الرسالة السياسية تمثل ولا شك إحدى مهمات العمل السياسي وخطابه، ولا يمكن أن يخل أي موقف من مهمة وهدف يتنزل في رسالة يحملها ساع أو ينتفي وتحمل عنوانا مباشرا أو غير مباشر. وقد عودتنا السلطة التونسية برسائلها التي تحمل مضامين وأهداف، ومنها الغالب الذي يندرج تحت المثل المعروف "إياك أعني واسمعي يا جارة" ولا نخال توقيف الأخ العزيز الدكتور العش ومحاسبته عسيرا إلا رسالة يجب أن تستوقف كل ملاحظ يتابع الوضع التونسي حيث تتجلى مجموعة من الرسائل سعت السلطة حسب قراءتنا المتواضعة إلى إيصالها لمن له قلب ونظر! الرسالة الأولى للعائدين : حياتكم كلها خوف ورجاء خوف دائم بأنكم متهمون حتى نهايتكم، عصا الأحكام النافذة أو المتأخرة أو الغيابية تبقى تحملونها في أعناقكم وعلى ظهوركم، فأي ابتعاد عن المشي حذو الحائط أو محاولة رفع الرأس ولو قليلا، فله معقبات كثيرة والقضاء بالمرصاد، عودتكم نهاية حياتكم، نعم تستطيعون الحديث في الرياضة والتلفاز والفنون وسهرات قرطاج، ولكن لو ذكرتم لجيرانكم أن البطاط قد ارتفع سعرها أو أن البيض أو الحليب فقدا في السوق فهذا موقف سياسي خطير يعيدكم إلى الزنزانات، فأنتم في حالة طوارئ دائم! مطالبنا تزداد كلما اقتربت الرؤوس من الأحذية، وأبوابنا تزداد انفراجا كلما سعيتم إلى الخروج من جلودكم، نريدكم بلا ماضي بلا حاضر وبلا مستقبل... الرسالة الثانية للمبعدين : نعم باب السفارة الأمامي أو الخلفي هو الحل الوحيد لكم والتبرؤ المتكرر والدائم لتاريخكم هو المنفذ لإمكانية مراجعة ملفكم، ولعل خروجكم من جلدكم لا يكفي في بعض المواقف ولبعض الأطراف، لكن لنكن صرحاء معكم كل ذلك لا يحمل ضمانات لكم فلعل اخوتنا هناك في دهاليز السفارات لا يملكون كل الملفات التي نملكها حولكم، فحذار من نعتنا بالخيانة فنحن صادقون فيما نعمل، أوفياء لمبادئنا، لم نتنكر يوما لماضينا، نطبق القانون عليكم ولا تسقط القضية بالتقادم، فهذه أغنية لن تسمعوها حتى في إذاعاتنا المشهورة بالتكرار والإعادة، نصيحتنا إليكم أنكم ذاهبون إلى المجهول، لذلك ادفعوا ديونكم وبرءوا ذممكم وحصنوا أنفسكم بكثير من الأموال، فالطريق طويل والزاد قليل، فلعل عودتكم تكون نهائية أو مطولة رغم أنفكم، فاحتضنوا أطفالكم وودعوا خلانكم وأوطانكم الجديدة فلعلكم لن تشموا رائحتها من جديد... الرسالة الثالثة إلى منظمة المهجّرين: ماذا أنتم فاعلون، عادوا إلينا فرادى فسجنا بعضهم وتكرمنا على البعض بعد اتفاقات والتزامات، وقد أتعبونا لأنهم يأتون قطرة قطرة، وإذا أعنتمونا على جمعهم مرة واحدة وأرسلتموهم لنا نكن لكم من الشاكرين ولعلنا حينذاك سنعترف بكم وبآثاركم وبوطنيتكم. الرسالة الرابعة إلى الرأي العام : نحن دولة القانون، وسلطته فوق الجميع، والقضاء هو الملجأ ولا تجاوز لقراراته ولا دخل للسياسة والسياسيين، وإذا تم فهو قليل قليل لا يتجاوز بعض الأسماء، وإن كان المغرضون يدّعون غير ذلك، فالأمر لا يخرج عن نطاق الحق العام، لا استبداد في البلاد وإنما القانون فوق الجميع والناس سواسية أمامه وإن كانوا قد جاءوا من بلاد الواقواق ويركبون سيارات رباعيات الدفع ويحملون حرف الدال أمام أسمائهم أو حرف الذال. ختاما هناك رسائل أخرى ولا شك تستدعي التوقف عندها، منها رسالة إلى الجزيرة وأخرى إلى المعارضة، وقد تجنبت ذكرها لأني رأيت أنها رسائل مفتوحة منذ زمان وإن كانت الأوضاع تستميلها حينا إلى الارتفاع وحينا إلى الصمت المريب، ولعلي من بعض المنهجية أن أترك القارئ يساهم ولو من بعيد في كتابة بعض ما يراه حتى يكون الفعل جماعيا، وأنا أعتقد أننا لن نختلف كثيرا إذا كان التشخيص والمعاينة تدفعهما مرجعية المواطنة والحقوق والشهادة الصادقة. أوت 2009 المصدر :بريد الفجرنيوز موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net [email protected]