تراجع خدمات الدين الخارجي المتراكمة ب13,8 بالمائة إلى غاية 20 ديسمبر 2025    عاجل/ كأس أمم افريقيا: التشكيلة الأساسية للمنتخب التونسي ضد نيجيريا..    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    رأس السنة: ما فمّاش إضراب في البنوك لكنه يبقى فرضية واردة في وقت لاحق    مسرحية "كحلة الأهذاب"... إنتاج جديد لفرقة مدينة تونس للمسرح احتفالا بذكراها السبعين    مجموعة الخطوط التونسية: تراجع طفيف في العجز ليناهز 220،8 مليون دينار خلال سنة 2022    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    كاس امم افريقيا 2025: السنيغال يتعادل مع الكونغو الديمقراطية 1-1    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    المستشفى الجامعي شارل نيكول يحقق أول عمليات ناجحة بالفيمتو ليزك بتونس!    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    حامة الجريد: انطلاق مهرجان رجال الحامة في دورته الثانية    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    مدرب الكاميرون: "دربي إفريقي قوي بين الكاميرون وكوت ديفوار سيحسم على جزئيات"    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    عاجل/ حجز يخوت ودرجات نارية فاخرة: تفاصيل تفكيك وفاق دولي لترويج المخدرات يقوده تونسي..    كأس أمم إفريقيا 2025: السودان وغينيا الاستوائية في اختبار حاسم لإنعاش آمال التأهل    عاجل/ مسجون على ذمة قضية مالية: هذه الشخصية تقوم باجراءات الصلح..    وزارة النقل: شحن الدفعة الأولى من صفقة اقتناء 461 حافلة من الصين قريبا    مداهمة مصنع عشوائي بهذه الجهة وحجز مواد غذائية وتجميلية مقلدة..#خبر_عاجل    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    إيقافات جديدة في فضيحة مراهنات كرة القدم    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية: محرز بوصيان يواصل رئاسة اللجنة    وليد الركراكي: التعادل أمام مالي "محبط"    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    عاجل/ بعد اعتراف الكيان بأرض الصومال: حماس تصدر هذا البيان وتفجرها..    الرياض تحتضن الدورة 12 للجنة المشتركة التونسية السعودية    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    ألمانيا.. الأمن يطلق النار على مريض بالمستشفى هددهم بمقص    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    استراحة الويكاند    صفاقس: الدورة الأولى لمعرض الصناعات التقليدية القرقنية تثمّن الحرف التقليدية ودورها في حفظ الذاكرة الجماعية للجزيرة    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    إنطلاق أشغال المسلك السياحي الحصن الجنوي بطبرقة    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    أمطار غزيرة متوقعة آخر النهار في هذه المناطق    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الْمَقامَةُ النْيُوزِلَنْدِيَّةُ : عبد الحفيظ خميري

حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ: كُنْتُ بِنْيُوزِلَنْدَا أَذْبَحُ الْخِرْفانْ وانْيُوزِلَنْدَا بِلادُ الْكَنْغَرِ والأَرَانِبِ والْفِئْرانْ
وقَدْ كانَ مَعِي الشَّيْخُ كَمَالٌ الّذِي زَارَ كُلَّ الْخُلْجَانْ. كُنَّا وبَعْضَ الإخْوَةِ قَدْ ضَمَّنَا الاِسْتِقْرَارْ
بَعْدَ أَنْ خَسِرْنا الْحَرْبَ وطَلَبْنَا مَعَ مَنْ طَلَبَ الْفِرارْ. نَفِرُّ مِنْ جَهَنَّمَ عَلى رَأْسِها مَقْلُوبَهْ وعلى وَجْهِها مَصْلُوبَهْ. أَرْضٌ بَعِيدَهْ عَنْ أَوْطَانِنَا يَلْزَمُ ثَلاثِينَ ساعَهْ ونَحْنُ مَعَلَّقُونَ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءْ حَيَارَى مِنْ مِحْنَةٍ لَيْسَ لَها مَثَلٌ فِي تَاريخِ الْخَضْراءْ..
نَفِرُّ مِنْ حُكْمٍ مُسْتَبِدٍّ كانَتْ مِنْ قَبْلِهِ النُّفُوسُ خَضْراءْ فَغَدَتْ مِنْ سَطْوَتِهِ صَفْرَاءْ. وتَرَكْنَا الْوَطَنَ السَّقِيمْ..أَحَرارُهُ بَيْنَ الْمَنَافِي والسُّجُونْ.. وتَرَبَّعَتِ الْمَقاهِي في كُلِّ الْبِلادِ تَجْمَعُ الشَّيْخَ والشَّابَّ والْغُلامَ وتَقْرَأُ الْفاتِحَةَ عَلى الْقِيرَوَانِ والزَّيْتُونَةِ وغَدَتِ الْبِلادُ في عَهْدِها الْجَدِيدِ وزَمَنِها السَّعِيدِ عاصِمَةً لِلْفُنُونِ وحَبُوبَهْ بِالصَّوْتِ يُغَنِّي: هَلِ الْكَمُّونْ مْنِينْ يا نانا..
وَوَزِيرُ الدَّاخِلِيَّةِ وفُرْسانُهُ الشُّجْعانُ قَدْ كَشَفُوا الْخَلِيَّةَ مِنْ تَطاوِينَ لِقابِسَ لِلْقَصْرَيْنِ لِلْمَهْدِيَّهْ..وعَلَيْهِ فَالْوَيْلُ لِلْخَوَنْجِيَّهْ والْوَيْلُ لِمَنْ ساعَدَهُمْ بِشَرْبَةِ مَيَّهْ أَوْ بِحَجَرَةِ صابُونٍ وكِيلُو وَمْيا..
وفُتِحَتِ الْمِلَفَّاتْ وفُتِّشَتِ الْحافِلاتْ وتَوَقَّفَتِ التَّاكْسِياتْ وفي الْمَحاكِمِ رُفِعَتْ أَلْفُ قَضِيَّهْ ضِدَّ الْخَوَنْجِيَّهْ أَعْدَاءِ الْمَدَنِيَّهْ وأَعْدَاءِ الدِّيمُوقْراطِيَّهْ..وصَبَّ الْيَسارُ الْبَنْزِينَ في النَّارْ واشْتَعَلَتِ الْحَمْلَةُ مِنَ الْيَمِينِ والْيَسارْ في التَّلْفَزَةِ وكُلِّ الصُّحُفِ مِنْ نَشْرَةِ الأَخْبارْ إلى بَرْنامَجِ الْمِنْظَارْ
والصَّباحِ والشُّرُوقِ صَبْحَةً وعَشِيَّهْ: الْوَيْلُ لِلْخُونْجِيَّهْ وكُلِّ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جِمَاعَهْ..
وتَسَمَّرَتْ في الشَّارِعِ بَدَلَ الصَّنَمِ ساعَهْ تَدُورُ فِي رَشاقهْ: يَحْيَ الزَّعِيمْ.. يَحْيَ السَّيِّدُ الْهُمامُ مَنْ أَنْقَذَ الْبِلادَ مِنَ الشِّرْذِمَةِ الضَّالَةِ مِنْ أَتْباعِ الْغَنُّوشِيِّ وكَرْكَرْ.. وجَفَّتِ الأَمْطارْ وحَلَّتِ الْمَجاعَهْ هَكَذا ما يَزَالُ يَتَذَكَّرُ سِي عَبْدُ السَّلامِ أَيَّامَ زَمانْ..
ولَمَّا وَصَلْنا الدِّيارَ النْيُوزِلَنْدِيَّهْ قَدَّمْنا اللُّجُوءَ وتَنَفَّسْنا الصُّعَدَاءَ ومَسَّنا بَعْضٌ مِنَ الْهُدوءْ في هَذِهِ الْمُرُوجِ الْخَضْراءْ وقُدِّمَتْ إلَيْنا قِطَعُ اللَّحْمِ مَشْوِيَّهْ لَذِيذَةً طَرِيَّهْ.. وانيُوزِلَنْدَا بِلادُ اللُّحُومِ والشُّحُومْ، وكُنْتَ إذا رَأَيْتَ الْمُصَلِّيَ تُغازِلُهُ أَلْسِنَةُ النَّارْ غادَرَكَ الْوَقارْ وقَدْ شُفِيتَ مِنْ كُلِّ الْهُمُومِ والْغُمُومْ وأَنْتَ تُرَدِّدُ:
"وَيْلِي مِنَ اللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ ويا مَرْحَباً وسَهْلاً بِالأَرَانِبِ وَالْكَنْغَرْ!"
لَحْمٌ مَشْوِيّ وفُلْفُلٌ مَقْلِيّ بَعْدَ سَنَوَاتِ الْمَجاعَهْ وتَرْكِ الْخِلاَّنِ والْجَماعَهْ يُعِيدُ إلى النَّفْسِ الْوَداعَهْ ويُنْسِيها جِراحَ السَّاعَهْ. لَحْمٌ مَشْوِيّ وشَرابٌ بُرْتُقالِيّ يَشْهَدُ لِلْغَرْبِ بِالصَّدَارَةِ والْحَضارَهْ وقَدِ اسْتَوَى بَيْنَ الرُّفُوفْ.. قَدْ أَسالَ لُعابَ النَّظَّارَةِ بِشَطارَهْ..
أَكَلْنا وشَرِبْنا ونَحْنُ نَشْكُرُ اللهَ على السَّلامَهْ ونَشْهَدُ لِعَلِيٍّ بِالإمامَهْ ولِشَيْخِنا الْغَنُّوشِيِّ بِالزَّعامَهْ ولأَخِينا الْعَجَمِيِّ بِالْوَسامَهْ ونَحْنُ نُصَلِّي نَسْأَلُ اللهَ أنْ يُقِيلَ عَثْرَتَهْ ويَجْمَعَ شَمْلَ أُسْرَتِهْ ويَرْأَبَ تَصَدُّعَ حَرَكَتِهْ...
ولَكِنْ في أَوَّلِ لَيْلَةٍ يا شَبابْ ورُغْمَ الطَّعامِ والشَّرابْ ولَمَّا أَخَذَ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ مِنَ الْبَطْنِ مَكانَهْ وأَحْكَمَ الْعَصِيرُ عَلى الْمَعِدَةِ حِصارَهْ ما عَرَفَ النُّعاسُ طَرِيقَهُ إلى الْعَيْنِ وقَدْ لَسَعَنِي الْفِراقُ والْبَيْنْ فَخَرَجْتُ وقَدْ أَخْرَجْتُ مِنْ جَيْبِي أَلْفَيْنِ عْمَلَةً انْيُوزِلَنْدِيَّهْ أَتَمَعَّنُ فِيها وأَنا أُرَدِّدُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وفي الأَرْضِ مَنْأًى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى وفِيها لِمَنْ خافَ الْقِلَى مُتَحَوَّلُ
ومَرَّتْ ساعاتُ اللَّيْلِ ثَقِيلَهْ وأَعْصابِي تَتَرَنَّحُ عَلِيلَهْ فَقُمْتُ إلى قَصْعَةِ اللَّحْمِ أَرْقُبُها وإلى قَوَارِبِ الذَّاكِرَهْ أَرْكَبُها وأَتَساءَلُ في مَرارَهْ مُخْتَنِقَ الأَنْفاسِ كَأَنَّنِي في مَغارَهْ:
يا عَبْدَ اللهِ الْفَقِيرْ هَلْ أَحْسَنْتَ التَّفْكِيرَ والتًَّدْبِيرْ ؟..ها أَنْتَ تَأْتِي إلى هَذِهِ الرُّبُوعِ سَفِيرْ. اُنْظُرْ إلى أَحْوَالِ الزَّمانْ واعْتِبِرْ وَعَوِّدِ النَّفْسَ على الْفِراقِ واصْطَبِرْ. ها قَدْ هَجَرْنا الْبِلادْ وفارَقْنا الأَكْبادْ ومَضَى في إثْرِهِمُ الْفُؤادُ مُشَيِّعاً وإنِّي لأَذْكُرُهُمْ والدَّمْعُ يَغْلِبُنِي ومَنْ لِي بِنِسْيانِ مُحِبٍّ لا يَنْسانِي.. وَوَالِدٍ كانَ يَرْعانِي.. وخَلِيلٍ كانَ يَدْعُو لِي بِظَهْرِ الْغَيْبِ وهُوَ فِي خَلْوَةٍ مَعَ الرَّحْمانْ..
تَذَكَّرْتُ زَوْجَتِي فَتَحَيَّرْتْ واشْتَقْتُ لِطِفْلِي فَبَكَيْتْ وغَمَرَتْنِي ذِكْرَى إخْوَانِي في سُجُونِهِمْ فَنادَيْتْ:
مَوْلايَ أَمَا تَرَى شُرُودِي في اسْتِقْرارِي؟ أَما تَرَى ثَوْرَتِي في قَرارِي؟ أَما تَرَى حَيْرَتِي في رَقْدَتِي؟ أَمَا تَرَى حُضُورِي في ابْتِعادِي؟ أَمَا تَرَى عَزَائِي في انْفِرادِي؟ مَوْلايَ أَلاَ تَرَى شَقائِي في راحَتِي؟ أَلاَ تَرَى دائِي في عافِيَتِي؟ يا عَبْدَ السَّلامِ باعَدَتْ بِكَ الْمَسافاتْ وغَيَّبَتْكَ الْمَتاهاتْ وما عُدْتَ تُمَيِّزُ بَيْنَ الْبِدَاياتِ والنِّهاياتْ وأَنْتَ في جُزُرٍ مُسْتَفْرِدَهْ وبِقاعٍ مُسْتَوْحِدَهْ. انْيُوزِلَنْدَا أَرْضٌ عَلَيْكَ جَدِيدَهْ وعاداتٌ غَرِيبَهْ وفِتْنَةٌ مِنْكَ قَرِيبَهْ. فَقَدْ أَمْسَيْتَ وأَمْسَتْ بِلادُكَ بَعْيدَةً عَنْكْ..وهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْكْ..كُلَّما اقْتَرَبْتَ مِنْها بِبُعْدِكْ اِقْتَرَبَتْ مِنْكَ وهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْكْ..
قُلُوبٌ يَأْكُلُ مِنْ زادِها الشَّوْقْ وأَجْسامٌ ضُرِبَ عَلَيْها الطَّوْقْ فَلا طَوْقُ الْحَمامَةِ يَكْشِفُ بَلْوَى ولا الإمْتاعُ والْمُؤانَسَةُ يَجْلِبُ سَلْوَى.. قُلُوبٌ سافَرَتْ بِلا أَجْنِحَهْ والْمَنْفَى يُمْسِكُها يَأْكُلُ مِنْ حَنِينِها ويُكَبِّلُها.. اللهُ أَكْبَرُ فَهَلْ مُدَّكِرْ ؟ اللهُ أَكْبَرُ أَيْنَ الْقَضِيَّةُ يا أَبْناءَ الرُّجُولَةِ مِنْ أَحْبابِ سَيِّدِ الْبَرِيَّهْ ؟..
يا ساكِنَ انْيُوزِلَنْدَا أَيْنَ الصَّحْبُ والْوَلَدْ ؟ وأَيْنَ الْقُفْراتُ والْمِيرانْدَا ؟ وأَيْنَ الْكُسْكُسُ في الْفِيرانْدَا ؟ وأَيْنَ أَنْتَ يا مُمَرِّضَ الْمَدِينَهْ والأَسْبِرِينُ في الْيَدَيْنْ والْحُبُّ في الْعَيْنَيْنْ تُضَمِّدُ جِراحَ الْمَساكِينْ، تُخَفِّفُ آلامَ الْكادِحِينْ، تُناطِحُ سُوءَ الإدارَهْ لِيُرْفَعَ الظُّلْمُ عَنِ الْجائعِينَ الْمَحْرُومِينْ ؟ يا هَذا حَذارِ مِنَ الْكَنْغَرْ فَإنَّهُ مُلاكِمٌ ماهِرْ! يا هَذا حَذارِ مِنَ الأَرانِبِ إذا ظَلَّتْ ساهِرَهْ، يا هَذا حَذارِ مِنَ الْخَنازِيرْ تَسْرَحُ في الْهَنَاشِيرْ، تُحْصِي أَنْفاسَ النَّاسِ وتَمْنَعُ تَوْزِيعَ الْمَناشِيرْ وزَفَرَ الْغَرِيبُ زَفْرَتَهُ وعادَ يُرَدِّدْ:
قَضَى اللهُ الْبِلادَ لِغَيْرِنا وابْتَلانا بِحُبِّها فَهَلاَّ بِغَيْرِ حُبِّ الْبِلادِ ابْتَلانا ؟!.. جَوْعانُ لِلأَوْطانِ لا أَسْكُنُها والْخَوْفُ والإرْهابُ يُمْسِكُنِي عَنْها ويَسْحَلُها.. أَعُدُّ لَيالِيَ الْبُعْدِ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلاتْ ولِلدَّهْرِ أَحْوالٌ وصَوْلاتْ.. ولِلْغَرِيبِ مَوَاجِعُ وآهاتْ فلا الطَّبِيبُ يُداوِيها ولا صَرْفُ الزَّمانِ يَشْفِيها..
ومَضَتْ لَيْلَتُهُ الأُولَى ولَمْ يَنَمْ وظَلَّ رَهِينَ الْفِراشِ ولَمْ يَقُمْ وَرَنَّ جَرَسُ الْفَيَّاقَهْ، عَقْرَبٌ مَسْعُورَةٌ لا تَعْرِفُ اللِّياقَهْ ولا أَسْرارَ اللَّباقَهْ وكَأَنَّها الّتي ظَلَّتْ طُولَ حَياتِها تَسُوقُ ولا تُتْقِنُ أُصُولَ السِّياقَهْ.
قامَ عَبْدُ السَّلامِ وانْتَصَبْ وقَدْ وَدَّعَ الإرْهاقَ والتَّعَبْ مُرَدِّداً:
هَذا إقْبالُ نَهارِكْ وهَذَا إدْبارُ لَيْلِكْ. رَبَّاهُ كَيْفَ يُهانُ مَنْ قالَ: "لا" وانْتَصَبْ ؟ كَيْفَ يَبْكِي الطِّفْلُ الصَّغِيرُ ويَنْتَحِبْ ؟ وكَيْفَ يَغْلُو الْحَدِيدُ ويَنْخَفِضُ سِعْرُ الذَّهَبْ ؟ يا لَلْعَجَبِ يا لَلْعَجَبْ تَحَكَّمَتِ الْفِرَنْجَةُ وذَوَى نَجْمُ الْعَرَبْ!!!
الظُّلْمُ يَغْرِسُ أَنْيابَهُ في عُيُونِ الْخَضْرَاءْ مِنَ الْبَحْرِ إلى الصَّحْراءْ ومِنْ بَنْقَرْدانَ لِلسَّاقِيَهْ ومِنْ مَطْماطَةَ لِلْعالِيَهْ.. تَمَنَّى طَوِيلاً لَوْ يَفْدِيها بِمُهْجَتِهِ لَمَّا اسْتَبانَ لَهُ وَجْهُ الْحَقْ في زَمانِ الرِّقْ وأَنَّ السَّيِّدَ الْهُمامَ سَيِّدُ التَّغْيِيرِ بَيْنَ جارِيَةٍ وزِقٍّ يُعَرْبِدْ. أَنا حامِي الْحِمَى والدِّينْ وأَنا الْماسِكُ بِالْحَبْلِ الْمَتِينْ وأَنا الّّذِي اخْتارَنِي الرَّبُّ لِهَذا الْعَرْشِ دُونَ الْعالَمِينْ، أَنا الْمُقْسِمُ بِكُلِّ يَمِينْ، أَنا الْغَضَنْفَرُ لا يَمَلُّ ولا يَكَلْ، أَنا السَّيْفُ الْبَتّارْ، أَنا جِنْكِزْخانُ الْمَغُولْ وهُولاكُو التَّتارْ وعَلى الْخُونْجِيَّةِ لَنْ أَرْفَعَ السَّيْفَ الْبَتَّارْ ولَنْ يَعُودَ الْغَنُوشِيُّ إلى الْبِلادْ إلاَّ مَتَى وَارَانِي التُّرابْ وبَكانِي الأَصْحابْ..
أَنا حَنَّبْعَلْ، أَنا عَلِيسَهْ، أَنا الْكاهِنَةُ أَنا الدَّسِيسَهْ، يَمُرُّ وَقْتِي بَيْنَ زُجاجَتِي وحاجَتِي وما تَبَقَّى خَصَّصْتُهُ لِكَسْرِ شَوْكَةِ الظَّلامِيِّينَ مِنَ النَّهْضَةِ والسَّلَفِيَّهْ ولَمْ يَأْمَنْ مَكْرَ حُرَّاسِي لا التَّبْلِيغُ ولا الصُّوفِيَهْ.. والْغَنُّوشِيُّ وَجَدَها فُرْصَةً لِلْبَقاءِ في حِمَايَةِ بْرِيطانْيا ذاتِ الْمُرُوجِ الْخَضْراءْ، يَحْلُمُ بِالدَّوْلَةِ الإسْلامِيَّهْ ويَحْلُمُ بِعَوْدَةٍ عَلى الأَعْنَاقْ بَيْنَ الإخْوَانِ والرِّفاقْ.. يَسُوسُ ما تَبَقَّى مِنْ جِسْمٍ تَشَتَّتَ وقَضِيَّةٍ باتَتْ مَنْسِيَّهْ لِجَماعَةٍ كانَتْ عَلى الْعَدُوِّ عَصِيَّهْ رَماها الزَّمانُ بِبَعْضٍ مِنْ قادَتِها عَجَّلُوا بِدَفْنِها وهِي ما زالَتْ في الْقُلُوبِ حَيَّهْ..
وَوَاصَلَ الزَّعِيمُ يَقُولُ: أَنا هُبَلُ مَنْ سَبَّ الآلِهَةَ قَتَلْناهْ أَوْ سَلَخْناهْ أَوْ عَذَّبْناهْ أَوْ إلى دِيارِ الْغَرْبِ نَفَيْناهْ، أَنا السَّيْفًُ الْمُسَلَّطْ غَلَبْتُ وما ارْتَوَيْتْ وانْتَصَرْتُ وما عَفَوْتْ وتَسَلَّطْتُ وما رَحِمْتْ.. دَعانِي الأَمْرِيكانُ وقَدْ كُنْتُ بِبُولَنْدَا إلى وَلِيمَةِ السُّلْطَهْ شَرِيطَةَ أَنْ أَحْمِيَ بَنِي عَمِّي وأَدْفَعَ لَهُمُ الضَّرِيبَةَ تِلْوَ الضَّرِيبَهْ واتَّقِيَ اللهَ في بَنِي الْعُمُومَهْ. بَنُو عَمِّي مِنْ بَنِي نَضِيرٍ وبَنِي قَيْنُقاعْ صاحُوا النَّفِيرَ النَّفِيرْ وتُونِسُ الْخَضْراءُ لَنا فِيها الأَمْنُ والْخَيْرُ الْوَفِيرْ.. هَيَّا لِلْحَجِّ والْعُمْرَهْ بَعْدَ مَحْرَقَةِ غَزَّهْ وهَذا حامِي الْحِمَى يَدْفَعُ بِأَعْدائنا إلى صَقَرْ، أَعْدائنا مِنْ بَنِي طارِقٍ وعُقْبَةَ وحَسَّانْ. اُدْخُلُوا يا أَبْناءَ الْعَمِّ تُونِسَ بِسَلامٍ وأَمانْ فَلَيْسَ الْيَوْمَ بِالْمَساجِدِ فِتْيانْ فَقُولُوا مَعِي يا أَبْناءَ الْعَمِّ: "يَحْيَ التَّغْيِيرْ!"..
ومَضَى عَبْدُ السَّلامِ عائداً إلى أَنْطُونِي وقَدْ عَقَدَ الْعَزْمَ ألاَّ يَنْثِنِي وطالَ حَدِيثُهُ لَنا:
آهٍ يا عُمْرِي على شَمْسِي على قَمَرِي، آهٍ على زَيْتُونَتِي مَذْبُوحَهْ، آهٍ على حَنْجَرَتِي مَبْحُوحَهْ، آهٍ على أَجْنِحَةِ الْحَمامِ فَوْقَ الْمَآذِنِ مَجْرُوحَهْ، آهٍ مِنْ كافُورٍ يَأْكُلُ مِنْ زادِي ويَصْفَعُنِي ويَمْتَصُّ دَمِي ويَلْسَعُنِي. وجَرْبَةُ صارَتْ وَطناً لِبَنِي الْعَمِّ وأَبْناءُ الزَّيْتُونَةِ في ضِيقٍ وكُرْبَهْ يَكْتُمُونَ الضِّيمَ والْقَهْرْ وتَقَلُّباتِ الدَّهْرْ.. وقَدْ كَثُرَتِ الْجَلْطَةُ في رُبُوعِ الْخَضْراءْ مِنْ قَهْرِ السُّلْطانِ الّذِي تَطَاوَلَتْ في عَصْرِهِ النِّساءْ مِنْ أَمْثالِ سَلْوَى وأُلْفَهْ ورَجاءْ عَلى الْمُقَدَّساتِ وحُرْمَةِ الأَنْبِياءْ.. تَطَاوَلْنَ عَلى التُّراثِ والصَّحابَهْ مِمَّنْ صَنَعُوا لَنا ذاتَ يَوْمٍ بَيْنَ الشُّعُوبِ حَضارَهْ..
وصَدَعَنِي الْمَنْفَى بِجَبَرُوتِهْ وأَنا الْعائدُ مِنْ كُورُونْ وسَنَوَاتُ الْغُرْبَةِ كَأَنَّها قُرُونٌ وقُرُونْ وأَنا مَغْلُوبٌ على أَمْرِي أُرَدِّدْ: "لَيْتَهُمْ يَثُورُونْ!".. "لَيْتهُمْ يَثُورُونْ!".. ولَمَّا غَلَبَنِي الصُّدُاعْ وتَراقَصَتْ عَلى الْيَمِينِ وعَلى الشِّمالِ عَقارِبُ النُّخاعْ كانَتْ قَدْ أَتْعَبَتْنِي الدَّوْخَهْ فَنادَيْتْ:
يا أَحْمَدُ عَجِّلْ يَرْحَمْكَ اللهُ بِعَصِيرِ الْخَوْخَهْ!...
وشَرِبْتُ عَذْباً زُلالاً وأَنا أُرَدِّدُ مَعَ الصَّدَى:
حَبِيبَتِي في الأَحْشاءِ حَيَّهْ، خَضْراءُ بَهِيَّهْ، ماتَتِ الْقَضِيَّهْ أَوْ ظَلًَّتْ حَيَّهْ.. فَأَرْضُ الْقِيرَوانِ لَنْ تَكُونَ لِثَعالِبِ الْحَداثَةِ عاهِرَةً بَغِيَّهْ وقَدْ بارَكَ اللهُ ثَراها بِدِماءٍ زَكِيَّهْ.. الْيَوْمَ زارَها الْقَرَضاوِي والْعَوْدَهْ وغَداً تَفْتَحُ أَحْضانَها لِعُشَّاقِ الْحُرِّيَّهْ..

ملاحظة: كتبت هذه المقامة منذ سنوات يوم كان الإخوة بالمهجر ينتظرون قدوم نسائهم.. وبالمناسبة أريد أن أبلغ تحياتي وسلامي الحار لأخي عبد السلام بنيوزلندا يوم قدم علينا إلى باريس سعيا منه حتى تلتحق به زوجته وابنه.
وقد أضفت على هذه المقامة بعضا مما جال بالخاطر في هذه الأيام مما يعتمل في النفس ويجول في أرجاء الوطن وخارجه..
عبد الحفيظ خميري
www.khemiri.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.