ما تزال إسرائيل تستعمل أساليب الدعاية القديمة ذاتها، فقد نجحت في توظيفها لمصلحتها، وهي مستمرة في استخدام مخزونها الاستراتيجي من ( المصطلحات) بصورة فعّالة. وقد توقفتُ عند أحدث مخزوناتها من أسلحة المصطلحات الحديثة التي تنوي أن تطلقها في وجه العالم ، وهو مصطلح ( جودنرين) والمصطلح الجديد منحوت من كلمتين( Juden ) أما الثاني فهو ( Rein) والكلمتان تعنيان محو اليهود، وكان هذا المصطلح مُتداولا على ألسنة النازيين في الحرب الثانية ليشير إلى ضرورة لتخلص من اليهود. الغريب في الأمر أن رئيس وزراء إسرائيل أعاده مرة أخرى إلى الحياة على الرغم من ذكراه المقيتة السيئة، وعلى الرغم من أنه مصطلح جرى على ألسنة الوحش النازي كيف ؟ أوردت صحيفة هارتس 10/7/2009 هذا الخبر: استخدم نتنياهو مصطلح جودنرين عندما التقى وزير الخارجية الألماني، ووصف به كل الذين يطالبون إسرائيل بوقف الاستيطان، فهم (جودنرين) أي أنهم يسعون لمحو إسرائيل عن الخارطة . وشجع نتنياهو طاقمه لتوظيف هذا المصطلح في دفاعهم عن الحركة الاستيطانية، وفي مجال مطالبتهم الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. لم يثر استخدام المصطلح كثيرين ، غير أن بعض الواعين لمدلولات المصطلح امتعضوا من استخدامه ومنهم زلمان شوفال سفير إسرائيل السابق في أمريكا الذي علق على ذلك قائلا: " أنا لا أفضل استخدام هذا المصطلح النازي لأطبقه على آخرين، حتى ولو كانوا أعداءنا" ! إذن فسوف يدخل القاموس الإسرائيلي مصطلح جديد يُضاف إلى مصطلح ( اللاسامية) المشهور جدا ، والمصطلح الجديد هو الأشد فتكا من مصطلح اللاسامية التقليدي . هذه المرة سيوظف المصطلح الجديد ضد كل من تسول له نفسه انتقاد حركة الاستيطان المشروعة حتى وإن كانت حركة الاستيطان تعني ( عربنرين) ! نعم ما تزال إسرائيل ترقص في قيودها التقليدية، بعد أن شدّها اليمين المتطرف من شعرها، وأدخلها بيت الطاعة الحريدي المتزمت ، ويقودها اليوم طاقم من الساسة، ينفذون أوامر اليمين، وهم يرتدون قبعات الاعتدال ومعاطف اليسار . هؤلاء ما يزالون – للأسف- لا يجدون تيارا عالميا مناهضا لهم، بفعل أسلحتهم الفعالة أسلحة الاتهام بالمخزون الاستراتيجي من أسلحة مصطلحات الدمار الشامل، على غرار الصاروخ عابر القارات (اللاسامية) والدرع الصاروخي الجديد من طراز ( جودنرين)، ونجحوا في مزج وقود هذه الصواريخ بالدين . ومما يؤسف له بأن مصطلح اللاسامية ما يزال يتمتع بقدراته التدميرية الهائلة ، حتى وإن كان المتهمون به يهودا أو ساميين، وحتى وإن كانوا لا يقصدون أن يسيئوا إلى إسرائيل ذاتها، بل منهم من كان حريصا عليها ، أكثر من حرص ساستهم عليها ، وأذكر مثالا من كتابي الصراع في إسرائيل حول تعليق للسفير الأمريكي (دان كرتسر) منذ سبع سنوات عندما صرح قائلا : "إن الإنفاق على المعاقين الإسرائيليين أولى من الإنفاق على المستوطنات" واشتعلت الحرب ضد السفير، حينئذٍ أخرج أحد النواب الصاروخ التقليدي اللاسامي وقال : (دان كيرتسر) يهودي صغير يتصرف كأسوأ لا سامي . ومعروفٌ أن دان كيرتسر يهودي أرثوذكسي ملتزم بالدين يتحدث العبرية ،ووضح قوله وفسره وشرحه قائلا : " على حكومة إسرائيل أن تدفع الأموال للمعاقين ، لا للمستوطنين ! " وقال له هندل وهو يحضر اجتماعا لبرلمانيين يهود : " كيرتسر يهودي صغير يتصرف كأسوأ لا سامي من أجل أن يبدو لطيفا في نظر أعداء إسرائيل " وهاجمه في قاعة المؤتمر . " (المصدر صحيفة يدعوت أحرونوت 8/1/2002 .) أما رسام الكاريكاتير الفرنسي في صحيفة اللوموند ( بلانتو) فهو الآخر اتهم باللاسامية لأنه رسم صورة إسرائيلي إرهابي يلف وسطه بحزام ناسف مكون من المستوطنات. صحيفة معاريف 16/9/2001 ولم يتورع المسؤولون الإسرائيليون عن اتهام الكاتب الروائي الحائز على جائزة نوبل خوسيه ساراماغو باللاسامية أيضا عندما شبَّه رام الله بالأشفيتس. فقالوا عنه: "من يشبه رام الله بالأشفيتس يعني بأن إسرائيل هي الرايخ الألماني الثالث تستحق التدمير، إذن فهو يستحق أن يكون لاسامي " هارتس 27/3/2002. ولم يتمكن الفلسطينيون من الاتفاق على مصطلحات وألفاظ يمكنها أن تضاهي المصطلحات الإسرائيلية أو حتى تعترض المصطلحات الإسرائيلية لتحجمها وتوقف انتشارها، وذلك يعود بالطبع إلى غياب التوافق الإعلامي الفلسطيني الفلسطيني، بسبب الصراعات والنزاعات والمشكلات التي حالت بيننا وبين نحت مصطلحات وطنية فلسطينية، فما نزال حتى اللحظة لم نتفق بعد على مصطلح ( المستوطنات) فقد أسميناها مرة المستعمرات وكان ذلك خطأ لأن المستعمرة تقام على أرضٍ خراب، فالمستعمرات تعبير محبوبٌ يؤيد بالضبط مزاعم إسرائيل بأنها أقامتها لإعمار أرض فلسطين الخراب. فأرضنا لم تكن خرابا أبدا ، وقرر آخرون أن يسموها المغتصبات، واستخدموا المصطلح أياما ثم نسيه كثيرون، ثم أسماها بعضهم المعازل العرقية، ولم يلتفت أحد إلى هذا المصطلح ، وعادت معظم الوسائل الإعلامية تستخدم المصطلح الإسرائيلي (المستوطنات) . وظلت الجهود الإعلامية الفلسطينية والعربية جهودا فردية، لا تحظى بالتوافق ، وظل التنافس بين الوسائل الإعلامية والحزبية مقدمٌ على نحت مصطلحات وطنية مثل ( اللافلسطينية) واللاعربية أو عربنرين مثلا. وظل كثيرٌ من الإعلاميين يسبحون في بحور لغتهم العربية ، ينحتون مصطلحاتهم من قصص الشاطر حسن وعلي الزيبق وألف ليلة وليلة، ! مثل مصطلح اعتدت سماعه كثيرا على أفواه جهابذة التحليل السياسي ، وهو مصطلح " أصبحت الثوابت الفلسطينية ( على كف عفريت) " ولا أدري كيف يمكن ترجمة المصطلح ، ولا معنى العفريت. واعتاد آخرون أن يرددوا صباح مساء" الكرة في ملعب إسرائيل" ومن يتابع التحليلات الإخبارية، واعتاد أن يسمع كثيرا من نجوم الفضائيات ومن فقهاء التحليل السياسي، فإنه سوف يسمع العجب العجاب من ألفاظ خواء لا تدل إلا على الشرذمة والضحالة . الغريب في أمر معظم المحللين والفقهاء العرب أنهم متفقون على مصطلحات بعينها وهي: الرفاق والأخوة والسيادة والفخامة والجلالة والمعالي والعطوفة والنيافة والسماحة، لا يخطئون فيها أبدا أبدا !