لا زلت حديث عهد بقراءة موضوع "أيّتها الجمعة الشريفة! من يصلّيك" للأخ الفاضل والكاتب الفذّ الحسن شعيب، عندما قرأت "مستقيلون من النهضة يدعمون ترشح بن علي لولاية خامسة"، فقد خرّجوا هذا البيان أو هذا الخطاب الدّاعم لصاحب التغيير يوم الجمعة الشريفة..، وفي قائمة الممضين أحبّة لي أضعهم فوق رأسي توقيرا وفي قلبي وحدقة عيني حبّا وتبجيلا وبين يديّ ثقة وعرفانا لهم بالفضل والسبق كما أضعهم على جانبيّ طلبا للصحبة والأنس؛ ولكن!... فكما يقال لكلّ جواد كبوة ولكلّ عالم زلّة وربّما أقول لكلّ إسلامي إذا تسيّس قسط من المذلّة!... والإخوة المستقيلون وغيرهم (وأنا من غيرهم) يلومون قيادة حركتهم التي استقالوا منها على تسيّسها وانحرافها عن سمتها الإسلامي الداعي إلى القسط وإلى الحقّ والعدل وإلى التمسّك بالهويّة وإلى نبذ كلّ المظاهر المخلّة بالأخلاق والمكارم الإسلاميّة... ولست بهذه الكلمات أعيب على الإخوة تسيّسهم هنا ولا ذمّهم للسياسيين بباب حركتهم القديمة هناك، ولكنّي أعبّر بها عن حزني العميق وألمي الشديد وخوفي بل فَرَقِي على أحبّتي فيهم وقد تمثّل أمامي قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى"، وقوله: "والله للدنيا وما فيها أهون على الله من قتل مسلم بغير حق"، والحديثان يُدرجان من طرف المفسّرين في بيان قوله تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"..، والرّئيس الذي رغب الإخوة في ترشيحه للمرّة الخامسة كي يكمل فوق جماجمنا 27 سنة قد تأكّد أنّه أعان – على الأقلّ إن لم يكن هو القاتل المباشر - على قتل مسلمين كثر في تونس تجاوز عددهم من الإسلاميين فقط خمسين شخصا!... فكيف تختارون أيّها الإخوة آئسا من رحمة الله تعالى (ما لم تتأكّد توبته وتنصح) لولاية خامسة؟!... أكلّ ذلك من أجل النموّ الإقتصادي في البلاد كما بيّنتم في خطابكم، وإذًا فلماذا يفرّ الجميع من النموّ بمن فيهم الرّياضيون!..ولماذا يلجأ الكثير من العائلات والقبائل التونسية إلى الجزائر الشقيق!.. ولماذا يغرق الأبناء في البحار.. ولماذا تكتب الصحف استباقا عن "مصيبة" رمضان وقد جاءت قرينة "فاجعة" الدخول المدرسي هذا العام؟؟!!.. أم من أجل إخراج المساجين من السجون، وقد دخلوه مظلومين وخرجوا منه مهمّشين متابعين محاصرين معاقين ميّتين؟؟!!... أم من أجل سياسات وإجراءات قلتم أنّها طمأنت التونسيين على هويّتهم وحصّنت شبابنا من خطر الغلو أو الانحلال الأخلاقي، وربطّتم ذلك بإنشاء إذاعة تبيَّنَ للعديد منكم (فيما أعلم) زيغها وتلبيسها على النّاس من أجل "التبشير بسماحة الإسلام" تبشيرا يمكّن المبشِّر من تمرير سياساته البشعة للقضاء على التديّن في البلاد، فقد حورب اللباس الشرعي والكثير من مظاهر التديّن بحضور "الزيتونة"، بل لقد "خرج" من بين ذبذبات الزيتونة للقرآن الكريم "عبّاد الشيطان" وأناس لا يؤمنون بالتنزيل القرآني ونساء لا يخضعن لعرف المجتمع الأبوي فمارسن الجنس صغارا حتّى عوَّمْنَ البلاد بأبناء الزّنى (الحرام) وذلك رغم حركة الإجهاض النّشيطة (فقد بيّنت الإحصائيات الرسمية أنّه تمّ 10 آلاف و360 حالة إجهاض ما بين سنتي 2002 و2007(*)، أي بما يعادل 4.73 حالة إجهاض يوميّا أي بعبارة أخرى مجهض واحد عند كلّ رفع النداء للصلاة من طرف إذاعة الزيتونة أو الفضائية تونس 7)؟؟!!.. أم من أجل فرحتكم بإشراك الشباب ذوي 18 سنة في عملية الاقتراع التي صرفتكم حتّى عن التفكّر في شؤون الكبار الممنوعين من المشاركة في العملية الانتخابية ومن إبداء الرأي في مختلف قضايا وهموم البلد ومن العمل والتنقّل وغيرها من الحقوق (عفوا! ما هذه السطحية؟! أم أنّه غياب عن الساحة وجهل ما يدور فيها أم أنّها المجاملة على حساب الحقّ)؟؟!!.. أم أنّكم اخترتموه فقط لأنّكم كما بيّنتم "مجموعة من الوطنيين المتحررين من أي ارتباط حزبي"، تحرّرت من أيّ شعور بالمراقبة حتّى من مراقبة الله سبحانه وتعالى (أخشى عليكم ذلك) كما يفعل "الوطنيون" الذين يتكلّمون وطنا ويأكلون وطنا حتّى أنّهم لم يبقُوا على بقعة شرف في الوطن!؟؟!!...
ستقولون إنّه رأي خاصّ بكم وقد رأيتموه ترجيحا لمصلحة لم يتبيّنْها غيرُكم، وأنا أحترمكم في ذلك، ولكنّي لا أزال كثير الاقتناع بأنّ أقلّ ما يدفع به المؤمن عن أخيه المؤمن هو عدم الاصطفاف مع من أجرم في حقّه... وأشهد الله وعباده المؤمنين أنّ هذا الذي ساندتموه قد نزع كلّ سند عن الكثيرين ممّن أسندوا رؤوسهم إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم... (*): المصدر: جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 جويلية 2009.