مرّة أخرى تسجل فوارق كبيرة في الأرقام بين ما تمدّنا به وزارة التربية والتكوين من نسب المشاركة في الاضرابات والنسب الأخرى التي تمدّنا بها النقابة العامّة للتعليم الثانوي. بين 35،11% التي صرّحت بها الوزارة و70% النسبة التي أكدتها النقابة، يظل المواطن حائرا ليعيد على نفسه السؤال ذاته: أيّهما نصدّق؟ القصة في اضراب يومي 16 و17 جانفي الجاري في كافة المعاهد الثانوية بدأت بإضراب للجوع شنّه ثلاثة من الاساتذة المفصولين عن التدريس واستمرّ 39 يوما. ثم تطورت الأحداث ليتم فك اضراب الجوع وتتكفل النقابة العامة للتعليم الثانوي بهذه القضية لتعمّمها وليقول عنها الكاتب العام للنقابة الشاذلي اري « اضراب الجوع انتقل من قضية يدافع فيها ثلاثة فقط عن حقوقهم إلى مطلب عام لكل اهل القطاع بكل صفاتهم الادارية» قضية أشخاص أم قضية قطاع؟ يقول الكاتب العام للنقابة اري إنّ وزارة التربية والتكوين لم تكن لتتصوّر النجاح الذي حظي به الاضراب من قبل أساتذة المعاهد الثانوية ذلك أنها عوّلت على لائحة مهنية لم تتضمن سوى مطالب مادية ظنت أنها لا تخصّ كافة المدرّسين بل صنفا واحدا فقط. لكن الوزارة فوجئت بتضامن كبير إذ «لبّى» جلّ الأساتذة النداء والتفوا حول المطالب المنصوص عليها في لائحة تم رفعها للوزارة أواخر ديسمبر من السنة الفارطة. مطالب بالجملة إرجاع الأساتذة المفصولين لسالف عملهم وعودة المنقولين تعسفا إلى مراكزهم الأصلية وتطبيق ادماج المدرسين المعاونين من «صنف أ»: هذه خلاصة ما تضمنته اللائحة المهنية التي تم بموجبها شنّ إضراب الأسبوع الفارط. ويقر الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي بأن عدد المنقولين بلغ 97 وأن الوزارة مطالبة الآن بمراجعة كاملة لطرق الانتداب والترسيم بما قد يضفي شفافية وعدالة ويضع الحد لمرونة التشغيل وهشاشة القطاع، ذلك أن الانتداب الوقتي خطير جدّا خاصة في مجال التربية والتكوين بعكس بقية القطاعات الاخرى لما قد يخلفه من عدم استقرار للمدرسين يكون له الأثر الواضح على مردودية العمل التربوي. اتفاق للتسوية لكن تأخر عن التنفيذ صحيح أن وزارة التربية والتكوين قد فتحت باب التفاوض والحوار مع النقابة العامة للتعليم الثانوي، وصحيح أيضا أنها لم ترفض في محطات سابقة بادرة التسوية والأوكد من كل هذا انها بادرت باتفاق رسمي في 17 أكتوبر من سنة 2006 تعهدت بمقتضاه بجملة من النقاط منها على وجه الخصوص الادماج التدريجي للأساتذة المعاونين على امتداد 4 سنوات على اقصى تقدير. إلا أن الاضراب الراهن جاء احتجاجا على تأخير تنفيذ الاتفاق وردّا من النقابة العامة للتعليم الثانوي على ما اسمته بتجاوز بنود الاتفاق ومخالفتها بدل الاهتمام بتسوية أكثر من 5000 حالة من الأساتذة المعاونين من «صنف أ». التأخر عن القيام بعملية الادماج كان سببا كافيا لتتعطل الدروس داخل قاعات المؤسسات التربوية وليبقى العديد من التلاميذ خارج أقسامهم على امتداد يومين متتالين. كما تضمن اليوم الثاني من الاضراب تجمع الاستاذة داخل الادارات الجهوية لمناقشة المطالب والتفاوض حول المشاغل التي تتطلب على حد قول النقابة حلولا جذرية حتى يصبح الشغل الشاغل للمدّرسين تحصيل العلم لا المطالبة باستحقاقات مادية ومعنوية لأهل القطاع. ملامح أيام قادمة مما لا شك فيه أن الايام القادمة ستشهد انعقاد مجلس وطني للتفاوض حول مطالب الاضراب والبحث لها عن حل . كما أنه من المنتظر ان يضم المجلس في هذا السياق عددا من النقابات الاساسية قد يصل الى 280 نقابة من كافة مناطق الجمهورية. ومن هنا فان التفاوض سيكون على الأرجح حادّا وسيحاول الطرفان فيه من وزارة التربية والتكوين والنقابة العامة للتعليم الثانوي البحث عن سبل وضع حدّ لهذه الاضرابات المتلاحقة التي تضر أولا وقبل كل شيء بحق تلاميذنا في مناخ دراسي مستقر. والسؤال المطروح اليوم: هل ستتواصل مكاسب مدرّسي التعليم الثانوي بعد نجاح اضرابهم الفارط؟ وهل سيكون المجلس الوطني القادم خطوة نحو اتفاق آخر مثل الذي تابعته خطوة بخطوة وسائل الاعلام واستبشر به عموم المدرسين سنة 2006؟