عاجل/ تونس تطرح مناقصة دولية لشراء القمح الصلب والليّن    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    الترجي الجرجيسي: استئناف التمارين.. وإطلاق حملة لخلاص خطايا الرابطة    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    محاولة سطو ثانية على لاعب تشلسي... واللاعب وأطفاله ينجون بأعجوبة    عاجل : مداخيل'' البروموسبور'' تحقق قفزة وقانون جديد على قريب    الهند: ارتفاع حصيلة انفجار السيارة إلى 12 قتيلا    أطباء بلا حدود تكشف: الأوضاع الإنسانية بغزة ما تزال مروعة..    استعمال'' الدرون'' في تونس : وزارة الدفاع تكشف مستجدات المشروع الجديد    مدنين: قريبا تركيز وحدة الاساليب الحسية لتذوق حليب الابل بمعهد المناطق القاحلة    ائتلاف السوداني يحقق "فوزاً كبيراً" في الانتخابات التشريعية العراقية    فنزويلا: مادورو يوقّع قانون الدفاع الشامل عن الوطن    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    عاجل: هزة أرضية بقوة 5.36 ريختر تُحسّ بها عاصمة بلد عربي    يوم مفتوح لتقصي مرض الانسداد الرئوي المزمن يوم الجمعة 14 نوفمبر بمركز الوسيط المطار بصفاقس    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    وزارة المالية: أكثر من 1770 انتدابا جديدا ضمن ميزانية 2026    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    حادث مرور قاتل ببوعرقوب    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    3 آلاف قضية    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    وزارة الصناعة تنتدب مهندسين وتقنيين ومتصرفين    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الْمَقامَةُ النْيُوزِلَنْدِيَّةُ : عبد الحفيظ خميري

حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ: كُنْتُ بِنْيُوزِلَنْدَا أَذْبَحُ الْخِرْفانْ وانْيُوزِلَنْدَا بِلادُ الْكَنْغَرِ والأَرَانِبِ والْفِئْرانْ
وقَدْ كانَ مَعِي الشَّيْخُ كَمَالٌ الّذِي زَارَ كُلَّ الْخُلْجَانْ. كُنَّا وبَعْضَ الإخْوَةِ قَدْ ضَمَّنَا الاِسْتِقْرَارْ
بَعْدَ أَنْ خَسِرْنا الْحَرْبَ وطَلَبْنَا مَعَ مَنْ طَلَبَ الْفِرارْ. نَفِرُّ مِنْ جَهَنَّمَ عَلى رَأْسِها مَقْلُوبَهْ وعلى وَجْهِها مَصْلُوبَهْ. أَرْضٌ بَعِيدَهْ عَنْ أَوْطَانِنَا يَلْزَمُ ثَلاثِينَ ساعَهْ ونَحْنُ مَعَلَّقُونَ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءْ حَيَارَى مِنْ مِحْنَةٍ لَيْسَ لَها مَثَلٌ فِي تَاريخِ الْخَضْراءْ..
نَفِرُّ مِنْ حُكْمٍ مُسْتَبِدٍّ كانَتْ مِنْ قَبْلِهِ النُّفُوسُ خَضْراءْ فَغَدَتْ مِنْ سَطْوَتِهِ صَفْرَاءْ. وتَرَكْنَا الْوَطَنَ السَّقِيمْ..أَحَرارُهُ بَيْنَ الْمَنَافِي والسُّجُونْ.. وتَرَبَّعَتِ الْمَقاهِي في كُلِّ الْبِلادِ تَجْمَعُ الشَّيْخَ والشَّابَّ والْغُلامَ وتَقْرَأُ الْفاتِحَةَ عَلى الْقِيرَوَانِ والزَّيْتُونَةِ وغَدَتِ الْبِلادُ في عَهْدِها الْجَدِيدِ وزَمَنِها السَّعِيدِ عاصِمَةً لِلْفُنُونِ وحَبُوبَهْ بِالصَّوْتِ يُغَنِّي: هَلِ الْكَمُّونْ مْنِينْ يا نانا..
وَوَزِيرُ الدَّاخِلِيَّةِ وفُرْسانُهُ الشُّجْعانُ قَدْ كَشَفُوا الْخَلِيَّةَ مِنْ تَطاوِينَ لِقابِسَ لِلْقَصْرَيْنِ لِلْمَهْدِيَّهْ..وعَلَيْهِ فَالْوَيْلُ لِلْخَوَنْجِيَّهْ والْوَيْلُ لِمَنْ ساعَدَهُمْ بِشَرْبَةِ مَيَّهْ أَوْ بِحَجَرَةِ صابُونٍ وكِيلُو وَمْيا..
وفُتِحَتِ الْمِلَفَّاتْ وفُتِّشَتِ الْحافِلاتْ وتَوَقَّفَتِ التَّاكْسِياتْ وفي الْمَحاكِمِ رُفِعَتْ أَلْفُ قَضِيَّهْ ضِدَّ الْخَوَنْجِيَّهْ أَعْدَاءِ الْمَدَنِيَّهْ وأَعْدَاءِ الدِّيمُوقْراطِيَّهْ..وصَبَّ الْيَسارُ الْبَنْزِينَ في النَّارْ واشْتَعَلَتِ الْحَمْلَةُ مِنَ الْيَمِينِ والْيَسارْ في التَّلْفَزَةِ وكُلِّ الصُّحُفِ مِنْ نَشْرَةِ الأَخْبارْ إلى بَرْنامَجِ الْمِنْظَارْ
والصَّباحِ والشُّرُوقِ صَبْحَةً وعَشِيَّهْ: الْوَيْلُ لِلْخُونْجِيَّهْ وكُلِّ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جِمَاعَهْ..
وتَسَمَّرَتْ في الشَّارِعِ بَدَلَ الصَّنَمِ ساعَهْ تَدُورُ فِي رَشاقهْ: يَحْيَ الزَّعِيمْ.. يَحْيَ السَّيِّدُ الْهُمامُ مَنْ أَنْقَذَ الْبِلادَ مِنَ الشِّرْذِمَةِ الضَّالَةِ مِنْ أَتْباعِ الْغَنُّوشِيِّ وكَرْكَرْ.. وجَفَّتِ الأَمْطارْ وحَلَّتِ الْمَجاعَهْ هَكَذا ما يَزَالُ يَتَذَكَّرُ سِي عَبْدُ السَّلامِ أَيَّامَ زَمانْ..
ولَمَّا وَصَلْنا الدِّيارَ النْيُوزِلَنْدِيَّهْ قَدَّمْنا اللُّجُوءَ وتَنَفَّسْنا الصُّعَدَاءَ ومَسَّنا بَعْضٌ مِنَ الْهُدوءْ في هَذِهِ الْمُرُوجِ الْخَضْراءْ وقُدِّمَتْ إلَيْنا قِطَعُ اللَّحْمِ مَشْوِيَّهْ لَذِيذَةً طَرِيَّهْ.. وانيُوزِلَنْدَا بِلادُ اللُّحُومِ والشُّحُومْ، وكُنْتَ إذا رَأَيْتَ الْمُصَلِّيَ تُغازِلُهُ أَلْسِنَةُ النَّارْ غادَرَكَ الْوَقارْ وقَدْ شُفِيتَ مِنْ كُلِّ الْهُمُومِ والْغُمُومْ وأَنْتَ تُرَدِّدُ:
"وَيْلِي مِنَ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ ويا مَرْحَباً وسَهْلاً بِالأَرَانِبِ وَالْكَنْغَرْ!"
لَحْمٌ مَشْوِيّ وفُلْفُلٌ مَقْلِيّ بَعْدَ سَنَوَاتِ الْمَجاعَهْ وتَرْكِ الْخِلاَّنِ والْجَماعَهْ يُعِيدُ إلى النَّفْسِ الْوَداعَهْ ويُنْسِيها جِراحَ السَّاعَهْ. لَحْمٌ مَشْوِيّ وشَرابٌ بُرْتُقالِيّ يَشْهَدُ لِلْغَرْبِ بِالصَّدَارَةِ والْحَضارَهْ وقَدِ اسْتَوَى بَيْنَ الرُّفُوفْ.. قَدْ أَسالَ لُعابَ النَّظَّارَةِ بِشَطارَهْ..
أَكَلْنا وشَرِبْنا ونَحْنُ نَشْكُرُ اللهَ على السَّلامَهْ ونَشْهَدُ لِعَلِيٍّ بِالإمامَهْ ولِشَيْخِنا الْغَنُّوشِيِّ بِالزَّعامَهْ ولأَخِينا الْعَجَمِيِّ بِالْوَسامَهْ ونَحْنُ نُصَلِّي نَسْأَلُ اللهَ أنْ يُقِيلَ عَثْرَتَهْ ويَجْمَعَ شَمْلَ أُسْرَتِهْ ويَرْأَبَ تَصَدُّعَ حَرَكَتِهْ...
ولَكِنْ في أَوَّلِ لَيْلَةٍ يا شَبابْ ورُغْمَ الطَّعامِ والشَّرابْ ولَمَّا أَخَذَ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ مِنَ الْبَطْنِ مَكانَهْ وأَحْكَمَ الْعَصِيرُ عَلى الْمَعِدَةِ حِصارَهْ ما عَرَفَ النُّعاسُ طَرِيقَهُ إلى الْعَيْنِ وقَدْ لَسَعَنِي الْفِراقُ والْبَيْنْ فَخَرَجْتُ وقَدْ أَخْرَجْتُ مِنْ جَيْبِي أَلْفَيْنِ عْمَلَةً انْيُوزِلَنْدِيَّهْ أَتَمَعَّنُ فِيها وأَنا أُرَدِّدُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وفي الأَرْضِ مَنْأًى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى وفِيها لِمَنْ خافَ الْقِلَى مُتَحَوَّلُ
ومَرَّتْ ساعاتُ اللَّيْلِ ثَقِيلَهْ وأَعْصابِي تَتَرَنَّحُ عَلِيلَهْ فَقُمْتُ إلى قَصْعَةِ اللَّحْمِ أَرْقُبُها وإلى قَوَارِبِ الذَّاكِرَهْ أَرْكَبُها وأَتَساءَلُ في مَرارَهْ مُخْتَنِقَ الأَنْفاسِ كَأَنَّنِي في مَغارَهْ:
يا عَبْدَ اللهِ الْفَقِيرْ هَلْ أَحْسَنْتَ التَّفْكِيرَ والتًَّدْبِيرْ ؟..ها أَنْتَ تَأْتِي إلى هَذِهِ الرُّبُوعِ سَفِيرْ. اُنْظُرْ إلى أَحْوَالِ الزَّمانْ واعْتِبِرْ وَعَوِّدِ النَّفْسَ على الْفِراقِ واصْطَبِرْ. ها قَدْ هَجَرْنا الْبِلادْ وفارَقْنا الأَكْبادْ ومَضَى في إثْرِهِمُ الْفُؤادُ مُشَيِّعاً وإنِّي لأَذْكُرُهُمْ والدَّمْعُ يَغْلِبُنِي ومَنْ لِي بِنِسْيانِ مُحِبٍّ لا يَنْسانِي.. وَوَالِدٍ كانَ يَرْعانِي.. وخَلِيلٍ كانَ يَدْعُو لِي بِظَهْرِ الْغَيْبِ وهُوَ فِي خَلْوَةٍ مَعَ الرَّحْمانْ..
تَذَكَّرْتُ زَوْجَتِي فَتَحَيَّرْتْ واشْتَقْتُ لِطِفْلِي فَبَكَيْتْ وغَمَرَتْنِي ذِكْرَى إخْوَانِي في سُجُونِهِمْ فَنادَيْتْ:
مَوْلايَ أَمَا تَرَى شُرُودِي في اسْتِقْرارِي؟ أَما تَرَى ثَوْرَتِي في قَرارِي؟ أَما تَرَى حَيْرَتِي في رَقْدَتِي؟ أَمَا تَرَى حُضُورِي في ابْتِعادِي؟ أَمَا تَرَى عَزَائِي في انْفِرادِي؟ مَوْلايَ أَلاَ تَرَى شَقائِي في راحَتِي؟ أَلاَ تَرَى دائِي في عافِيَتِي؟ يا عَبْدَ السَّلامِ باعَدَتْ بِكَ الْمَسافاتْ وغَيَّبَتْكَ الْمَتاهاتْ وما عُدْتَ تُمَيِّزُ بَيْنَ الْبِدَاياتِ والنِّهاياتْ وأَنْتَ في جُزُرٍ مُسْتَفْرِدَهْ وبِقاعٍ مُسْتَوْحِدَهْ. انْيُوزِلَنْدَا أَرْضٌ عَلَيْكَ جَدِيدَهْ وعاداتٌ غَرِيبَهْ وفِتْنَةٌ مِنْكَ قَرِيبَهْ. فَقَدْ أَمْسَيْتَ وأَمْسَتْ بِلادُكَ بَعْيدَةً عَنْكْ..وهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْكْ..كُلَّما اقْتَرَبْتَ مِنْها بِبُعْدِكْ اِقْتَرَبَتْ مِنْكَ وهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْكْ..
قُلُوبٌ يَأْكُلُ مِنْ زادِها الشَّوْقْ وأَجْسامٌ ضُرِبَ عَلَيْها الطَّوْقْ فَلا طَوْقُ الْحَمامَةِ يَكْشِفُ بَلْوَى ولا الإمْتاعُ والْمُؤانَسَةُ يَجْلِبُ سَلْوَى.. قُلُوبٌ سافَرَتْ بِلا أَجْنِحَهْ والْمَنْفَى يُمْسِكُها يَأْكُلُ مِنْ حَنِينِها ويُكَبِّلُها.. اللهُ أَكْبَرُ فَهَلْ مُدَّكِرْ ؟ اللهُ أَكْبَرُ أَيْنَ الْقَضِيَّةُ يا أَبْناءَ الرُّجُولَةِ مِنْ أَحْبابِ سَيِّدِ الْبَرِيَّهْ ؟..
يا ساكِنَ انْيُوزِلَنْدَا أَيْنَ الصَّحْبُ والْوَلَدْ ؟ وأَيْنَ الْقُفْراتُ والْمِيرانْدَا ؟ وأَيْنَ الْكُسْكُسُ في الْفِيرانْدَا ؟ وأَيْنَ أَنْتَ يا مُمَرِّضَ الْمَدِينَهْ والأَسْبِرِينُ في الْيَدَيْنْ والْحُبُّ في الْعَيْنَيْنْ تُضَمِّدُ جِراحَ الْمَساكِينْ، تُخَفِّفُ آلامَ الْكادِحِينْ، تُناطِحُ سُوءَ الإدارَهْ لِيُرْفَعَ الظُّلْمُ عَنِ الْجائعِينَ الْمَحْرُومِينْ ؟ يا هَذا حَذارِ مِنَ الْكَنْغَرْ فَإنَّهُ مُلاكِمٌ ماهِرْ! يا هَذا حَذارِ مِنَ الأَرانِبِ إذا ظَلَّتْ ساهِرَهْ، يا هَذا حَذارِ مِنَ الْخَنازِيرْ تَسْرَحُ في الْهَنَاشِيرْ، تُحْصِي أَنْفاسَ النَّاسِ وتَمْنَعُ تَوْزِيعَ الْمَناشِيرْ وزَفَرَ الْغَرِيبُ زَفْرَتَهُ وعادَ يُرَدِّدْ:
قَضَى اللهُ الْبِلادَ لِغَيْرِنا وابْتَلانا بِحُبِّها فَهَلاَّ بِغَيْرِ حُبِّ الْبِلادِ ابْتَلانا ؟!.. جَوْعانُ لِلأَوْطانِ لا أَسْكُنُها والْخَوْفُ والإرْهابُ يُمْسِكُنِي عَنْها ويَسْحَلُها.. أَعُدُّ لَيالِيَ الْبُعْدِ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلاتْ ولِلدَّهْرِ أَحْوالٌ وصَوْلاتْ.. ولِلْغَرِيبِ مَوَاجِعُ وآهاتْ فلا الطَّبِيبُ يُداوِيها ولا صَرْفُ الزَّمانِ يَشْفِيها..
ومَضَتْ لَيْلَتُهُ الأُولَى ولَمْ يَنَمْ وظَلَّ رَهِينَ الْفِراشِ ولَمْ يَقُمْ وَرَنَّ جَرَسُ الْفَيَّاقَهْ، عَقْرَبٌ مَسْعُورَةٌ لا تَعْرِفُ اللِّياقَهْ ولا أَسْرارَ اللَّباقَهْ وكَأَنَّها الّتي ظَلَّتْ طُولَ حَياتِها تَسُوقُ ولا تُتْقِنُ أُصُولَ السِّياقَهْ.
قامَ عَبْدُ السَّلامِ وانْتَصَبْ وقَدْ وَدَّعَ الإرْهاقَ والتَّعَبْ مُرَدِّداً:
هَذا إقْبالُ نَهارِكْ وهَذَا إدْبارُ لَيْلِكْ. رَبَّاهُ كَيْفَ يُهانُ مَنْ قالَ: "لا" وانْتَصَبْ ؟ كَيْفَ يَبْكِي الطِّفْلُ الصَّغِيرُ ويَنْتَحِبْ ؟ وكَيْفَ يَغْلُو الْحَدِيدُ ويَنْخَفِضُ سِعْرُ الذَّهَبْ ؟ يا لَلْعَجَبِ يا لَلْعَجَبْ تَحَكَّمَتِ الْفِرَنْجَةُ وذَوَى نَجْمُ الْعَرَبْ!!!
الظُّلْمُ يَغْرِسُ أَنْيابَهُ في عُيُونِ الْخَضْرَاءْ مِنَ الْبَحْرِ إلى الصَّحْراءْ ومِنْ بَنْقَرْدانَ لِلسَّاقِيَهْ ومِنْ مَطْماطَةَ لِلْعالِيَهْ.. تَمَنَّى طَوِيلاً لَوْ يَفْدِيها بِمُهْجَتِهِ لَمَّا اسْتَبانَ لَهُ وَجْهُ الْحَقْ في زَمانِ الرِّقْ وأَنَّ السَّيِّدَ الْهُمامَ سَيِّدُ التَّغْيِيرِ بَيْنَ جارِيَةٍ وزِقٍّ يُعَرْبِدْ. أَنا حامِي الْحِمَى والدِّينْ وأَنا الْماسِكُ بِالْحَبْلِ الْمَتِينْ وأَنا الّّذِي اخْتارَنِي الرَّبُّ لِهَذا الْعَرْشِ دُونَ الْعالَمِينْ، أَنا الْمُقْسِمُ بِكُلِّ يَمِينْ، أَنا الْغَضَنْفَرُ لا يَمَلُّ ولا يَكَلْ، أَنا السَّيْفُ الْبَتّارْ، أَنا جِنْكِزْخانُ الْمَغُولْ وهُولاكُو التَّتارْ وعَلى الْخُونْجِيَّةِ لَنْ أَرْفَعَ السَّيْفَ الْبَتَّارْ ولَنْ يَعُودَ الْغَنُوشِيُّ إلى الْبِلادْ إلاَّ مَتَى وَارَانِي التُّرابْ وبَكانِي الأَصْحابْ..
أَنا حَنَّبْعَلْ، أَنا عَلِيسَهْ، أَنا الْكاهِنَةُ أَنا الدَّسِيسَهْ، يَمُرُّ وَقْتِي بَيْنَ زُجاجَتِي وحاجَتِي وما تَبَقَّى خَصَّصْتُهُ لِكَسْرِ شَوْكَةِ الظَّلامِيِّينَ مِنَ النَّهْضَةِ والسَّلَفِيَّهْ ولَمْ يَأْمَنْ مَكْرَ حُرَّاسِي لا التَّبْلِيغُ ولا الصُّوفِيَهْ.. والْغَنُّوشِيُّ وَجَدَها فُرْصَةً لِلْبَقاءِ في حِمَايَةِ بْرِيطانْيا ذاتِ الْمُرُوجِ الْخَضْراءْ، يَحْلُمُ بِالدَّوْلَةِ الإسْلامِيَّهْ ويَحْلُمُ بِعَوْدَةٍ عَلى الأَعْنَاقْ بَيْنَ الإخْوَانِ والرِّفاقْ.. يَسُوسُ ما تَبَقَّى مِنْ جِسْمٍ تَشَتَّتَ وقَضِيَّةٍ باتَتْ مَنْسِيَّهْ لِجَماعَةٍ كانَتْ عَلى الْعَدُوِّ عَصِيَّهْ رَماها الزَّمانُ بِبَعْضٍ مِنْ قادَتِها عَجَّلُوا بِدَفْنِها وهِي ما زالَتْ في الْقُلُوبِ حَيَّهْ..
وَوَاصَلَ الزَّعِيمُ يَقُولُ: أَنا هُبَلُ مَنْ سَبَّ الآلِهَةَ قَتَلْناهْ أَوْ سَلَخْناهْ أَوْ عَذَّبْناهْ أَوْ إلى دِيارِ الْغَرْبِ نَفَيْناهْ، أَنا السَّيْفًُ الْمُسَلَّطْ غَلَبْتُ وما ارْتَوَيْتْ وانْتَصَرْتُ وما عَفَوْتْ وتَسَلَّطْتُ وما رَحِمْتْ.. دَعانِي الأَمْرِيكانُ وقَدْ كُنْتُ بِبُولَنْدَا إلى وَلِيمَةِ السُّلْطَهْ شَرِيطَةَ أَنْ أَحْمِيَ بَنِي عَمِّي وأَدْفَعَ لَهُمُ الضَّرِيبَةَ تِلْوَ الضَّرِيبَهْ واتَّقِيَ اللهَ في بَنِي الْعُمُومَهْ. بَنُو عَمِّي مِنْ بَنِي نَضِيرٍ وبَنِي قَيْنُقاعْ صاحُوا النَّفِيرَ النَّفِيرْ وتُونِسُ الْخَضْراءُ لَنا فِيها الأَمْنُ والْخَيْرُ الْوَفِيرْ.. هَيَّا لِلْحَجِّ والْعُمْرَهْ بَعْدَ مَحْرَقَةِ غَزَّهْ وهَذا حامِي الْحِمَى يَدْفَعُ بِأَعْدائنا إلى صَقَرْ، أَعْدائنا مِنْ بَنِي طارِقٍ وعُقْبَةَ وحَسَّانْ. اُدْخُلُوا يا أَبْناءَ الْعَمِّ تُونِسَ بِسَلامٍ وأَمانْ فَلَيْسَ الْيَوْمَ بِالْمَساجِدِ فِتْيانْ فَقُولُوا مَعِي يا أَبْناءَ الْعَمِّ: "يَحْيَ التَّغْيِيرْ!"..
ومَضَى عَبْدُ السَّلامِ عائداً إلى أَنْطُونِي وقَدْ عَقَدَ الْعَزْمَ ألاَّ يَنْثِنِي وطالَ حَدِيثُهُ لَنا:
آهٍ يا عُمْرِي على شَمْسِي على قَمَرِي، آهٍ على زَيْتُونَتِي مَذْبُوحَهْ، آهٍ على حَنْجَرَتِي مَبْحُوحَهْ، آهٍ على أَجْنِحَةِ الْحَمامِ فَوْقَ الْمَآذِنِ مَجْرُوحَهْ، آهٍ مِنْ كافُورٍ يَأْكُلُ مِنْ زادِي ويَصْفَعُنِي ويَمْتَصُّ دَمِي ويَلْسَعُنِي. وجَرْبَةُ صارَتْ وَطناً لِبَنِي الْعَمِّ وأَبْناءُ الزَّيْتُونَةِ في ضِيقٍ وكُرْبَهْ يَكْتُمُونَ الضِّيمَ والْقَهْرْ وتَقَلُّباتِ الدَّهْرْ.. وقَدْ كَثُرَتِ الْجَلْطَةُ في رُبُوعِ الْخَضْراءْ مِنْ قَهْرِ السُّلْطانِ الّذِي تَطَاوَلَتْ في عَصْرِهِ النِّساءْ مِنْ أَمْثالِ سَلْوَى وأُلْفَهْ ورَجاءْ عَلى الْمُقَدَّساتِ وحُرْمَةِ الأَنْبِياءْ.. تَطَاوَلْنَ عَلى التُّراثِ والصَّحابَهْ مِمَّنْ صَنَعُوا لَنا ذاتَ يَوْمٍ بَيْنَ الشُّعُوبِ حَضارَهْ..
وصَدَعَنِي الْمَنْفَى بِجَبَرُوتِهْ وأَنا الْعائدُ مِنْ كُورُونْ وسَنَوَاتُ الْغُرْبَةِ كَأَنَّها قُرُونٌ وقُرُونْ وأَنا مَغْلُوبٌ على أَمْرِي أُرَدِّدْ: "لَيْتَهُمْ يَثُورُونْ!".. "لَيْتهُمْ يَثُورُونْ!".. ولَمَّا غَلَبَنِي الصُّدُاعْ وتَراقَصَتْ عَلى الْيَمِينِ وعَلى الشِّمالِ عَقارِبُ النُّخاعْ كانَتْ قَدْ أَتْعَبَتْنِي الدَّوْخَهْ فَنادَيْتْ:
يا أَحْمَدُ عَجِّلْ يَرْحَمْكَ اللهُ بِعَصِيرِ الْخَوْخَهْ!...
وشَرِبْتُ عَذْباً زُلالاً وأَنا أُرَدِّدُ مَعَ الصَّدَى:
حَبِيبَتِي في الأَحْشاءِ حَيَّهْ، خَضْراءُ بَهِيَّهْ، ماتَتِ الْقَضِيَّهْ أَوْ ظَلًَّتْ حَيَّهْ.. فَأَرْضُ الْقِيرَوانِ لَنْ تَكُونَ لِثَعالِبِ الْحَداثَةِ عاهِرَةً بَغِيَّهْ وقَدْ بارَكَ اللهُ ثَراها بِدِماءٍ زَكِيَّهْ.. الْيَوْمَ زارَها الْقَرَضاوِي والْعَوْدَهْ وغَداً تَفْتَحُ أَحْضانَها لِعُشَّاقِ الْحُرِّيَّهْ..

ملاحظة: كتبت هذه المقامة منذ سنوات يوم كان الإخوة بالمهجر ينتظرون قدوم نسائهم.. وبالمناسبة أريد أن أبلغ تحياتي وسلامي الحار لأخي عبد السلام بنيوزلندا يوم قدم علينا إلى باريس سعيا منه حتى تلتحق به زوجته وابنه.
وقد أضفت على هذه المقامة بعضا مما جال بالخاطر في هذه الأيام مما يعتمل في النفس ويجول في أرجاء الوطن وخارجه..
عبد الحفيظ خميري
www.khemiri.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.