وزير التربية: الاستعدادات للامتحانات الوطنية تسير بشكل جيد وبنسق متسارع    نقابة الصحفيين تنعى الزميل الصحفي محمود العروسي    الإعلان رسميا عن تنظيم أيام السياحة والصناعات التقليدية بقفصة: التفاصيل    عاجل/ الهند تعلن إيقاف عملياتها العسكرية ضد باكستان    أريانة: المدرسة الإبتدائية حي النصر تتحصل على جائزة أفضل خمسة أفلام على المستوى الوطني من إنتاج المدارس    مصر.. تحرك واسع للسلطات يمنع كارثة طبية    بطولة الرابطة 2 : نادي حمام الانف يفوز على امل حمام سوسة 3-1    المنستير: انطلاق دورة تكوينية بجمّال حول "الفلاحة الذكية من أجل السيادة الغذائية" لفائدة مربي النحل والأبقار    وزارة الثقافة تنعى الكاتب ميزوني البناني    مُدبلجة ''ماوكلي'' و ''الكابتن ماجد'' فاطمة سعد في ذمة الله    صوفية صادق تعود بقوة إلى قرطاج    كيف يساهم مظهرك في بناء أول انطباع مهني؟ تجنب هذه الأخطاء البسيطة التي تكلفك فرصك    عاجل/ تسليم آخر رهينة أمريكي على قيد الحياة في غزة    دواء جديد يُعيد النظر لفاقديه..    طرق الوقاية من الأمراض المزمنة ليست صعبة    شركة اللحوم: أغلب معدات نقل اللحوم والمسالخ غير مطابقة للمواصفات الصحية    نحو تحديد سعر الكلغ الحي من أضاحي العيد    تونس تبدأ أوّل تجربة للاستمطار... لكن ما معنى الاستمطار؟    وزير التجهيز والإسكان يشرف على توزيع 30 مسكنا اجتماعيا بمدينة نبر    الجولة الأخيرة من الرابطة المحترفة الأولى...المواجهات والمواعيد    تحت شعار "نحو فلاحة ذكية من اجل سيادة غذائية" تونس تحتفل اليوم بالعيد الوطني للفلاحة .    عاجل/ تونس تُجري أول تجربة استمطار    كاس العرب للمنتخبات لكرة اليد: المنتخب القطري يتوج باللقب.    موعد مباريات نهائي بطولة كرة السلة بين الاتحاد المنستيري والنادي الإفريقي    عاجل/ بشرى سارة: انتدابات جديدة في الوظيفة العمومية والقطاع العام..    حسين الجسمي يرزق بمولود جديد    الإليزيه يعلق على مقطع فيديو "منديل ماكرون" في كييف الذي أثار جدلا واسعا    منذ بداية السنة: حجز أكثر من 86 ألف حبّة مخدّرة و13 كلغ من الكوكايين.    معهد الرصد الجوي: شهر أفريل 2025 كان شهرا ممطرا جدا في عدّة مناطق تونسيّة    مرصد الطاقة والمناجم: ارتفاع رخص الاستكشاف والبحث عن المحروقات في تونس    إضراب بيومين للوكالة الفنية للنقل البري في هذا الموعد    الجزائر تطرد شخصين اتهمتهما ب"الانتماء للاستخبارات الفرنسية"    بعد كورونا...ارتفاع إصابات التعب المزمن    تغيير بسيط في طعامك يطيل العمر ويحميك من الأمراض..وهذه التفاصيل..    عاجل/ هلاك فتاة تحت عجلات القطار..    16 سنة سجنا في حق بلحسن الطرابلسي    عاصفة متوسّطية تضرب تونس؟ عامر بحبة يكشف الحقيقة ويُطمئن المواطنين    الهند تعيد فتح 32 مطارا أغلقتها خلال التصعيد مع باكستان    "علوش" العيد ب800 دينار..!    عاجل/ هيئة ادارية غدا لجامعة التعليم الثانوي وكل التحركات والاحتمالات واردة..    عثمان ديمبلي يُتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الفرنسي    براكة الساحل: وفاة فتاة تحت عجلات قطار    يهم الأولياء: بداية من منتصف نهار اليوم: إعادة فتح باب التسجيل عن بعد لتلاميذ السنة أولى أساسي..    محرز الغنوشي: اليوم..أجواء ربيعية شمالاً وصيفية جنوباً    بطولة ألمانيا: آينتراخت فرانكفورت يسقط في فخ التعادل امام ضيفه سانت باولي 22    رئيس الجمهورية يُعفي والي بن عروس ويعيّن عبد الحميد بوقديدة خلفًا له    15 شهيدا بينهم أطفال في قصف إسرائيلي لمدرسة في غزة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أميركا والصين تتوصلان لاتفاق لوقف حرب الرسوم الجمركية    المهدية: جولة جديدة لمصارعة المجالدين بالمسرح الأثري بالجم ضمن مهرجان الايام الرومانية    الرابطة الأولى.. نتائج الدفعة الثانية من مواجهات الجولة 29 والترتيب    كاس العرب للمنتخبات لكرة اليد: المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز السابع    مدينة العلوم بتونس تنظّم يوم الاثنين 26 ماي سهرة فلكية بعنوان السماء الرقمية : علوم البيانات والذكاء الاصطناعي""    القيروان: الدورة الثانية لمسابقة المطالعة بالوسط الريفي    وفاة "كروان الإذاعة" عادل يوسف    معهد البحوث الفلكية في مصر.. لا نتدخل في تحديد توقيت عيد الأضحى والأمر متروك للسعودية    مجلس نواب الشعب ينعى الفقيد النائب نبيه ثابت    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلمون والبناء الحضاري:عبدالباقي صلاي


عبدالباقي صلاي
إن التطور إذا شابته المغالاة والاندفاع إلى المخاطرة، فإن علينا أن ننتظر سلوكا آخر يأتي لتصحيحه، هذا ما اقتنع به الفيلسوف جيان بياجيه في كتابه بين التطور والسلوك، وهو قول يحمل الصدق عما وصلت إليه الحضارة الغربية اليوم، فالإفراط والمغالاة في استعمال العقل أفضى إلى الجنون الحضاري الذي عليه الغرب حاضرا، كما حرف سفينة التقدم عن مسارها الطبيعي، وجعلها تأخذ وجهة مجهولة.

وأمريكا اليوم بقيادة جورج بوش صورة لا غبش يكتنفها لما اعترف به هذا الفيلسوف الغربي، وإن كانت تبدو في أوج قوتها إلا أنها في واقع الحال تحتضر، والسبب دائما مغالاة، وإفراط، وغرور في استعمال هذا العقل الذي جعل من أمريكا قوة لا تضاهيها قوة ولا يقف قبالتها رادع، والتاريخ الصدوق علمنا أن كل أمة تعالت استكبارا على النعمة التي دوامها العدل ثم انحازت لإمبراطورية الظلم تداعت بكل تلقائية، لأن الظلم ظلمات يلف الأبنية والقدرات الحضارية، وفي نهاية المطاف يدكها دكا.
إن العقل الذي يعد السلطان الحامل للقداسة الحقيقية -كما دلت على ذلك آيات القرآن الكريم في مواضع معرفية جمة- بفضله درج هذا الغرب سلم التطور والازدهار ولبس ثوب التقدم بعد أن كان غائرا في مستنقع الانحطاط، وسراديب البؤس والتخلف. واليوم معظم المفكرين والمنظرين من فلاسفة وعلماء غربيين بدؤوا ينظرون إلى واقعهم المعيشي بشيء من العقلانية، وبشيء من النقد الموضوعي لتدارك الوضع وما تبقى من هذه الحضارة الغربية التي بدأ سقفها يسقط عروة عروة. كما بدؤوا في مراجعة منجزاتهم العلمية كالذي حدث على سبيل المثال مع العالم السويدي الفريد نوبل واهب الجائزة المعروفة جائزة نوبل بحيث شعر بوخز الضمير وأنه اقترف جريمة في حق الإنسانية بعد اختراعه للديناميت، وأيضا مخترع القنبلة الذرية أوبنهايمر الذي بكى بكاء الأطفال في إحدى محاضراته قائلا: إنني مجرم كيف أستطيع الآن إيقاف الانشطار النووي؟
التسابق العلمي خلال القرنين الماضيين لم يكن للمسلمين للأسف الشديد فيه أي نصيب. لقد كان الاكتفاء فقط بالتفرج على الأمم الأخرى وهي تصنع الحضارة والتاريخ. وحتى الفرجة لم تقتصر على الفهم الصحيح فيما بعد، بالقدر الذي يحرك العقل كرّة أخرى ويرتب الأفكار وفق النمطية الحضارية الغربية - هنا المقصود بالجانب المادي -الجديدة من أجل الإقلاع، فكانت الفرجة بانورامية بهلوانية الهدف منها المتعة الآنية، والغد تدبيره في الغيب.
فالعقل المسلم أصيب بالجمود وحنط ولم يعد يتحرك إلا على حواشي الحضارة بدلا من لبها. كما أن العلاقة مع الحياة الفاعلة أضحت محكومة بمنطق النعامة، والرتابة في كل شيء. ولم يتفاعل العقل المسلم بالكيفية اللازمة مع محيطه الجديد ومع متطلبات عصره المتسمة بالتحديات وبوجوده على ظهر هذه الأرض، على الرغم من أن العقل أصبح أخطر سلاح كما يقول الفيلسوف «مارتان هايدي» تستعمله الفرنجة من أجل إبادتنا بالجملة والمفرق نحن المسلمين.
وعندما استفاق بعض المثقفين ممن نهلوا النزر اليسير من ثقافة الشرق، وفهموا لغة الحضارة الغربية فهما قشوريا أو جزءا منها بالمقلوب كان تفكيرهم منصبا حول الميوعة العقلية، أنقلد الغرب في كل شيء أم نترك الغرب يفكر بدلا منا ونأكل مما يجود به من أفكار؟ فكانت المصادمة المباشرة مع العقل الخلاق، والفكر الصافي ليترتب على ذلك تفريط مفضوح للخصوصية الإسلامية التي أساسها الأول والأخير العقل، قال سبحانه وتعالى: «قل انظروا ماذا في السموات والأرض» (يونس: 101).
وسكننا من تلك اللحظة صراحة في الطرف الآخر من الحضارة الغربية، ما استطعنا التقدم والمجازفة أو المخاطرة كما يفعل اليوم العالم النصراني ولا تقدمنا الصفوف بمنهجنا وديننا كخير أمة أخرجت للناس. فلا تعلمنا ولا علمنا بل بقينا أضحوكة الأمم الأخرى ومسخرتهم، بل متربتهم.
إننا مطالبون اليوم -ومن منطلق أننا نعيش بذور الفناء الحتمي لو استمر الحال على تضعضعه- بالتبصر أكثر، والعمل أكثر،واستعمال العقل الهبة الربانية أكثر فأكثر. ولا يوجد أمامنا خيار سوى أن نرفع أنفسنا إلى مستوى الحضارة ونجمع شتاتنا من دون شطحات فكرية. ولنا في التراث الإسلامي كل الكفاية والشفاء من أدوائنا التي هي من نبع أنفسنا، ومن الخزي والعار أن نظل نتسَقَّط الأفكار من قمامة غيرنا ونجاريهم في كل ما ينفعنا ولا ينفعنا، ونحن نرقد على كنوز لا يمكن لها أن تنضب إلى يوم القيامة وهي نفس الكنوز التي استفادت منها الحضارة الغربية في رفعها لقواعد البناء في شتى المجالات العلمية والمعرفية، وفي هذا الصدد يقول المفكر العالمي رشدي فكّار رحمه الله «حضاراتنا لم تقف عند حد التنوير لدروب وممرات العصور الوسيطة المظلمة الأوروبية، وإنما أعطتها الاستنارات الأولى وفي مختلف الجبهات من اكتشافها لأبوتها الإغريقية الرومانية، فشرّاح فلسفة الإغريق أساسا وفي غالبيتهم من شيوخنا، من ابن سينا والفارابي والرازي حتى ابن رشد. إلى اكتشافها أيضا لقدرات العقل سواء لمعرفة الطبيعة أو الإنسان. فمن ينكر أو يتنكر، يجهل أو يتجاهل هذا النتاج الإسلامي الذي ترجم جانب كبير منه إلى اللاتينية انتحالا بمعنى ترجمة المخطوطات دون الإشارة في العديد من الأحيان إلى مؤلفها وإنما تعمد إسقاطه، أو تحاشى ذكره ليس فقط فيما يعني الفلسفة والإنسانيات، وإنما في علوم الطبيعة والرياضيات، فقد كان لنا العديد من الأسماء القادرة التي أُخذت الشعلة من أياديها لا ليحملها أبناؤها وأحفادها، وإنما ليحملها الآخر، نذكر «البيروني» و«جابر بن حيان» و«الحسن بن الهيثم» كما نذكر «الرازي»، و«ابن سينا» وغيرهم، وغيرهم الكثير في الفلسفة والإنسانيات، ولم لا الفلك والكيمياء والطبيعة والرياضيات؟ مخطوطات من هنا ومن هناك انتحلت باللاتينية لتشكل أرضية من بين الأرضيات التي جسدت أساس بناء حضارة الغرب.
لكن وعلى ما تحويه مخطوطاتنا الإسلامية من أنوار معرفية كان لها الفضل الأكبر على حضارة الأولين من الغربيين، وهذا لا ينكره إلا جاحد، ومن يقرأ كتاب المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه «شمس العرب تسطع على الغرب» يعرف حقيقة الحضارة الإسلامية وما قدمته من زبدة العلم والمعرفة للبشرية قاطبة في ذلك الزمان،لكن يجب التنبيه إلى نقطة جوهرية في الطرح الغربي لكل ما يتعلق بالحضارة الإسلامية هي كونهم يتعمدون ذكر العرب دون أي إشارة للمسلم «لأن الحضارة الإسلامية لم يبنها فقط العرب بل بنتها أمم من كل الأعراق» وهذه مغالطة لإبعاد الإسلام من أي مقاربة حضارية، ولا يظنن أحد أن الغربيين لم ينتبهوا إلى ذلك ولكن لحاجة في أنفسهم هم يقومون بذلك.
عندما نحاول النظر إلى ما يمكن أن يكون عليه واقعنا نجد أن الإشكالية تقع على عاتق عقل المسلم وذلك من غير إفراط ولا تفريط. وكما تتم اليوم محاربتنا بالعقل من قبل أحفاد غورو واللمبي وريتشارد قلب الأسد، فليكن سلاحنا نفسه لو حددنا ماذا نريد؟ وقبل هذا أين ذاك العقل، وما دورنا في هذه الحياة؟
ويعجبني ما كان يقوله المفكر مالك بن نبي عن المسلمين كونهم دائما ينطلقون في مشاريعهم الحضارية من عقدة الفشل الحتمي، ودائما يفشلون في النهاية، والسبب هو فقدان الثقة وعقدة الصغار أمام الآخرين، وحري بنا أن نسوق ما قاله أيضا رشدي فكّار حول ما نبه إليه الأستاذ مالك بن نبي «إنه لمن الخطأ أن ينظر إلى هذه الحضارة على أنها خارقة وشاذة ومتميزة، إلى غير ذلك من النعوت التي سعى البعض إلى النفخ فيها وتضخيمها تيئيسا للآخرين حتى يخامرهم القنوط، وتضعف فيهم الهمم، فيتقبلوا بقناعة سيادة الغرب التي لا تقهر، وصولجانه الذي لا تحده حدود، حضارة الغرب ليست معجزة، وإنما هي مرحلة من مراحل تاريخ الإنسانية، نعبرها اليوم للأسف في موقع المسود لا السائد،بعد أن كنا وخلال ما يقرب من ألف عام محورا رئيسيا من محاور الكون ومصدرا أساسيا من مصادر إشراق الإنسانية وإشعاعها».
إن البناء الحضاري الذي يتوجب على المسلمين القيام به والالتزام به، هو ذاك البناء الذي لا ينطلق من فشل مسبق، ولا ينطلق ليهدم في أول الطريق، لكن شريطة الاهتمام بالعقل ومستلزمات التفكير الصائب.

الشرق القطرية :الأربعاء ,30 يَنَايِر 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.