيبة في حاجة إلى الرأي والتوجيه فقط، وما كان هذا من مواصفات العلاقة بين الأجيال في عهد الصحابة، وقد شارك في العمل والبناء في مختلف المواقع شبابهم وكهولهم معا.
3- كثير من الشبيبة يريد ممارسة العمل، الذي يعتقده هو صوابا، وهو في غالب الأحيان أقرب إلى الصواب نتيجة استيعابه للمجتمع الذي نشأ فيه وطرق تفكيره والتعامل معه أكثر من جيل "الوافدين"، وإن طال بهم المقام، ولكن ربما لا يبدو الصواب لديه صوابا عند الجيل الأكبر سنا، فإذا حالت القيادات بصورة ما دون الشبيبة وما يريدون، سيمارسون عملهم "منفصلين" عن البنية الهيكلية القائمة للتنظيمات الحالية، وهذا ما يحصل بالفعل، في أمثلة لا حصر لها، وقد أصبحت أنشطة شبيبة المسلمين، ذكورا وإناثا، متنوعة تنوعا كبيرا، ومندمجة في البيئة الاجتماعية حولها جزئيا على الأقل، ولكنها منفصلة غالبا عما يصنعه الجيل الأكبر سنا.
4- كثيرون من قيادات العمل الإسلامي في أوروبا، أصبحت أعمارهم، كما أصبح تاريخهم في العمل الإسلامي في العقود الماضية، من أسباب انخفاض القدرة الفعلية على العطاء، وعلى التفاعل مع الأحداث المستجدة، وعلى التحرك السريع والصائب المؤثر على أرضية جديدة لوجود الإسلام والمسلمين في أوروبا، وكذلك على التعامل مع وسائل العصر المتقدمة المتطورة بسرعة كبيرة وتوظيفها على النحو الأمثل، وإنّ تنحيهم عن مواقع المسئولية والقيادة، يمكن أن يؤدي بجيل الشبيبة في قيادة العمل مكانهم، ومع ابتكار أشكال جديدة له، إلى الاعتماد على مشورتهم، والرجوع إليهم في كثير من الأمور التي يحتاج فيها إلى الموعظة والمعرفة والخبرة.
أما أن يكون "التنحي" بالأسلوب المرفوض المعروف عن القيادات السياسية للأنظمة في البلدان الإسلامية، أي إما موتا أو عزلا، وهو ما ينتقده العاملون للإسلام باستمرار، فيعني إما القطيعة بين جيلين يحتاجان إلى بعضهما البعض، أو غياب الجيل الأكبر سنا عن الساحة آجلا أو عاجلا، وبالتالي افتقادهم مصدرا للنصيحة والمعرفة والخبرة.
إن مستقبل الإسلام والمسلمين في أوروبا في حاجة ماسة إلى انتقال انسيابي للمسئوليات ما بين جيلين، وكل ما سوى ذلك يسبب من الأضرار ما يستدعي عدم التهاون مع هذا الواجب، وهو واجب لا يمكن أداؤه إلا انطلاقا من الجيل الأكبر سنا من الممسكين حتى الآن بزمام الأمور إلى حد لا بأس به، فهم من ينبغي أن تصدر عنهم المبادرة على هذا الصعيد، بل هم الذين يجب أن يصرّوا على "انتقال المسئولية" إلى سواهم، ما دام القصد من العمل ومن المسئولية ومن أي موقع أو منصب، هو طلب مرضاة الله تعالى، من خلال ما يحقق مصلحة الإسلام والمسلمين على أفضل وجه ممكن.
-----------------------
كاتب فلسطيني مقيم بألمانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.