يحاولون تغيير نمطية الحياة في البلدان الغربية التي هاجروا إليها الدراسات التي أجريت على هذه الشريحة الاجتماعية تشير إلى أنها تواجه العديد من صعوبات الاندماج سواء في الخارج أو الداخل (إ.ب.أ) تنتظر العائلة التونسية عودة أبنائها المهاجرين، تلك العودة التي تغير وضعها ككل، رأسا على عقب، فمتوسطو الدخل تصبح لهم قدرة شرائية هائلة، والعائلات التي كانت تتنقل عبر وسائل النقل العمومي يصبح بمقدورها أن تجوب البلاد في سيارة عائلية فخمة ومن آخر طراز. والبحر الذي يكون عادة صعب المنال في بداية الصيف يصبح على مرمى حجر. هكذا تغير الزيارة الصيفية الأوضاع اليومية للعائلة التونسية، هذا عدا الهدايا والحوالات المالية التي تتدفق عليها طوال أشهر السنة. لكن ماذا عن المهاجرين أنفسهم فيم يقضون أوقاتهم وكيف يصنفون سلم اهتماماتهم وما الذي يغريهم أكثر خلال الإقامة في تونس؟ وكيف يصرف المهاجر التونسي وقته وفيم يقضي عطلته الصيفية؟ يقضي المهاجرون التونسيون أكثر من 20 ساعة بين موانئ مرسيليا وجنوة والبندقية الأوروبية وميناءي حلق الوادي ورادس التونسيين حتى يشم هؤلاء رائحة الوطن التي قد يكون الكثير منهم قد افتقدها لسنوات متتالية. حوالي 250 ألف مهاجر تونسي وتونسية من بين حوالي مليون مهاجر (قرابة 10 في المائة من مجموع السكان) يركبون البحر والجو كل صيف عائدين إلى تونس عبر البحر والبر والجو. غالبيتهم الساحقة تأتي من أوروبا الغربية (فرنسا وإيطاليا وألمانيا) محملين بالهدايا لكافة أفراد العائلة، ويصطحبون في رحلاتهم الصيفية حوالي 90 ألف سيارة وشاحنة معظمها يرجعها أصحابها إلى بلد الإقامة في انتظار العودة النهائية. من خلال الملاحظة المباشرة يتضح أن المهاجرين غالبا ما يحاولون القطع مع نمطية الحياة في البلدان الغربية على وجه الخصوص لذلك يسعى الكثير منهم إلى السهر والتنقل عبر المناطق السياحية التونسية الكبرى ربما برغبة جامحة في دخول فضاءات كانت شبه مستحيلة عليهم قبل اتخاذ قرار الهجرة من بلده الأصلي. كما يختار البعض الآخر السهر مع الأصدقاء القدامى في محاولة للتأكيد على صورة النجاح الاجتماعي الذي حققوه. فبعض أصدقاء الدراسة القدامى واصلوا دراستهم وربما أصبحوا من كبار الموظفين، ولكن المقدرة الشرائية للمهاجرين مختلفة تمام الاختلاف عن أبناء البلد. فتكون الفرصة مواتية للبعض لإظهار مدى المكسب المادي المحقق في ظرف وجيز خاصة إذا كان المستوى التعليمي للمهاجر متوسطا لا غير. كما تكون السهرات مناسبة لعرض البطولات، الوهمية أحيانا، التي حققها في البلدان الغربية خاصة بين أصدقائه من الشباب. أما البعض الآخر من المهاجرين فهم بنّاؤون بامتياز لذلك هم يتفننون في بناء فيلات ومساكن خرافية ويغدقون عليها ملايين الدنانير التونسية وغالبا ما يقضون فترة الصيف بين محلات بيع مواد البناء والبنائين الذين يكثر عليهم الطلب صيفا ويملون الكثير من الشروط على أصحاب المشاريع ويطلبون أجرة يومية تكاد تكون خيالية، وهي تتماشى مع وضعية صاحب المحل وتزداد ارتفاعا بمجرد سماع أن الشخص من عمالنا بالخارج. وتكون تلك المنازل الفخمة بمثابة الدلالة التي لا تخطئ على النجاح الاجتماعي وعلامة من علامات الثراء وهي دليل على خروج المهاجر من وضع اجتماعي غالبا ما يكون متواضعا، إلى وضع يغلب عليه التعامل باليورو والدولار. في هذا الصدد يقول محمد الجبالي (عائد من ألمانيا) إن الاطمئنان على العائلة يبقى على رأس قائمة الاهتمامات، فنحن لا نستطيع التواصل المباشر مع الأهل والأقارب طوال السنة وتكون العطلة فرصة لتهنئة المتزوجين والناجحين وكذلك تعزية العائلات التي وافى الأجل المحتوم أحد أفرادها. ولكننا على يقين بأننا نقضي وقتا طيبا بين الأهل والأحباب. لقد تمكنا في السابق من بناء عمارة سكنية بأكملها وأمكن لنا تسويغ الكثير منها وقضينا وقتا طويلا بين مواد البناء والآن يمكننا أن نرمي المرساة ونرتاح ولو قليلا. أما سليم بن عمر (قادم من فرنسا) فيؤكد أن مجيئه مرتبط بالأساس بالمشروع السياحي الذي بعثه في الجنوب التونسي وهي فرصة للاطلاع على مكامن الاستثمار الذي يأخذ الكثير من وقته. ويضيف: أريد أن أؤمن عودة مريحة وهادئة للعائلة إلى تونس لذلك لا أترك الفرصة تمر دون الاتصال بأكثر من طرف، موزعين على مناطق متعددة من البلاد وفي ذلك فرصة للاستمتاع بالمشاهد الطبيعية الخلابة والشواطئ التونسية الجميلة. أما عبد الحفيظ المولدي (قادم من إيطاليا) فهو يؤكد على أن الروابط العائلية لها الأولوية والسيارة التي يجلبها صيفا غالبا ما تكون على ذمة العائلة الموسعة فهو من يحمل العرائس ومن يقضي اللوازم الضرورية للعائلة ومن يحمل الأطفال الصغار إلى البحر ويلبي الطلبات الكثيرة والمتنوعة للكثير من الأقارب ولا يستطيع بالطبع أن يشهر في وجوههم عبارة «لا». الدراسات الاجتماعية التي أجريت على هذه الشريحة الاجتماعية تشير إلى أن لها العديد من صعوبات الاندماج سواء في الخارج أو الداخل. ففي بلد الإقامة ينظر للقادم إليها على أساس أنه مهاجر ربما أصبح يحتل موطن شغل لأحد أبناء البلد وتزداد الضغوط عليه إذا أظهر معتقدا دينيا مخالفا، أما في الداخل فإن وضعه فيه بعض الصعوبة فهو ينظر له على أساس أن أبواب الفرج قد فتحت في وجهه وعليه أن يغدق مما آتاه الله على عباد الله. فالصورة الاجتماعية موغلة في الصعوبة في البلد الأصلي وكذلك في بلد الإقامة وهو مطالب بإظهار صورة النجاح هنا وهناك.