انقلاب قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي.. تسجيل حالة وفاة    تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تركيا: مقتل 20 جنديا في سقوط طائرة عسكرية    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    المؤرخ عبد الجليل التميمي يدعو إلى وضع رؤية جديدة للتعليم    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    اخبار كرة اليد .. قرعة ال«كان» يوم 14 نوفمبر    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    أزمة جديدة تهزّ المشهد الثقافي ... اتحاد الناشرين التونسيين يقاطع معرض الكتاب    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    بنزرت الجنوبية ... 5 جثث آدمية لفظتها الأمواج في عدد من الشواطئ    3 آلاف قضية    وزير الدفاع الوطني: الوضع الأمني مستقر نسبياً مع تحسن ملموس في ظل واقع جيوسياسي معقد    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    عاجل/ قيمة ميزانية وزارة الخارجية لسنة 2026    عاجل/ سياسي جديد يدخل في إضراب جوع    الدعارة في "إسرائيل" تتفشى على الإنترنت    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    الفواكة الجافة : النيّة ولا المحمّصة ؟ شوف شنوّة اللي ينفع صحتك أكثر    11 نوفمبر: العالم يحتفل ب''يوم السناجل''    عاجل: تونس وموريتانيا – 14 ألف تذكرة حاضرة ....كل ما تحب تعرفوا على الماتش!    تونس تتمكن من استقطاب استثمارات أجنبية بأكثر من 2588 مليون دينار إلى أواخر سبتمبر 2025    كونكت: تنظيم جديد لمحمّصي القهوة في تونس    عاجل-شارل نيكول: إجراء أول عملية جراحية روبوتية في تونس على مستوى الجهاز الهضمي    الأخطر منذ بدء الحرب/ شهادات مزلزلة ومروعة لاغتصاب وتعذيب جنسي لأسيرات وأسرى فلسطينيين على يد الاحتلال..    علماء يتوصلون لحل لغز قد يطيل عمر البشر لمئات السنين..    من وسط سبيطار فرحات حشاد: امرأة تتعرض لعملية احتيال غريبة..التفاصيل    عاجل: اقتراح برلماني جديد..السجناء بين 20 و30 سنة قد يؤدون الخدمة العسكرية..شنيا الحكاية؟    رسميا: إستبعاد لامين يامال من منتخب إسبانيا    عاجل: منخفض جوي ''ناضج'' في هذه البلاد العربية    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    عاجل : تحرك أمني بعد تلاوة آيات قرآنية عن فرعون بالمتحف الكبير بمصر    سليانة: نشر مابين 2000 و3000 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية    عشرات الضحايا في تفجير يضرب قرب مجمع المحاكم في إسلام آباد    عاجل/ سقوط سقف إحدى قاعات التدريس بمعهد: نائب بالمجلس المحلّي بفرنانة يفجرها ويكشف..    عاجل: معهد صالح عزيز يعيد تشغيل جهاز الليزر بعد خمس سنوات    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    النادي الإفريقي: محسن الطرابلسي وفوزي البنزرتي يواصلان المشوار    بعد أكثر من 12 عاما من إغلاقها.. السفارة السورية تعود إلى العمل بواشنطن    المنتخب التونسي لكرة السلة يتحول الى تركيا لاجراء تربص باسبوعين منقوصا من زياد الشنوفي وواصف المثناني بداعي الاصابة    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    النقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص تنظم يومي 13 و14 ديسمبر القادم فعاليات الدورة 19 لأيام الطب الخاص بالمهدية    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقة بين الشيعة العرب وإيران: راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 06 - 2009

لئن بدت الجمهورية الإسلامية أكبر دولة تضم أكبر عدد من أتباع المذهب الاثني عشري إذ قد يشكل أتباع هذا المذهب ثلثي سكانها (الستين مليونا)، فإن هذا العدد لا يمثل غير الجزء الأقل من شيعة العالم. ومع ذلك فإن الجمهورية الإسلامية -رغم أنها تضم أقواما متعددين فرسا وأذريين وكردا وعربا، ومذاهب إسلامية غير التشيع الاثني عشري أهمها أتباع المذاهب السنية (بين 20 و30%)- تظل على نحو أو آخر الحاضن الأكبر لأتباع هذا المذهب الاثني عشري على نحو من احتضان السعودية لما يسمى بالوهابية. وهو ما يطرح السؤال عن طبيعة العلاقة بين الشيعة العرب وبين الجمهورية الإسلامية بالتحديد؟ وعن التمدد المذهبي؟
1- هذه العلاقة ملتبسة ولا تأخذ سمتا واحدا، إذ تتراوح -كما ظهرت خاصة في العراق- بين الولاء المطلق دينيا وسياسيا، وبين التحالف مع أعدائها الأميركان، مرورا بعلاقة الصداقة والاستقلالية. فمن ناحية النظرية المؤسسة للدولة، فليس للشيعة العرب موقف واحد من المبدأ الذي تقوم عليه جمهورية إيران، مبدأ ولاية الفقيه، فمنهم من يؤمن به ومنهم من يرفضه ويقابله بولاية الأمة على نفسها، وهو ما نادى به صديقنا المرحوم العلامة مهدي شمس الدين وطوره الرئيس خاتمي إذ نادى بالديمقراطية الإسلامية، بما يفسح المجال أمام أتباع المذهب للاندماج في أوطانهم وتمحيض الولاء لها، ولا يجعلهم ملزمين دينيا بقيادة الولي الفقيه صاحب السلطة العليا في "الجمهورية الإسلامية"، فهم لم يختاروه وإنما كان اختياره وفقا لدستور دولة قومية، فلا يحمل إلزاما لغير مواطنيها على اختلاف دياناتهم، وهو ما يحصر العلاقة في المجال الديني، بمعنى مرجعية الفتوى داخل المذهب، وهي ليست مرجعية واحدة بل متعددة.
"
أتباع المذاهب الشيعية مثل غيرهم موزعون على أوطان شتى، هم جزء منها، يتأثرون بأوضاعها، وقد تبلغ خلافاتهم حد هدر الدماء، كما كان قد حصل في لبنان بين حزب الله وأمل، وفي العراق بين الصدريين وبين سلطة حزب الدعوة والمجلس
"
أتباع المذاهب الشيعية مثل غيرهم موزعون على أوطان شتى، هم جزء منها، يتأثرون بأوضاعها، وقد تبلغ خلافاتهم حد هدر الدماء، كما كان قد حصل في لبنان بين حزب الله وأمل، وفي العراق بين الصدريين وجماعات أخرى وبين سلطة حزب الدعوة والمجلس، فمن التبسيط بمكان اعتبار التشيع السياسي أو الديني شيئا واحدا وكذا الأمر نفسه يصدق على التسنن، فهو متعدد دينا وسياسة، تعددا يصل إلى استباحة الدماء، ففي الجزائر تقاتلت الفصائل المسلحة وانحاز إسلاميون إلى العسكر في القتال ضد جماعات إسلامية أخرى.
وفي العراق لا يزال دم غزير يسفك بين قوى المقاومة والقوى المنخرطة في العلمية السياسية. ومثله في الصومال وأفغانستان.. فمن الخطل حصر التناقضات في الاختلافات المذهبية لتفسير كل صراع في المنطقة، في انصراف عن الأسباب السياسية المصلحية التي كثيرا ما كانت الوقود الحقيقي.
2- ورغم أن التشيع أوسع من أي دولة، فإنه لأسباب واقعية كاد يتحول عنوانا من عناوين الجمهورية الإسلامية، بما جعل كل شيعي مظنة شبهة ولاء لإيران المتهمة بالتدخل في الشؤون الداخلية للمجتمعات السنية عبر إحداث اختراقات في بنائها المذهبي من طريق ما ينسب لبعثاتها الثقافية من نشر لمطبوعات تنال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثير خلافات عفا عليها الزمن، وهو ما حدا بالشيخ البوطي –حسبما نقل عنه بعض العارفين- أن يتقدم بملف موثق بنشاطات شيعية في سوريا تسهر عليها السفارة الإيرانية، مما أفضى إلى تغيير السفير.
ولقد كان صديقنا الشيخ محمد علي التسخيري قد نبه إلى الضرر الذي ينال مصالح الجمهورية الإسلامية من نشر بعض المطبوعات التي تنال من عقائد أهل البلد مثلما حصل في السودان وأدى إلى إغلاق المكتب الثقافي الإيراني. ولا يزال الشيخ القرضاوي ينبه إلى خطر هذه الاختراقات.
3- أما دول المغرب العربي فهي المنطقة التي عرفت أول دولة شيعية إسماعيلية انطلق داعيها من المغرب الأقصى وجمّع من الأنصار والدعاة ما أمكنه من الزحف بهم على عاصمة المنطقة يومئذ مدينة القيروان مقترفا حرب تطهير ديني ضد المذهب السني، ولم يطمئن إلى إخلاص السكان له، فغادرها ليؤسس غير بعيد عاصمة له في مدينة دعاها المهدية، وانطلق منها في فتوحات في اتجاه المشرق العربي فاستولى على مصر وأسس فيها القاهرة عاصمة له والأزهر ليكون منطلقا لدعوته، ولم تلبث المنطقة أن تمردت على واليه، عائدة إلى مذهب مالك.
وبزوال دولته زال التشيع نهائيا من المنطقة، كما انقطع من مصر نفسها بعد سقوط دولته على يد صلاح الدين. وظلت المنطقة أزيد من ألف سنة خالصة للمذهب السني عدا قلة من الإباضيين تأقلموا مع الأغلبية وتعايشوا معها في أمان، وظل الأمر كذلك حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري حيث بدأت خيوط رفيعة جدا من التشيع الديني تدخل المنطقة على متن التشيع السياسي، مناصرة للثورة الإسلامية ولبطولات حزب الله.
هل هو أمر مخطط؟ أم انسياب عفوي لعالم الأفكار والتوجهات لا يملك أحد أن يصده وليس وراءه جهد منظم كما يؤكده الشيخ حسن عز الدين مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله جوابا عن سؤاله من قبل "الشروق الجزائرية" في 13/6/2009: "ما يقال عن التشييع غير صحيح وغير دقيق، وهو جزء من الفتن التي يثيرها العدو والإدارة الأميركية وضعاف النفوس الذين ينزلقون من حيث يعلمون أو لا يعلمون وراء هذه الفتن. لا يوجد مشروع لنشر التشيع في المنطقة سواء لدى حزب الله أو لدى إيران، بل بالعكس حزب الله هو أداة وحركة إستراتيجيتها وأولويتها تكمن في مواجهة العدو الصهيوني وفي كيفية أن تبقى المقاومة متجذرة في المنطقة كخيار تتبناه الشعوب والأنظمة. كما أن حزب الله يعمل لأجل بناء علاقات إيجابية مع جميع الدول العربية والحفاظ على الوحدة بين المسلمين".
4- إلا أن كثيرا من علماء الإسلام ومن المسؤولين السياسيين في أكثر من بلد عربي ما يفتؤون يشجبون جهودا منظمة للتشييع:
"
كثير من علماء الإسلام ومن المسؤولين السياسيين في أكثر من بلد عربي ما يفتؤون يشجبون جهودا منظمة للتشييع, ففي الجزائر تناولت الصحافة النشاط الشيعي، وفي المغرب تعالت أصوات التحذير, وشبه ذلك حصل في مصر
"
- ففي الجزائر تناولت الصحافة النشاط الشيعي، بما شغل الرأي العام وانتقل الأمر إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية لاتخاذ إجراءات للتصدي.
- وفي المغرب تعالت أصوات التحذير من أخطار الاختراقات السلفية والشيعية على حد سواء لبنيته المذهبية المالكية فتم التبني الرسمي للمذهب المالكي، على نحو من التبني الإيراني للمذهب الجعفري وبلغ الأمر حد قطع العلاقة مع الجمهورية الإسلامية بشكل مفاجئ حامت حوله الظنون لا سيما وقد اقترن بمسالك أمنية لمطاردة بعض معتنقي التشيع ومطبوعاتهم بما يستدعي للذاكرة قصص التفتيش.
- وشبيه به حصل في مصر في نوع من الخلط المريب والتوظيف السياسي لما سمي بخلية حزب الله للقيام بحملة ضد التشيع وضد إيران وحزب الله، حملة لم تخف أهدافها السياسية سواء في التغطية على فضيحة الموقف المصري تجاه خنق غزة وحرمانها حتى من المساعدات الغذائية القادمة، فتركت ملقاة على امتداد أميال حتى تعفنت فعرّضت المنطقة للأوبئة، فلزم تحريقها، أو فيما استهدفته تلك الحملة من سوق للمياه إلى مجاري السياسة الأميركية والصهيونية في التعبئة ضد إيران وتأليب الرأي العام اللبناني ضد حزب الله على مشارف انتخابات فاصلة.
5- يبقى السلوك التونسي الرسمي خارجا عن هذا السياق، فهو منشغل بغير ذلك، فإن ولاءه للسياسات الغربية لم يمنع تنمية العلاقة مع الجمهورية الإسلامية، ولا أدى إلى أي ضرب من الإعاقة للنشاط الشيعي القائم في البلاد، فجمعيته الحديثة التكوين "آل البيت" ومكتباته العمومية تنشط بحرية يتمنى مثلها أهل البلاد الأصليون الذين لا يزال دعاتهم محظورين وكتبهم في معارض الكتاب محرّمة حتى التراثي منها، بما حمل الناشرين المشارقة المشاركين في المعرض الدولي للكتاب في تونس أن يقرروا ألا يعودوا البتة إلى تونس بسبب ما تعرضت له كتبهم من مصادرة، حتى إن الشيخ القرضاوي الذي دعي إلى تونس لشهود حفل افتتاح مهرجان اعتماد القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية واستقبله وزير الثقافة، لاحظ الشيخ المفارقة العجيبة بين حسن استقبال الوزير له وبين حظره لكل كتبه (170كتابا لم يمنع واحدا منها أو اثنين بل منعها جميعها).
والحقيقة أن تونس الرسمية لا يزال شغلها الشاغل التصدي لحركة النهضة بوسائل كثيرة منها خطة تجفيف الينابيع التي قد تطورت إلى تلويث الينابيع، بما أفسح المجال أمام المطبوعات السلفية والشيعية لا حبا فيها وإنما للتشويش بها على التيار الرئيسي، والانتهاء بالساحة إلى إغراقها في أتون صراعات داخلية تشغلها عن التصدي للدكتاتورية ولنهب الأرزاق.. كيف لا و"جمعية آل البيت" دائبة على تزكية سياسات السلطة وإعلان الولاء للولي الفقيه.
واضح من كل ذلك أن الموقف الرسمي من التشيع رفضا أو تشجيعا ليس له علاقة بالمذهب السني، في دول لا تتردد في الحرب على الإسلام وجماعاته إن قدّرت ذلك مصلحة لها.
6- ومع أن الجامع المذهبي على أهميته في تكوين الشخصية الوطنية القومية لكل بلد ومنه إيران، تبقى مصالح الدولة العليا تلتقي به ما دام في خدمتها –وهو ما يحصل غالبا- إلا أنها قد تتباين معه إلى حد كبير أم صغير . وما يحصل هذه الأيام من صراع بين محافظين وإصلاحيين بلغ حد إزهاق أرواح، هو بصراع المصالح والسياسات ألصق منه بالمسألة المذهبية.
إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الوحدة المذهبية في بنية الدولة، بشرط أن لا يكون سبيل ضمانها العنف والإقصاء بله التطهير.
7- إن ضرر الدعاية المذهبية داخل الأمة بما تفرزه من تباغض بين مكوناتها، جليّ. وكان أحرى أن يعترف الجميع بالجميع، فيتجه كل بدعايته إلى أربعة أخماس البشرية الواقعين خارج الإسلام جملة. لدعوتهم إليه بدل المناكفات الداخلية وإضاعة وهدر الطاقات لنقل آحاد من إحدى الغرف الواقعة داخل دار الإسلام لدفعهم إلى غرفة أخرى مجاورة، بدل الالتفات إلى من هم خارج الدار جملة.
على أن الجدير بالملاحظة أن مسؤولين إيرانيين سألناهم خلال بعض المؤتمرات عما يتهمون به من استهداف المجتمعات السنية بالاختراق عن طريق نشر التشيع، قد نفوا صدور ذلك عن الجمهورية "فهي أعقل من أن تستبدل ولاء الشعوب الإسلامية بولاء مجموعات صغيرة معزولة"، ناسبين تلك الأعمال إلى جهات ومؤسسات ومرجعيات شيعية عربية ذكروا منها الشيرازيين، الباثين لعدد من القنوات التلفزية المغرقة في الطائفية والأغنوص والخرافة، وهو أمر مسيء لعموم الشيعة حتى وإن أتاه القليل منهم، مسيء مثلا لصورة الإسلام ولتاريخه وحضارته، فهؤلاء واضح أنهم مصرون على وضع أنفسهم خارج وحدة الأمة الإسلامية والحضارة الإسلامية التي لا يمكن أن تتأسس بعيدا عن "محمد رسول الله والذين معه" 28/48، بعيدا عن الفتوحات الإسلامية وملاحم الأمة في التصدي لحروب الفرنجة بزعامة البطل صلاح الدين، أو بعيدا عن بطولات العثمانيين بكسرهم للسيف البيزنطي الذي ظل مشهرا على الأمة لقرون طويلة.. فأن يضع قوم من المنتسبين للإسلام أنفسهم خارج كل ذلك بل في حرب معه -وليس يعم ذلك كل التشيع- فذلك مشكل حقيقي وخرق شديد لإجماع الأمة وتبديد لوحدتها التي طالما تحدثوا عنها، مسيء كذلك لصورة التشيع ولإنجازاته الكبرى في الدفاع عن فلسطين وتقديم الدعم سخيا إلى مشروع تحريرها. وكانت إسهامات الجمهورية الإسلامية في ذلك معتبرة بل مشرفة وبالخصوص بالقياس لتخاذل معظم دول العرب.
"
ظلت الأمة على مر التاريخ يشدها الإسلام إليه ويوحدها بقوة حول الولاء له ولأتباعه، وخصوصا عندما تتعرض رموزه للانتهاك أو يتعرض تابعون له للعدوان فينتفض شعور الوحدة الإسلامية والولاء والغيرة، مخترقا كل الحواجز الطائفية
"
8- لقد ظلت الأمة على مر التاريخ يشدها الإسلام إليه ويوحدها بقوة حول الولاء له ولأتباعه، وخصوصا عندما تتعرض رموزه للانتهاك أو يتعرض تابعون له للعدوان فينتفض شعور الوحدة الإسلامية والولاء والغيرة، مخترقا كل الحواجز الطائفية، مصطفا وراء كل من يرفع راية الدفاع عن الإسلام ويتصدى لرد الصائل، بصرف النظر عن مذهبه، ولذلك ظل حزب الله يتمتع بشعبية واسعة في الأمة بأثر بلائه العظيم في كسر هيبة الجيش الذي لا يقهر!! وفشلت كل ماكينة الإعلام الظلامي التي دأبت متحالفة مع الإسرائيلي على تشويه صورته وعزله عن الأمة، وذلك –رغم المآخذ على بعض سياساته في الداخل اللبناني– كما أساء له أيما إساءة تفنن عرض قناة المنار لمشاهد إعدام الرئيس صدام حسين رحمه الله يوم العيد، فمهما بلغت فعال الرجل، فقد كان صدور الحكم عليه في ظل الاحتلال واختيار زمن التنفيذ وأسلوبه عاريا من كل حكمة ومشبعا بانفعالات التشفي التي ما ينبغي أن يكون لها مكان في السياسة والدين.
وبالجملة فإن الارتباط مهما بدا قويا بين دولة ومذهب يظل نسبيا، إذ للدولة في إيران كأي دولة مصالحها التي قد تتوافق مع المذهب فتشجعه وقد لا تتوافق فتخذل أهله كما حصل في الصراع بين أذريبجان الشيعية وأرمينية النصرانية فانحازت تركيا إلى الأولى بسبب العرق والمصلحة وانحازت الثانية إلى الثانية بدافع مصلحة الدولة، بما يجعل المذهب مجرد عامل من عوامل أخرى موجهة للسياسة الإيرانية وليس الأوحد.
ومن ذلك ما تلقاه حركات المقاومة الفلسطينية وهي سنية من دعم إيراني غير مجذوذ، وما لقيته كذلك قضية البوسنة، مقابل خذلان دول منسوبة للسنة لها، الأمر الذي يفرض استبعاد نهج التبسيط في الحكم على المسائل المعقدة مثل مسائل السياسة. "اعدلوا هو أقرب للتقوى".
والخلاصة أن الأمة الفارسية أكبر جيران العرب إلى جانب الترك، ولثلاثتها منزلة عظيمة في حضارة الإسلام، ومصير الأمة متعلّق بتعاونها والبحث عن أسباب الوفاق بينها. كانت إيران الشاه مقبولة بل صديقة لكثير من العرب مع أنها قاعدة عسكرية أميركية صهيونية مرعبة للعرب مبتزة لهم.
أما وقد تولى الإسلام نقل هذا الموقع الهام من دور الكيد للأمة وخدمة عدوها الإستراتيجي الذي لا يشك في عداوته إلا هالك، إلى دور الشريك المتقدم في الحرب ضد هذا العدو، فما يبقى غير بذل الوسع لاستيعاب كل التناقضات للتفرغ للعدو الإستراتيجي المشترك، ففي مواجهة المشروع الصهيوني وما يمثله من خطر وجودي على الأمة، يتم الفرز بين الصديق والعدو وتسوّى خصومة مذهبية هنا وعلى أراض هناك.
إن المقطوع به أن الجهد للدعوة المذهبية داخل الأمة جهد عابث ولا يتساوق مع هدف وحدة الأمة. وأن وجود شيعة في أمة العرب مثل وجود سنة، بنسبة أكبر في الأمة الإيرانية يمكن أن يكون بالنظر الحسير عامل تحارب، ويمكن اعتباره في النظر البصير جسر تواصل وتفاهم. ولم استوعبت أوروبا تناقضاتها الكبرى لبناء وحدتها ونعجز نحن؟



المصدر: الجزيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.