أ.د. محمد اسحق الريفي الفجرنيوز يبدو أن محاولة اختراق حركة حماس، وتمزيقها من داخلها، آخر ما تبقى في جعبة العدو الصهيوني والأمريكي وأذنابهم؛ لإنهاك الحركة، وإزاحتها عن حلبة الصراع السياسي. وتأتي أحداث رفح الأخيرة في هذا السياق، إذ كان يهدف مشروع "الإمارة الإسلامية" إلى شق صفوف الحركة وضرب بعضها ببعض. وبفضل الله عز وجل، نجحت حماس في وأد الفتنة في مهدها، ولكن هذا لا يعني نهاية المطاف في مسلسل محاولات استهداف الحركة من داخلها بعد فشل استهدافها من خارجها؛ فالأعداء المتربصون بها، الذين استخدموا كل الوسائل القذرة في محاربتها؛ ابتداء من محاولة ترويضها وإخضاعها لقواعد عملية أوسلو للتسوية الاستسلامية، ثم نشر الفلتان الأمني ومحاولة إشعال حرب أهلية في غزة، ثم شن الحرب الصهيونية على غزة، ثم محاولة تحريض بعض العائلات الغزية ضد الحركة والحكومة التي تقودها، ثم مؤخراً محاولة شق صفوف الحركة تحت غطاء تطبيق الشريعة الإسلامية، لن يكف هؤلاء الأعداء عن التآمر على حماس بكافة الطرق، ومنها التمزيق من الداخل، رغم أن كل مؤامراتهم السابقة باءت بالفشل، فهؤلاء الأعداء لا يعتبرون ولا يتعظون، بل يستمرون في سوء تقديراتهم وإساءة حساباتهم. كثير من الناس لا يعلمون أن المسلحين الذين تترسوا بالمصلين في مسجد ابن تيمية في رفح، وهو المسجد الذي أعلن منه زعيم "جند أنصار الله" الشيخ عبد اللطيف موسى عن قيام إمارته الإسلامية، كانوا يهدفون إلى إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف قوات الأمن المحاصرة لهم، لاستفزاز حماس، والتسبب في مذبحة كبيرة، تؤدي إلى حالة من البلبلة والاضطراب داخل الحركة، تفضي إلى صراع داخلي فيها، وفق خطة محكمة ربما تعلن حماس عن تفاصيلها قريباً. ولذلك فإن أبواق الدعاية المعادية لحركة حماس، وعلى رأسها وسائل إعلام سلطة رام الله، كانت تروِّج أن صراعاً داخلياً قد نشب بين تيارات متضاربة داخل حركة حماس، تيارات تؤيد تنظيم القاعدة، وأخرى معادية لها، على حد زعم تلك الوسائل الإعلامية الكاذبة. فالمدعو "خالد بنات"، الذي استقدمته حماس إلى غزة من سوريا الشقيقة؛ لتدريب مجاهديها، استغل فرصة تدريبه لكتائب القسام في نشر فكره المنحرف، وحشد المؤيدين له، وتأسيس جماعة "جند أنصار الله"، وإقامة تشكيلات مسلحة في قطاع غزة، وتزويدها بمخازن الأسلحة ومئات الأحزمة الناسفة. كما طلب خالد بنات السماح له بالعمل باستقلال عن كتائب القسام، وكان له ما طلب، وكادت تحدث فتنة عظيمة لولا رعاية الله لعباده المرابطين، القابضين على الجمر والزناد. وبعد أن بدا لخالد بنات أن الظروف مهيأة ومواتية لإحداث الفتنة، دبر أحداث رفح المؤسفة، وشارك فيها بنفسه، ووقع من الهرج ما وقع. وكانت تلك الأحداث الشرارة التي أراد أن يشعل بها خالد الفتنة، بذريعة أن الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس ارتكبت مذبحة، واعتدت على من يدعون إلى تطبيع الشريعة الإسلامية وتحكيم شرع الله. أما الشيخ عبد اللطيف موسى، فقد وقع ضحية لفرط إعجابه الشديد بنفسه وتطلعه إلى الظهور، ولعدم مراعاته مقتضيات عقيدة الولاء والبراء في علاقاته الشخصية، ما جعله يُقاد إلى حيث لم يحتسب. هذه الأحداث تؤكد أهمية الانتباه الشديد لمحاولات اختراق حركة حماس، والأمر ليس سهلاً كما قد يظن بعض الناس، فهناك أجهزة صهيونية وغربية مختصة باختراق الحركات الإسلامية، لاستفزازها، ولتحفيزها على القيام بردات فعل محددة، ولشق صفوفها؛ كما يحدث الآن في العراق والصومال وأفغانستان وباكستان، بل كما حدث لحركة فتح، التي تمكن التيار المتصهين من خطفها والسيطرة عليها... في 2002، خصصت الحكومة البريطانية ميزانية إضافية تصل إلى مئات الملايين من الدولارات لجهازي إم آي 5 و إم آي 6، التابعية للمؤسسة الأمنية البريطانية، بهدف زيادة عدد العملاء العرب والمسلمين، واختراق الجماعات الإسلامية، وإحداث البلبلة في صفوفها، وتوجيه نشاطاتها وعملياتها في اتجاه الأجندة الغربية. وفي العام ذاته، أنشأ البنتاغون جهازاً خاصاً اسمه P2OG (مجموعة العمليات الاستباقية الوقائية)، لتحقيق الأهداف ذاتها، عبر القيام بعمليات قذرة في منطقتنا، ونشر الفوضى المدمرة فيها. ومما لا شك فيه، أن المؤسسة الأمنية الصهيونية لها أجهزة مشابهة، بل هي رائدة في هذا المجال، ومن يطلع على تاريخ العمل النضالي الفلسطيني يدرك ذلك. وقد نجحت هذه الأجهزة جزئياً في تحقيق أهدافها، ونشر الفتنة في المناطق التي تصارع الاحتلال أو تشهد تحولات سياسية تتعارض مع المصالح الغربية، لحد أن قادة صوماليين عزوا انهيار المحاكم الصومالية أمام القوات الأثيوبية العام الماضي إلى نجاح الأمريكيين في اختراق المحاكم على مستوى القيادة. والغريب أن الأجهزة الأمنية في دولة تبدو مسالمة مثل السويد تسعى لاختراق الجماعات الإسلامية وامتلاك نواصيها، ففي 2005 فصلت الاستخبارات السويدية (وتحديداً الجهاز المعروف باسم "موست") قبطان طائرة مدنية اعتنق الإسلام من مهنته بعد أن فشلت في تجنيده لحسابها وزرعه بين المجموعات الإسلامية في السويد. لذلك، لا بد من الاهتمام بهذه القضية الخطيرة، وقطع الطريق على الأعداء لشق صفوف حماس وإنهاكها في صراعات داخلية، أو في صراعات مع مجموعات إسلامية محلية.