نيبينزيا: على مجلس الأمن أن يدرس بشكل عاجل مسألة فرض عقوبات ضد الكيان الصهيوني    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    الكاف: القبض على ثلاثة مروجي مخدرات    لدعم الميزانية والمؤسسات الصغرى والتعليم العالي والبحث العلمي: توقيع 3 اتفاقيات مالية بين تونس وإيطاليا    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    يهمّ المؤسسات الصغرى التي تواجه صعوبات: برنامج إنقاذ قيمته 26.5 مليون دينار لجدولة الديون والقروض    أخبار المال والأعمال    هيئة الدفاع عن عبير موسي: هيئة الانتخابات رفضت قبول مراسلة من الدستوري الحر    عاجل/ 6 أشهر مع النفاذ في حق محمد بوغلاب..    سيدي بوزيد: حجز مواد مدعمة من اجل الاتجار بطرق غير قانونية    تونس: حجز 6 أطنان من السكر المعد للاحتكار في الحرايرية    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    الرابطة تقرّر عقوبة الويكلو على النادي الرياضي الصفاقسي    توزر: تسجيل حالات إسهال معوي فيروسي    عاجل/ هذا موعد تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين بالامم المتحدة    سليانة: إخماد حريق نشب في جبل برقو    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    توقّيا من مخاطر الأنترنات على الأطفال: وزارة الطفولة تصدر قصّة رقميّة    حملات أمنية بصفاقس: الأسباب    تزامنا مع زيارة ميلوني إلى تونس: منظمات تونسية تنفذ وقفة إحتجاجية أمام السفارة الإيطالية    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    عاجل/ سفن حربية ومقاتلات.. هكذا تستعد إيران للهجوم الصهيوني المرتقب    سعيد يدعو إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر    سيدي بوزيد: حجز كمية من المواد الاستهلاكية بغاية الاحتكار والمضاربة..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    وزيرة التربية: "البنية التحتية من أبرز أسس تطور قطاع التعليم"    الكاف : تلقيح عدد هام من قطعان الماشية والكلاب    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    الغرفة الوطنية للمخابز: "أصحاب المخابز لم يعودوا قادرين على تحمّل المصاريف اليومية وتسيير عملها".    علي المرابط في لقاء مع مدير عام الوكالة الوطنية المصرية للدواء    صفاقس: حادث مرور يخلف 5 اصابات    محرز الغنوشي: الأمطار في طريقها إلينا    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في تونس اليوم..    "المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي : أدوار متجددة وخدمات مبتكرة" عنوان الدورة الخامسة لملتقى بن عروس المغاربي للكتاب والمطالعة    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    إجماع على ضرورة تسريع تنفيذ مبادرة تناغم التشريعات في قطاع الأدوية بدول شمال إفريقيا    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مرتبطة بجائحة كورونا.. فضائح مدوية تهز الولايات المتحدة وبريطانيا    مباراة الترجي وصانداونز: تحديد عدد الجماهير وموعد انطلاق بيع التذاكر    شيخ جزائري يثير الجدل: "هذه الولاية بأكملها مصابة بالمس والسحر"!!    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المياه العربية في خطر ... الحلقة الأخيرة
نشر في الفجر نيوز يوم 18 - 08 - 2009

ينظر كثير من الخبراء والمراقبين إلى أزمة المياه المتفجرة حاليا في العديد من مناطق العالم العربي باعتبارها واحدة من أخطر وأهم أسباب التوتر الدائر حاليا بين دول المنبع من جهة، ودول المصب من جهة أخرى، ولا يستبعد هؤلاء وجود طرف ثالث يقف دائما وراء خلق تلك الحالة من التوتر الذي ما إن يختفي عن السطح حتى يعود ليطل برأسه من جديد، بهدف تحقيق عدد من الأهداف في مقدمتها الحصول على نصيب وافر من تلك الغنيمة، حتى لو تطلب الأمر إشعال حروب وإراقة أنهار من الدماء، وتلعب “إسرائيل” في منطقتنا العربية دوراً خطيراً في هذا الاتجاه من حيث السعي المستمر للاستحواذ على المياه العربية وسرقتها، أو محاولة العبث بمصادر مياه أخرى كما في حالة نهر النيل، حيث تعمل على تحريض دول إفريقية لتجاوز اتفاقات تحدد نصيب دول المنبع والمجرى والمصب .وتنظر كثير من الدول الأطراف في هذا الملف ومن بينها مصر، إلى المياه باعتبارها “قضية أمن قومي” و”خطاً أحمر” لا يتعين تجاوزه أو العبث به، وهو الأمر الذي يشير بوضوح، حسبما يرى العديد من الخبراء الاستراتيجيين الى أن أزمة المياه التي تضرب العديد من المناطق في العالم الآن قد تكون هي السبب الرئيسي وراء اندلاع العديد من الحروب خلال القرن الحالي، ما لم تصل الدول الأطراف على مائدة المفاوضات إلى “قسمة عادلة” ونصيب وافر من اكسير الحياة.وتتجلى تلك الأزمة خلال العقد الأخير في العديد من بلدان العالم العربي، فعلى الرغم من جريان العديد من الأنهار في المنطقة العربية، إلا أنها تصنف على أنها واحدة من أفقر المناطق في مصادر المياه العذبة، إذ لا يتعدى نصيبها أكثر من 1% فقط من كل الجريان السطحي للمياه، فضلا عن 2% من إجمالي الأمطار في العالم .في هذا الملف تسلط “الخليج” الضوء على أزمة المياه في المنطقة العربية والمخاطر التي تهدد الدول العربية جراء مشاريع مشبوهة ومحاولات مستمرة لسرقة المياه العربية .
الجفاف يهدد سوريا والمزارعون يهجرون أراضيهم
تشكل المياه أحد أبرز عناوين الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ويؤكد الخبراء السياسيون والقانونيون أنه إذا لم توضع حلول سريعة وعادلة للنزاعات الدائرة حولها، قد تتحول قطرة الماء في المستقبل إلى سبب مباشر لاندلاع حروب طاحنة، وأكثر مأساوية من الحروب السابقة التي عانتها المنطقة طوال أكثر من ستة عقود، لأن المياه كانت وستبقى المحرك الأساسي لعجلة التنمية الاقتصادية والمجتمعية واستمرار الوجود الإنساني ككل . وبالإضافة إلى مصادرة القسم الأعظم من حقوق المياه العربية (سوريا والعراق) من قبل تركيا ببنائها العديد من السدود على نهر الفرات شرق الأناضول، ونهبها من قبل “إسرائيل” باحتلالها منابع الأنهار في الجولان ووضع يدها على خزان المياه الجوفية في الضفة الفلسطينية المحتلة، ولعل إهمال مصادر المياه وهدرها وتركها نهباً للتلوث على مر السنين، قد وضع دول المشرق العربي على حافة هاوية التصحر والعطش، وهذا ما سنحاول أن نعالجه من خلال هذا التحقيق في إطاره الجيوسياسي الإقليمي، وفي إطاره الداخلي على صعيد سوريا بالتحديد .
العرب تحت خط الفقر المائي
يعيش أكثر من 90% من مواطني البلدان العربية تحت خط الفقر المائي عالمياً، وترجمة هذا بالأرقام حسب الإحصائيات العالمية، يبلغ متوسط نصيب الفرد في البلاد العربية 950 متراً مكعباً في السنة، أي ما يوازي أقل من 7% تقريباً من متوسط نصيب الفرد عالمياً الذي يقدر ب 12500 متر مكعب من موارد المياه المتجددة سنوياً . وفي ظل استمرار ندرة المياه وتراجع مستويات تجددها، ستواجه الكثير من البلدان العربية بما في ذلك سوريا أزمات خانقة في المياه، بسبب ارتفاع معدلات الطلب على المياه لتغطية الزيادة الطبيعية في النمو السكاني، الذي يعد من أعلى المعدلات في العالم، (7 .2 في البلدان العربية، 6 .1 عالمياً) . وإذا ما استمرت نسبة الزيادة السنوية المرتفعة جداً في النمو السكاني مترافقة مع الشح الشديد في الموارد المائية، سيتقلص نصيب الفرد في البلدان العربية إلى ما دون 550 متراً مكعباً في السنة، مما سيؤدي إلى تقلص المساحات الزراعية الضامرة أصلاً، وعدم كفاية مياه الشرب، وهذا يشكل أحد التحديات الاستراتيجية لخطط التنمية في المجتمعات العربية خلال السنوات القريبة القادمة .
إحصائيات وزارة الري
حسب أرقام رسمية صادرة عن وزارة الري فإن الاحتياجات المائية في عام 2008 بلغت 3 .19 مليار متر مكعب في حين بلغت الواردات 17 مليار متر مكعب ما يعني أن العجز بلغ 3 .2 مليار متر مكعب، وشكلت الموارد المائية المشتركة مع دول الجوار حوالي 46 % من الواردات الإجمالية ومعظمها من نهر الفرات وبلغ الاستهلاك المائي من نهر الفرات عام 2008 حوالي 9 .5 مليار متر مكعب حيث أفضى تحسن العلاقات مع تركيا إلى إتاحة المجال لزيادة التدفق إلى سوريا وزيادة الكمية التي يمكن الاستفادة منها .
الفرات . . نهر الحضارات ضحية للصراعات والاستنزاف وشح الأمطار . .
يبلغ طول نهر الفرات من المنبع إلى المصب حوالي 2900كم، ويجري على امتداد 440كم في تركيا، ويمر في سوريا لمسافة 675كم، وفي العراق لمسافة 1785كم، ويعد المصدر الرئيسي لمياه الشرب والزراعة في المحافظات السورية الشرقية . وحسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة قبل ثلاثة أعوام، اضطر ما بين 200 و250 ألف مزارع سوري مع أسرهم للتخلي عن أراضيهم بسبب الجفاف، وأظهرت الدراسة أن الجفاف يغطي الآن أكثر من 60 بالمائة من مساحة الأراضي السورية، ومع استمرار تدني معدلات هطول الأمطار في الأعوام الثلاثة الأخيرة سرق التصحر مساحات زراعية جديدة، وهجرها مزارعوها . ويعد الخبراء الاقتصاديون هذا مؤشراً يسترعي معالجات سريعة، خاصة إذا ما عرفنا أن سوريا منتج كبير للسلع الزراعية في المنطقة . وتسهم مبيعات القمح وزيت الزيتون والماشية والفاكهة والخضراوات بنحو 20 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي البالغ 45 مليار دولار، ويعيش نحو نصف السكان البالغ عددهم 20 مليون نسمة على الزراعة .
ويعود شح مياه الفرات إلى عاملين رئيسين:
* العامل الأول: أقامت تركيا في السنوات العشرين الأخيرة 22 سداً ضخماً على نهر الفرات ضمن ما يسمى مشروع ال GAP ونتج عن ذلك إنقاص حصتي سوريا والعراق من المياه التي يوجبها قانون الأنهار المشتركة العابرة للبلدان . وترفض تركيا باستمرار الإقرار أن نهري دجلة والفرات هما نهران دوليان وتتشاطأ عليه سوريا والعراق، وتعتبرهما نهران عابران للحدود فقط وثروة طبيعية تركية صرفة . ويؤكد المراقبون أن عدد السدود المقامة على نهر الفرات يفوق حاجة تركيا من المياه والطاقة الكهربائية، والغاية الأساسية من إقامتها هو استخدامها كورقة ضغط ضد سوريا والعراق، ورغم تحسن العلاقات السياسية بين تركيا وسوريا بعد مجيء حكومة أردوغان، إلا أن ذلك لم ينعكس جدياً على ملف المياه العالق بين البلدين منذ عشرات السنوات .
* العامل الثاني: تناقص مستويات هطول الأمطار في الأعوام الماضية وهو ما فاقم من العجز المائي نتيجة جفاف بعض روافد الفرات مثل نهر الخابور، يضاف إلى ذلك زيادة التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والزحف المستمر لخطر التصحر، واختفاء الغابات والغطاء النباتي، والتوسع الأفقي الهائل في بناء المدن، والتلوث وارتفاع معدلات النمو السكاني .
وأقامت سوريا سداً وحيداً على نهر الفرات هو سد الثورة أقيم السد عام ،1973 ويبلغ طوله حوالي 5 .4 كم وارتفاعه حوالي 60 م . وتشكلت خلفه بحيرة الأسد الاصطناعية، التي يبلغ أقصى طولها حوالي 80 كم وأقصى عرضها 8 كم . تعتمد سوريا على السد في مشاريع زراعية كبيرة في منطقة الجزيرة، كما تستعمله لتوليد الكهرباء منذ عام 1977 .
لكن طريقة الري المتبعة في الري السطحي التقليدي بشكل عام لمعظم الأراضي المروية تستنزف كميات كبيرة من المياه، وهي السبب الرئيسي لزيادة العجز المائي في الحوض، علماً أن نسبة الري الحديث هي بحدود 11% فقط من إجمالي الأراضي المروية .
وحسب مصادر في لجنة الحوض المائي في المحافظة الحسكة قررت مؤخراً الإسراع بإنجاز مشروع ري دجلة، خاصة وأن مياه هذا النهر لا تزال تشكل المصدر المائي الوحيد الذي لم تستفد منه سوريا الى الآن . إضافة إلى ضرورة تعديل قانون استصلاح الأراضي رقم ،3 وذلك للسماح بإقامة المشاريع السياحية والصناعات الزراعية وتربية الحيوانات ما يساعد في تحسين الوضع الاقتصادي للمنطقة .
والعمل على تنفيذ مشروع متكامل لإدارة مصادر المياه وتفعيل المراكز البحثية المختصة بالشأن المائي وذلك بتأسيس قاعدة بيانات وإدخال نظام المعلومات الجغرافي GIS إلى الحوض وإعادة تقييم الموازنات المائية وإكمال الدراسات الهيدرولوجية على مستوى الأحواض الفرعية ودراسة حصاد المياه في المحافظة . وحل مشكلة الآبار المخالفة (غير المرخصة) بتطبيق جمعيات مستخدمي المياه . وتشجيع استخدام طرق الري الحديثة الملائمة فنياً واقتصادياً لظروف كل منطقة وإعادة تأهيل وتطوير مشاريع الري القديمة بما يتوافق مع طرق الري الحديثة . ودراسة ومعالجة تلوث المياه الجوفية والسطحية بالتعاون مع الإدارة المحلية في المحافظة وإمكانية الاستفادة من المياه غير التقليدية بتنفيذ محطات المعالجة بالسرعة الكلية .
ولا تقف مأساة نهر الفرات عند حدود شح مياهه واستنزافها، فالتلوث أصبح خطراً لا يقل الشح الذي يهدد النهر بالموت البطيء . وفي هذا يؤكد الباحث عبد الكريم البليخ أنه وللمحافظة على نهر الفرات، من كافة الملوّثات، لابد من تحديد عوامل التلوّث وإيجاد المقترحات الكفيلة مع الجهات المعنية، وبالتعاون مع المحافظات الأخرى التي تقع على ضفاف الفرات، وإجراء الندوات العلمية، والبرامج التثقيفية حول هذه المسألة، وكذلك مراقبة مياه الشرب في المدينة، وإجراء التعقيم المستمر بالكلور، أو الآزوت، والتنظيف الدوري المتواصل لأحواض المياه، والآبار، وخاصةً في فصل الصيف، والغسيل الدائم لشبكة المياه في المحافظة، وذلك بسبب التراكمات والترسبات الناتجة من “عكارة” المياه في قساطل شبكة المياه في المدينة، نتيجة للأمطار، والفيضانات في فصل الشتاء، والربيع، بالإضافة لذلك، يجب منع الصيد العشوائي، ووقف استعمال الطرق غير المشروعة التي تُسهم في القضاء على الثروة السمكية .
ويضيف الباحث عبد الكريم البليخ: من الأمور التي تسهم في نظافة البيئة، مراقبة المشاريع الصناعية، والإكثار من التشجير، وإتباع الطرق العقلانية في استخدام المياه عند سقاية المحاصيل الزراعية، وإزالة القمامة، والأتربة من الأحياء في المدينة . أضف إلى أن بعض المستثمرين الذين أسهموا بإنشاء منشآت سياحية على سرير الفرات أساؤوا، للفرات وسلطانه الذي لا يُقاوم، حيث لوحظ أن بعض المنشآت المشادة حالياً لا تبعد أمتاراً معدودة جداً عن النهر، والبعض منهم من أقام منشأته لصق النهر تماماً، وآخر في وسطه!؟ . وهذه الصور في الواقع أساءت للفرات، وللبيئة الفراتية عموماً، وحتى للسياحة التي تراجعت مقوّماتها وبشكلٍ لافت في الرقة .
ووفقاً لمصادر مديرية البيئة في محافظة الحسكة، فإن معظم مصادر المياه تتعرض بشكل مباشر أو غير مباشر للتلوث بالصرف الصحي، ولاسيما نهر الجغجغ في مدينتي القامشلي والحسكة، ونهر الخابور، وبالنتيجة بحيرة الشهيد باسل الأسد (البحيرة الجنوبية) والمياه الجوفية أسفل المستنقعات والوديان الملوثة بمياه الصرف الصحي والتي تتلوث أيضا نتيجة آثار الصناعة النفطية كالتلوث الحاصل لمياه عين طابان التي تغذي بحيرة الحسكة الجنوبية .
مع الإشارة هنا إلى أن مناسيب المياه الجوفية في المحافظة تعاني من هبوط بشكل مستمر على مدى عشرين عاماً بسبب آلاف الآبار المحفورة في المنطقة والمرخصة والتي تستنزف المياه بشكل كبير وخاصة في منطقة رأس العين منطقة الينابيع .
وفي إطار المشاريع التي تنفذها الحكومة في المنطقة الشرقية أنفقت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في الحسكة مليارا و335 مليون ليرة سورية على مشروع جر مياه الشرب من قناة الصور في دير الزور إلى مناطق جنوب الحسكة، وذلك من أصل التكلفة الإجمالية للمشروع والبالغة ملياراً و800 مليون ليرة سورية، إذ وصلت نسبة إنجاز المشروع إلى 75 بالمئة حسب مصادر مؤسسة المياه في المحافظة .
وقال المهندس محمد عرف الشيخ علي مدير عام المياه: “إن المشروع يعد من المشاريع المهمة والحيوية التي تقع ضمن الخطة الخمسية العاشرة للمؤسسة وأنه سيتم الانتهاء من المشروع في نهاية العام القادم منوها إلى أن المشروع سيقوم بتأمين مياه الشرب للتجمعات السكانية للقرى الواقعة على ضفاف نهر الخابور وخاصة بعد جفاف النهر خلال السنوات الماضية” .
وأشار الشيخ علي إلى أن المشروع يمتد من مدينة الحسكة، وحتى حدود محافظة دير الزور، وسيؤمن المياه الصالحة للشرب لأكثر من 138 قرية وبلدة، ويقدر عدد المستفيدين من المشروع بنحو 130 ألف نسمة ولمدة 30 عاماً .
وأضاف: “إن المشاريع التي تنفذها المؤسسة خلال العام الجاري تتضمن إنجاز دراسة مشروع جر مياه من نهر دجلة إلى مدينتي القامشلي والحسكة، بالتعاون مع الشركة العامة للدراسات بدمشق، والشركة العامة للدراسات بحمص، وإنجاز واستثمار 5 محطات ضخ لإرواء قرى جنوب الرد وحفر90 بئراً، لإرواء ما يقارب 150 ألف نسمة وبناء 40 خزانا بيتونيا وتجهيز 30 بئرا بالتجهيزات الميكانيكية الكهربائية واستبدال وتوسيع 100 كيلو متر من شبكات المياه .
وحال المياه في محافظ دير الزور لا تختلف كثيراً عن مثيلتها في محافظتي الحسكة والقامشلي، فقد تعرضت محافظة دير الزور لموجة جفاف خلال السنتين الماضيتين، ما أدى إلى تعرضها لعواصف رملية متكررة، وانخفاض حاد في مستوى المياه الجوفية، وجفاف العديد من الآبار في بادية المحافظة، بالإضافة إلى تراجع خطير في أعداد الثروة الحيوانية والمساحات المزروعة .
نهر العاصي . . إجراءات حكومية قاصرة
عن نهر العاصي يقول الباحث مصباح جدعان “يعد نهر العاصي من الأنهار الكبيرة في سوريا، والذي أقيم عليه عدد من المشاريع للاستفادة من مياهه في مختلف المجالات، وخاصة الزراعة، لكون المناطق التي يمر بها النهر من أكثف المناطق الزراعية بدءاً من حمص مروراً بحماة ثم إدلب، لكن اليوم لا يمكن النظر إلى الاستفادة التي يقدمها هذا النهر، بسبب التلوث الكبير الذي أصابه، حيث أكد أحد الأطباء المختصين أن ارتفاع نسبة مياه الصرف الصحي والتلوث في مياه النهر التي يتم استخدامها لري الأراضي، يسبب أمراضاً بشرية ناتجة عند استخدام تلك المحاصيل التي تنمو بمياه ملوثة، ومن أخطر هذه الأمراض السرطانات التي كثرت مؤخراً في المحافظة، إضافة إلى أمراض الكبد والكوليرا” .
ويضيف جدعان: “عاني نهر العاصي من ارتفاع نسبة التلوث الناتجة عن المخلفات ومياه الصرف الصحي التي تصب فيه، والتي أسفرت عن تلويث مياهه وتشويه مظهره، وانتشار الروائح الكريهة منه، فنمت الطحالب والحشائش الغريبة على أطرافه وقعره، وانتشرت الأوساخ على جنباته، وبعد أن كان مكاناً للاصطياف والتنزه بات مكاناً يُنفر القادم إليه، وما عاد بالإمكان الاعتماد عليه لا في السقاية ولا في الشرب . وبعد أن كان نهر العاصي في إدلب المغذي الرئيسي لمناطق الروج وجسر الشغور، تحول اليوم إلى أكبر مصدر للضرر، نظراً لما يحمله من أمراض وأوساخ وروائح كريهة، سببها الإهمال وضعف الاهتمام، حيث يرى الكثيرون أن مدينة جسر الشغور من أكثر المناطق تسبباً بالتلوث وأكثرها تضرراً، بسبب عبور خط الصرف الصحي التابع لها من النهر، وبسبب مخلفات المعامل ومعاصر الزيتون والزيوت والشحوم الناتجة عن تركيب محطات ضخ للمياه على النهر، وهي عوامل تجتمع في ظل انخفاض غزارة النهر ما يسبب ارتفاعاً واضحاً في نسبة التلوث” .
عجز مائي
وفي السنوات الأخيرة بدأت الأحواض المائية في دمشق والمنطقة الجنوبية تعاني حالة عجز متزايد، حيث أقيم داخل حدود المدينة 12 حقل آبار لاستخراج ما يزيد على 100 ألف م3 يومياً لأغراض الشرب على مدى شهور عديدة، عندما ينخفض تصريف نبع الفيجة الذي يشكل مصدر المياه الرئيس لتأمين مياه الشرب لمدينة دمشق عن المعدل الوسطي لاستهلاك المدينة . ويتعرض الحوض للتلوث، وقد أيّدت بعض التحاليل الكيميائيّة والبيولوجيّة في مواقع عدة هذه الحقيقة . كما جرت دراسات عدة حول تلوث المياه الجوفية في بعض الآبار المنتشرة في غوطة دمشق بشكل رئيس، ولكنها كانت تكتفي بإثبات التلوث أو نفيه، وبتعيين حدوده إن وجد استناداً إلى المعايير المعمول بها دولياً أو محليّاً . ويوضح حسان غانم رئيس المكتب الصحفي في مؤسسة مياه السويداء أن إجمالي ما تنتجه المصادر المائية من مياه الشرب في سوريا تبلغ مليار م3 تقريباً ويتم الحصول على هذه الكمية من أربعة أنواع رئيسة من المصادر المائية هي (الآبار الجوفية الينابيع الأنهار السدود) .ويتم استثمار هذه الكمية من مياه الشرب من خلال مشاريع تصفية وجر وأنظمة توزيع منتشرة في أرجاء القطر، فيما لو تم استثمارها بصورة مثالية وبشكل رشيد، فإن حصة كل مواطن منها تبلغ 160 ليتر / باليوم تقريباً . وفي الواقع فإن بعض المواطنين لا يحصل على عشر هذه الكمية في بعض المحافظات، ويعود ذلك إلى جملة عوامل ومشكلات تعيق عمل هذه المشاريع . ويتصف مناخ سوريا بأنه مناخ المنطقة الجافة أو شبه الجافة، حيث تهطل الأمطار بشكل عام ما بين شهري تشرين الأول وأيار من كل عام وتسقط الثلوج على المرتفعات الجبلية وتتميز الأمطار بعدم الثبات وتختلف كمياتها الهاطلة بحدود كبيرة ومن منطقة لأخرى ومن عام لآخر ونتيجة انخفاض معدلات الهطولات المطرية في القطر والتوسع الكبير في الاستثمار الزراعي للأراضي الأمر الذي أدى إلى التوجه نحو استثمار المياه الجوفية عن طريق حفر العديد من الآبار بشكل كبير لأغراض الري والشرب والصناعة في الأحواض المائية مما سبب استنزافاً في المياه الجوفية وانخفاضاً في مناسيبها وجفاف بعض الينابيع وتدني نوعيتها .
تبين من دراسة معدل الموارد المائية المتجددة السطحية والجوفية في الأحواض المائية في سوريا والتي تقدر بحوالي 10000 مليون متر مكعب سنوياً وفي ضوء الاستخدامات الحالية للمياه فإن سوريا تعاني عجزاً مائياً في أحواض بردى والاعوج واليرموك والخابور، وتقول السيدة ريم عبد ربه “ماجستير في الهندسة البيئية” مديرة سلامة المياه: سيتراكم العجز المائي آنف الذكر في حال تعاقبت سنوات جافة أو جافة جداً وسيكون التسديد على حساب المياه الجوفية .
ابتزاز سياسي للدول العربية
في الإطار السياسي للصراع على المياه يرى الكاتب والمختص بالقانون الدولي عامر راشد أن دولة الاحتلال “الإسرائيلي” اتبعت أساليب عدة للسيطرة على منابع ومصادر المياه العربية، فقد قامت بالاحتلال المباشر لأراضي البلدان العربية المجاورة (الجولان جنوب لبنان سيناء)، جنباً إلى جنب مع سياسة فرض حصار مائي على الدول العربية من خلال إقامة تحالفات استراتيجية مع تركيا، التي تسيطر على منابع مياه نهري الفرات ودجلة اللذين يغذيان سوريا والعراق، ومع أثيوبيا وأوغندة اللتين تسيطران على منابع نهر النيل الذي يغذي السودان ومصر . وأنه وفي ضوء تزايد شح المصادر المائية في معظم البلاد العربية، وكون 90% من الأراضي الزراعية في العالم العربي تعتمد على مياه الأنهار التي تنبع من خارج الأراضي العربية، وتتحكم فيها دول تعيش حالة منازعات متعددة الأوجه مع الدول العربية، أو تتعارض معها في المصالح الإقليمية، (تركيا، أثيوبيا، أوغندة، على وجه التحديد)، بات مطلوباً صياغة استراتيجية عربية موحدة في مواجهة سرقة هذه الدول لحق الدول العربية في هذه المياه، كما يحددها القانون والأعراف والاتفاقيات الدولية، ولقد شكل ولا يزال إقدام تركيا وأثيوبيا وأوغندة على بناء سدود لتجميع مياه تفيض عن حصتها وحاجتها عامل ابتزاز سياسياً للدول العربية . ووصل الأمر برئيس وزراء تركيا الأسبق تورغوت أوزال إلى طرح مبادلة المياه بالنفط العربي، وتسعى “إسرائيل” إلى توثيق تحالفها السياسي مع هذه الدول لتشكيل حلف ضاغط على الدول العربية، لإعاقة التنمية الاقتصادية، كمدخل للضغط السياسي عليها من أجل تقديم تنازلات أمام الخطط “الإسرائيلية” لنهب الأرض، والهيمنة على ثروات الشعوب العربية، وهو ما يضع المياه والموارد المائية في المقام الثاني بعد النفط في استراتيجية الأمن القومي العربي، التي باتت تحتاج إلى إعادة ترميم بعد ما أصابها من تصدع في ضوء ما جرى ويجري في فلسطين والعراق ولبنان .
ولذلك فإن سوريا ولبنان والأردن والدولة الفلسطينية الموعودة لا يمكن لها أن تسلم بتوفر حاجات “إسرائيل” المبالغ بها من المياه على حساب الحاجات الضرورية لمواطني هذه الدول، وعلى حساب مستقبل اقتصادها وأمنها الغذائي والقومي .
ويرى الكاتب عامر راشد أيضاً أن تصويب المفاوضات على جبهة المياه يتطلب قيام تنسيق كامل بين سوريا لبنان الأردن والسلطة الفلسطينية، ويتطلب إدراك الجانب “الإسرائيلي” الأمريكي لحقيقة استحالة فرص نجاح أي تسوية سياسية تكون قابلة للحياة إذا لم يتم حل قضيه المياه بشكل عادل، فشح المياه في المنطقة ستكون له انعكاسات سلبية خطيرة على مستقبل استقرارها، وعنواناً لحروب ونزاعات قادمة، بتحول المياه إلى قضية وجود لدول وشعوب المنطقة .
وحول الادعاءات التركية حول نهري دجلة والفرات، يؤكد عامر راشد أن هذه الإدعاءات باطلة، وذلك لأنها تخالف الاتفاقية الدولية الموقعة عام ،1997 التي تنظم حقوق الدول المشاطئة للأنهار الدولية، فالاتفاقية حددت المجرى المائي الدولي بأنه المجرى الذي تقع أجزاؤه في دول مختلفة وهو ما ينطبق على نهري دجلة والفرات، وبالتالي لا يحق لتركيا الادعاء بأنهما نهران عابران للحدود فقط، أو اعتبارهما ثروة طبيعية تركية صرف . وهي ملزمة بمراعاة حقوق سوريا والعراق في مياه النهرين الدوليين .
وفي السياق ذاته يرى حسان غانم رئيس المكتب الصحفي مؤسسة مياه مدينة السويداء أن الأطماع الصهيونية في المياه العربية قديمة ومعروفة، وتشكل جزءاً من استراتيجيتها الاستيطانية، ونجد أن المياه شكلت المحور الرئيسي في الفكر الصهيوني قبل قيام دولة العدوان، وبعدها حيث أولت القوى الصهيونية أهمية كبيرة لمسألة المياه . وفي عام 1967 سيطرت “إسرائيل” على هضبة الجولان ذات المصدر الغزير للمياه كما سيطرت على 95% من نهر الأردن من المنبع إلى المصب . واحتلت الضفة الغربية مما زاد مصادر “إسرائيل” المائية 20% . وفي عام 1982 غزت “إسرائيل” جنوبي لبنان بهدف السيطرة على مياه نهر والليطاني واستجرارها، ونوه غانم إلى ما قاله ديفيد كمحي عام 1983: “إن انسحاب “إسرائيل” من لبنان مرتبط بحصولها على حصة من مياه والليطاني”، وإلى أن الإعلام “الإسرائيلي” أثناء رفع في مؤتمر مدريد للسلام 1991 شعاراً يقول: “موارد مائية بلا استخدام لتنمية تعوزها الموارد” . وهو صيحة تماثل الشعار الذي قامت عليه الصهيونية يوم غزت فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” . ونوه أيضاً إلى تأكيد نتنياهو أن الانسحاب من الأراضي المغتصبة سيرجع مصادر المياه للعرب ويعني وقوع “إسرائيل” تحت رحمتهم، وأنه لذلك يجب أن تحتفظ دولة الاحتلال بالجولان لأسباب استراتيجية واقتصادية، حيث أن ربع الثروات المائية ل “إسرائيل” مصدرها الجولان ويمكن لها أن تعيش من دون نفط لكن لا يمكن أن تحرم نفسها من المياه .
الخليج:الثلاثاء ,18/08/2009
دمشق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.