هذه هي سمات الدولة المزعومة التي حاول رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو أن يتكرم بها على الشعب الفلسطيني. دولة منزوعة السلاح والارادة والقرارالسياسي. وممنوع على مواطنيها كلّ شي, حتى تنفّس الهواء الطلق أو تأمّل نجوم السماء, الاّ بتصريح مكتوب من قبل قادة االكيان الصهيوني أو قطعان المستوطنين المشحونين بالحقد الأعمى على شعب إغتصبوا بابشع الطرق والوسائل أرضه وسفكوا, وما زالوا يسفكون, دمه يوميا على مرأى ومسمع عالم مُصاب بالصمم وتبلّد الأحاسيس وموت الضمائر. وأقصوه خارج التاريخ والجغرافية دون أن يرتكب هذا الشعب أي ذنب بحقّهم لا في الماضي البعيد ولا في الحاضر القريب. ويبدو إن رئيس وزراء الدولة الخارجة عن القانون, إسرائيل, أراد أن يطلق رصاصة الرحمة على مبادرة السلام العربية وكل ما سبقها ولحقها من تنازلات عربية مجانية. رغم أن تلك المادرة ماتت وتعفّنت منذ زمن بعيد, ولا تستحق ذرّة من الرحمة, ولم يبق على الحكام العرب, خصوصا أصحاب نظرية الاعتدال والعقلانية والواقعية, لاّ إجراء مراسيم دفنها بشكل سرّي في مزبلة التاريخ. فنتنياهو أعلن بلا لف ودوران وبتحدّي سافر أنه ضد أي سلام أو إستسلام عربي لا يعقبه زحف جماعي من قبل أصحاب الجلالة والفخامة والسمو, جالبين معهم طبعا خزائنهم وأنابيب نفطهم ألى الكيان الصهيوني, ثم عليهم الانحاء والركوع أمام آلهة بني إسرائيل وتقديم إعتراف واضح لا لبس فيه بيهودية إسرائيل,أكثرالكيانات تطرفا وعنصرية وهمجية في العالم. ولا يُستبعد أن يلقى خطاب نتنياهو العنصري وشروطه التعجيزية, آذانا صاغية خصوصا حول قيام "دولة" فلسطينية لا لون ولا طعم ولا رائحة لها, قابلة للموت, وليس للحياة طبعا, في أية لحظة وحسب أمزجة وأهواء الحكام الصهاينة. رغم أن دولة كهذه لا وجود لها الاّ في مخيّلة بعض أصحاب الكروش الظاهرة للعيان والبدلات الأنيقة والوجوه المعطرة, الباحثين دوما عن إمتيازات خاصة على حساب الملايين من أبناء شعبهم السجين المحاصر والمطارد في وطنه المحتل. وما ثير الدهشة والاستغراب هو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما إعتبر خطاب المتطرف نتنياهو "مهم.. وخطوة الى الأمام" مع أن كل ما قاله رئيس وزراء الكيان الصهيوني يتناقض بشكل صريح, بل وينسف بالكامل, كل ما تمّ التوصل اليه والاتفاق عليه بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني منذ يوم أوسلو المشؤوم وحتى أيامنا الكالحة هذه. بل أن نتنياهو تجاوز, في عنصريته وغطرسته وإحتقاره للعالم أجمع, كل مَن سبقوه من زعماء هذا الكيان اللقيط, مع أنهم لم يكونوا إطلاقا من صنف الملائكة. وإستطاع, وهذه واحدة من إيجابيات خطابه النادرة, أن ينزع ورقة التوت الذابلة التي حاول الحكام العرب, على مدى عقود من الزمن, أن يستروا بها عوراتهم التي تحجّرت على كراسي الحكم, مما جعلهم أشبه بأصنام علاها الغبار في متحف مهجور. ولا شك إن قادة الكيان الصهيوني يتجاهلون عن عمد, إن مشكلة الشعب الفلسطيني, الذي قدم وما يزال يقدّم قوافل الشهداء وعانى ما لم يعانيه شعب من ظلم وطغيان وحرمان وإهمال من قبل الصديق والعدو على حد سواء, ليس قيام"دولة" فلسطينية بمواصفات صهيونية كي تصبح بمرور الزمن مثالا للتندر والسخرية بين دول العالم. ومن إستطاع أن يصمد في وجه عاديات الزمان وموجات الحقد والعدوان المستمر والعنجهية الاسرائيلية منذ ستين عاما يستطيع دون أدنى شك أن يصمد أكثر فاكثر بل ويتحدى ببسالة, من أجل قيام دولته الحقيقية وبالمواصفات والمزايا التي يضعها هو والتي ناضل طوال هذه العقود من أجل بلوغ هذه الهدف النبيل. ولا خيرفي دولة تأتي كهبة من قتلة ومجرمين, كساسة الكيان الصهيوني, لكي تتحوّل مستقبلا الى معسكر إعتقال نازي محاصر من جميع الجهات, كما هي حال غزة اليوم, وربما أسوء بكثير. [email protected]