توزر قطب وطني للتكوين في المستشفى الرقمي    ''كان يمكن نزع سلاحه بدل نزع حياته'': تعليق ناري من بن صالحة على مقتل تونسي بفرنسا    قائمة الدول الأغلى عالميا: الحياة فيها مكلفة جدّا    ترامب ينظم عشاء لأقطاب التكنولوجيا ويستثني أكثرهم ثراء    اليوم: درجات الحرارة في ارتفاع    ولاية تونس: انعقاد المجلس الجهوي للأمن حول العودة المدرسية    إدارة ترامب تطلب من المحكمة العليا الإبقاء على الرسوم الجمركية    حادثة مقتل عبد القادر الذيبي في مرسيليا... شهادات مباشرة وردود فعل غاضبة    اليوم: الدخول لجميع المواقع الأثريّة مجانا    وزارة الصناعة تقرر إحداث لجنة مشتركة تتولى دراسة وضعية محطات ضخ المياه بالمناطق الصناعية حالة بحالة    آدم عروس يمضي لنادي قاسم باشا التركي    مقتل 15 شخصا بعد خروج القطار الجبلي الشهير في لشبونة عن مساره    الندوة المولودية 53: الاجتهاد المقاصدي والسّلم المجتمعي في ضوء السّيرة النبوية"    غارات إسرائيلية على جنوب لبنان توقع قتلى وجرحى    فيلم "صوت هند رجب" يهزّ مهرجان فينيسيا بعرضه العالمي الأول    بنزرت الجنوبية .. وفاة إمرأة إثر تعرضها لصعقة كهربائية    بنزرت ..مع اقتراب العودة المدرسية .. حملات مكثفة لمصالح الرقابة الصحيّة والاقتصادية    إثر احداث ملعب بنزرت .. هزم النادي البنزرتي جزائيا و«ويكلو» ب3 مباريات خارج القواعد    مؤسسة UR-POWER الفرنسية تعتزم الإستثمار في تونس    رئيس الجمهورية يزور الجزائر    في يوم العلم : تكريم المتفوقين بجندوبة    عاجل: وزارة أملاك الدولة تفتح مناظرة لانتداب 4 مهندسين أول: التفاصيل    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد: النتائج والترتيب    تعاون مشترك في أولويات التنمية    مجلس وزاري مضيق حول حوكمة وتحسين جودة المنظومة الصحية    هذه الولاية تحتل المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج "الزقوقو"    باحثون مصريون يطورون علاجا واعدا للأطفال المصابين بالتوحد    الريحان والفلفل والعسل.. السلاح الطبيعي ضد السعال والبرد    تمديد مرتقب للصولد الصيفي أسبوعين إضافيين قبل غلق الموسم!    بمناسبة المولد النبوي: الدخول مجّاني الى هذه المواقع..    وزير الشؤون الخارجية يترأّس الوفد التونسي المشارك في أشغال الدورة 164 لمجلس جامعة الدول العربية    نهضة بركان يتعاقد مع اللاعب التونسي أسامة الحدادي    ارتفاع متوسط سعر المتر المربع للشقق السكنية ب4%..    تصفيات كاس العالم 2026: المنتخب التونسي من اجل قطع خطوة اضافية نحو التاهل للمونديال    زغوان: تسجيل إصابة ثانية بمرض "حمّى غرب النيل" منذ اوت المنقضي    هام/ كميّات الأمطار المسجّلة بعدد من مناطق البلاد..    شيرين تعتذر من ياسر قنطوش    مفتي الجمهورية: الإحتفال بالمولد النبوي حلال    عاجل: وزير الداخلية الفرنسي يُؤكد على الطبيعة الفردية للحادث...التفاصيل    عاجل/ حادثة مقتل تونسي على يد الشرطة في مرسيليا..فتح تحقيق اداري وندوة صحفية مساء اليوم..    عاجل/ نتائج الحملة الوطنية المشتركة لمراقبة المستلزمات المدرسية..    عاجل/ تأجيل انطلاق أسطول الصمود لكسر الحصار على غزة..وهذه التفاصيل..    المولد النبوي: مِشْ كان احتفال، تعرف على السيرة النبوية...منهج حياة ودروس خالدة    بطولة كرة اليد: برنامج مباريات اليوم من الجولة الثالثة ذهابا    تأمينات BIAT والترا ميراج الجريد اشعاع رياضي وثقافي وشراكة مجتمعيّة فعّالة    اليوم: أمطار متفرقة في المناطق هذه...وين؟    اليوم: فتح الممر تحت الجسر على الطريق بين جبل الجلود ولاكانيا    هيئة الصيادلة: الأدوية الخاصة بهذه الأمراض ستكون متوفّرة خلال الأسبوع المقبل    الزهروني: مداهمات أمنية تطيح بمجرمين خطيرين محل 17 منشور تفتيش    تظاهرة "سينما الحنايا" يوما 6 و7سبتمبر الجا ري    الكرملين: بوتين لا يتآمر مع شي وكيم ضد أمريكا    قفصة: حجز 40 كلغ من الحلويات المستعملة في عصيدة الزقوقو    أسرة الفقيد الشاذلي القليبي تهب مكتبته الخاصة لدار الكتب الوطنية    مسرحية "سلطة سيزار": صرخة فنية من قلب معاناة ذوي الهمم في تونس    العالم يشهد خسوف كلي للقمر..وهذا موعده..#خبر_عاجل    الدورة الخامسة للملتقى الدولي للفنون من 05 الى 08 سبتمبر الجاري بقصر النجمة الزهراء    الإفتاء المصرية تحسم الجدل: صيام يوم المولد يجوز شرعًا    صيف المبدعين ..الشّاعرة لطيفة الشامخي .. الكُتّاب ،سيدي المؤدّب وأوّل حِبْر عرفته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الهوية الايديولوجية لحركة النهضة:محاورة ل"ملاحظات حول المؤتمر الثامن...
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 02 - 2008


في الهوية الايديولوجية لحركة النهضة
محاورة ل"ملاحظات حول المؤتمر الثامن ل''حركة النهضة''
أحمد قعلول
نشرت "صوت الشعب"، اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي، في العدد 257 لشهر سبتمبر2007 مقالا غير موقع بعنوان "ملاحظات حول المؤتمر الثامن ل''حركة النهضة''. وقد تناول المقال احدى الفقرات الوادرة في البيان بالتحليل والتعليق. وسيتناول هذا المقال النص الذي نشر في صوت الشعب لما اتسم به من وضوح ولاهمية التفاعل معه بما انه صدر من طرف سياسي مناضل ووطني ونقيض ايديولجي لحركة النهضة، ما يجعل الحوار معه مجديا وذا قيمة عملية.
مع العلم ان هذا المقال يعبر عن راي كاتبه ولا يعبر عن راي اي جهة رسمية.
واود ابتداء تثمين التنبيهات التي بدا بها مقال صوت الشعب في التمييز بين العمل السياسي او الاشتراك في العمل والنضال السياسي وبين النقاش والحوار والاختلاف في القضايا ذات الطابع الايديولوجي والفكري والثقافي ما لم تستغل هذه النقاشات من اجل الابتزاز السياسي مثلما هو الحال لبعض النقاشات الدائرة تحت بعض الافتات الوطنية.
وذلك ان الحوار الفكري يحتاج الى مجال واسع ومساحة من الحرية وغياب الاكراه ولا شك انه يحسب لقيادة حزب العمال وضوحها في هذا المجال ورصانة موقفها السياسي بالمقارنة مع بعض الاطراف السياسية التي ترى ان الحسم الايديولوجي يمثل الشرط الاول في امكانية الاشتراك في النضال السياسي او حتى في القبول بمشاركة المختلفين في اللعبة السياسية.
في الهوية الايديولوجية لحركة النهضة:
بنى المقال المنشور في صوت الشعب تحليله على الفقرة التالية من البيان الختامي لحركة النهضة والذي جاء فيه ما يلي:
"جدّد المؤتمرون التزام "حركة النهضة" بالهوية التي حددتها وثائقها السابقة والتي تعني الاعتماد على المرجعية الإسلامية وما يعنيه من تقيد جميع تصوراتها ومواقفها بما هو معلوم من الدين بالضرورة مضمنا في النصوص الشرعية القطعية مع التوسع في غيرها من الظنيات بالاجتهاد بشروطه المعتبرة والتمسك في ذلك بالقيم السياسية والاجتماعية العليا من حرية وشورى واحترام للخيار الشعبي وتكافل اجتماعي ومساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون أي إقصاء أو إلغاء. وهي تعتبر نفسها امتدادا لجهود الإصلاح والتجديد التي توارد عليها المصلحون والمجددون في داخل تونس وخارجها انطلاقا من منهجها الوسطي".
اعتبر المقال ان الموقف الذي عبر عنه البيان يحمل توجهين متناقضين يعبر اولهما عن "موقف أصولي يؤكد ضمنيا التمسك بالمواقف التقليدية للحركات "الإخوانية"، والثاني يتضمن "موقفا "إصلاحيا"، "تجديديا"، "اجتهاديا". واعتبر المقال ان كل جزء من الفقرة ينتج موقفا سياسيا متناقضا مع الآخر اذ ان التوجه الاول يعبر عن موقف رافض "للحرية والمساواة واحترام الحرمة الجسدية والديمقراطية" كما انه لا يجيز "الاجتهاد إلا في "الظنيات".
أما الموقف الثاني المعبر عنه في النصف الثاني من الفقرة المنقولة من البيان فانه ينبئ حسب المقال عن تبن لقيم "حداثية (الحرية، المساواة، احترام السيادة الشعبية، رفض الإقصاء والإلغاء، إلخ.) ويدرج الحركة في إطار حركات الإصلاح الإسلامي المعاصرة في تونس وخارجها والتي حاولت "تحديث الإسلام" لجعله متوافقا، لا متنافرا، مع المبادئ الليبرالية التي أتت بها الثورات البورجوازية في أوروبا وانبنت عليها أنظمة الحكم في هذه المنطقة" .
- تحمل هذه الفقرة تصورا سائدا عادة ما يربط بشكل سببي بين التصورات الفكرية والمسلكية السياسية. فما يرى من الفكر عقلا مثلا وانفتاحا اعتبر مؤشرا على السلوك السياسي الديمقراطي والتحرري وما اعتبر من الفكر محافضة وانغلاقا اعتبر مؤشرا على مسلكية سياسية واجتماعية استبدادية.
- ويربط المقال ربطا سببيا بين منظومة الحداثة ومبشراتها والديمقراطية بمثل ربطه بين المنظومة التقليدية والاستبداد.
- كما يحمل النص تصورا يعتبر ان الفكر اما ان يكون فكرا متحررا منفتحا مطلقا او منغلقا مقيدا مطلقا بحيث لا يمكن ان يكون هناك رابط بين اي من المنظومتين. ويرى ان ما يصفه انفتاحا واجتهادا عمل ايجابي وان المحافظة والانغلاق عمل سلبي.
- واخيرا يحتكم المقال في معاييره الى قيم وشعارات يربطها وجوديا بالحداثة ما يعني ان المنظومة الاسلامية محكومة بهذه المعايير والقيم فان هي اقتربت منها كانت النتيجة ايجابية وان هي اختلفت عنها وابتعدت كانت نتيجة التقييم سلبيبة.
(1في العلاقة بين الايديولوجيا والسياسة:
سائدة هي المقولات التي تربط وبشكل سببي بين الممارسة السياسية وخلفيتها السياسية وكذلك هي التحليلات التي تسعى لتفسير الوضع الاسبدادي بالخلفية الفكرية او الثقافية للشعوب ومن هنا التحليلات السائدة التي تسعى للبحث عن اصول الاستبداد في العالم العربي والاسلامي من خلال محاولة ابراز مجموعة من الاصول الفكرية والثقافية المنتشرة في المجتمعات العربية والاسلامية. ليس المقام في هذا المقال لتحليل هذه التصور الشائع او الرد عليه بالتفصيل ولكن من المهم التنبيه على ان المنظومة الايديولوجية ليست سابقة دائما للمارسة السياسية بل ربما تطور ايديولوجيا او تاويل لمنظومة فكرية ما، تبريرا لممارسة سياسية قائمة ومن اجل الهمينة على وعي الجماهير وتصوير الواقع في شكل مزيف. هذا من جهة كما انه، ومن جهة اخرى، هناك العديد من الاطراف التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الانسان والحداثة وما بعد الحداثة الا انها وبتلك الشعارات تغرق في الاستبداد بل هي تستبد باسم الديمقراطية والحداثة وحقوق الانسان بله الذين يستبدون واستبدوا باسم الشعب والطبقة العاملة ومثلهم من يستبد باسم الدين ولذلك فان الجميع سواء اذا استبد وليس هناك عبرة باختلاف العناوين ما دام الاستبداد واحدا.
وفي هذا الاطار تجدر الاشارة الى ان القمع الذي تعاني منه جميع فئات الشعب التونسي يقوم به ويشرف عليه كما يزكيه رافعوا شعارات ولافتات الديمقراطية والحداثة وحقوق الانسان ولم تمنعهم "قناعاتهم" ودينهم من ممارسة الاستبداد وتزكيته. فكما ان علمانية بعض الاطراف اللائكية ورفعهم لشعار الديمقراطية وللاشتراكية وحقوق الطبقات الشعبية الكادحة او الليبيرالية والحرية الفردية وحرية الضمير لم ينتج بسبب ذلك الايمان ديمقراطية وحرية سياسية فان صدق ايمان الاسلاميين بالديمقراطية والحداثة وعلوية حقوق الانسان والمساواة المثلية بين الرجال والنساء وتخليهم عن قوانين الارث الاسلامي وتخليهم عن تشريعات الاسلام في مجال الاحوال الشخصية والمدنية بما في ذلك الحدود وايمانهم بالعلمانية لن يجعل منهم ديقراطيين ولا يضمن ممارستهم السياسية.
2) في حتمية العلاقة بين الحداثة والديمقراطية:
تعتبر الدولة الحديثة الانتاج الابرز للحداثة ومن اهم سمات الدولة الحديثة كونها دولة قومية بالتعريف. الا ان الحداثة التي انتجت هذا النمط من ادارة الحكم انتجت دولا حديثة متنوعة ومتعددة من اهمها النموذج الليبيرالي الذي تبنى الآلية الديمقراطية لادارة الحكم والنموذج الاشتراكي الشيوعي الذي حكم باسم دكتاتورية البلوريتاريا وسياسة الحزب الواحد، كما كانت الحداثة انتجت نموذج الدولة الفاشية ومن منتجات الحداثة اليوم دول تسعى لاستعادة النموذج الامبراطوري الروماني. ولذلك فان القول بان الحداثة تنتج حتما "الديمقراطية" قول غير دقيق كما ان القول بان الحداثة تنتج مجتمعات حرة تحترم حقوق الانسان هو ايضا مجانب للحقيقة وحتى اذا ما ركزنا انتباهنا على الدول الليبيرالية فان هذه الدول "الديمقراطية" قامت في اغلبها على الديمقراطية الداخلية والاستبداد الخارجي بل يمكن القول انها لم تكن قادرة على الادارة السلمية للعلملية السياسية الداخلية لولا عمليات النهب المتواصل الذي تقوم به خارجيا. ولذلك فانه حري بمثقفينا ان يتخلوا عن هذا الوهم الحداثي وعن التبشير بجنة الحداثة التي ستاتي بكل الخيرات على المستوى السياسي والاجتماعي، وكما لهم نظرة نقدية الى الاسلام فغير مناسب ان يتبنوا نظرة دغمائية الى الحداثة.
3) في الانغلاق والانفتاح والاجهاد والتقليد:
من المهم التنبيه ان حركة النهضة التونسية بما هي حركة اسلامية منضبطة مقولاتها الفكرية بالاسلام وبمبادئه، مثلما هو الشان لحزب العمال الشيوعي الذي هو حركة ذات خلفية ايديولوجية منظبطة بقراءة ورؤية خاصة للفكر الماركسي وهو بصفته تلك يقوم على اسس فكرية تحدد هويته وتضبط مجال الاجتهاد والتاويل والتغيير بحيث اذا ما وقع تجاوز تلك الاسس انتفت الصفة الماركسية عن الحزب.
اريد القول ان لكل حزب ايديولجي اسس فكرية صلبة يكون المس منها او التليين فيها مسا بهوية الحزب عموما. وذلك ان الاجتهاد كي يكون ممكنا يحتاج لان ينطلق من مجموعة من القواعد كما ان كل فكر كي يقوم يحتاج لان يسلم بمجموعة من المقولات والا اصبح عاجزا عن التفكير والقول والتواصل. ثم ان الاجتهاد والمحافظة والتقليد والتحرر اعمال لا قيمة لها خارج سياقها وثمراتها فهي في حالات تعبير ايجابي وفي اخرى سلوك سلبي بحسب المقام والمصالح المقصودة. فالاجتهاد والتغيير مطلوبان خاصة في حالات القوة والنشاط اما في حالات الضعف والخطر الخارجي فان المحافظة اولى هذا مع اخذ عملية التنسيب بعين الاعتبار ولكن المقصود ان التبشير المطلق بالانعتاق من كل القيود وبالاجتهاد الى غير ذلك من شعارات لمَاعة لا علاقة لها بواقع الحياة لا من جانب الممارسة الفكرية او السياسية لا جدوى منه خاصة اذا ما كان الجدال من المفروض ان يكون سياسيا.
4) في المعايير والقيم الحاكمة والمحكومة:
ان الحديثة عن الاعتدال وقبول الاخر والتسامح لا يحتاج اليه اذا ما كان الاخر شبيها او مثيلا. بل ان روح التسامح تختبر عند التعامل مع المختلف بل مع النقيض اولى. ولذلك فان محاكمة مقولات الحركة الاسلامية الى مقولات الحداثة هو محاولة لوضعها تحت السقف العلماني. فالحركة الاسلامية تحاكم الحداثة بالاسلام فتنظر الى مدى توافق قيمها مع الاسلام او اختلافها عنه، وفي المقابل فان الاحزاب والتيارات العلمانية تحاكم الاسلام بمدى توافقه واختلافه عن الحداثة او ما بعدها. وليس المطلوب، حسب رايي، في الاطار السياسي ان يغير اي طرف معاييره وقيمه، بل المطلوب البحث عن المشترك ان وجد وتنظيم الخلاف والاختلاف حتى يكون سلميا. ومن هنا فانه كما يطالب العلمانيون الاسلاميين بالتخلي عن التكفير فانه على العلمانيين ان يتخلوا عن تكفير الاسلاميين وليحتفظ كل بدينه وليتفقوا على المشترك السياسي ولكل ان يكفر او يؤمن او ان يفتح منابر للمناظرة العقائدية والايديولوجية بعيدا عن التوظيف والابتزاز السياسي.
واخيرا: بدا المقال المنشور في صوت الشعب اعتذاريا اذ قدم لنفسه بالتبرير للعلاقة السياسية بحركة النهضة من خلال التاكيد ان الاشتراك في النضال السياسي لا يعني التخلي عن الاختلافات الايديولوجية. كما دعى المقال من يعتبرهم اصلاحيين في حركة النهضة الى تعميق مسارهم من اجل رفع الحركة الى المستوى المبشر به.
والحقيقة انه ما كان لطرف سياسي ان يطالب طرفا آخر بما يطالب به هذا المقال المنشور دون توقيع في منبر رسمي لحزب سياسي.
فكيف يريد الاخوة العلمانيون من ابناء النهضة ان يكونوا ديمقراطيين اذا ما طالبوهم باقصاء من يرونه هم محافضون. على اني ارى من موقعي الشخصي ان المقال لم يات في الحقيقة بدافع الحوار مع شريك سياسي بقدر ما جاء تعبيرا عن خلافات داخلية في صلب حزب العمال ويتسع الى الطيف العلماني التونسي بين طرف استئصالي لا يرى في الاسلاميين خير وطرف وطني يؤجل الخلاف الايديولوجي او هو يضعه في مساحات مختلفة عن مساحة النضال السياسي. الا ان هذا الطرف الثاني يبدو انه راى نفسه متهما داخل الحزب او من اصدقائه فاراد ان يبرء نفسه من خلال القيام بخطوة الى الوراء ليتقدم في اتجاه الحفاظ على شراكته السياسية (بالطبع هذا ان احسنا الضن) وفي كل الاحوال فان الربط بين الممارسة السياسية والخلفية العقائدية ربط غير صحيح وان كان مفهوما، فالفكر ليس ضامنا للممارسة واذا كان العلمانيون يريدون ضمانات سياسية من الاسلاميين من خلال دفعهم الى التخلي عن مجموعة من مقولاتهم الثقافية والعقائدية فانهم ان نجحوا في ما يطلبون لا يحققون مقاصدهم بل هم فقط يضيعون فرصا على البلاد ووقتا ثمينا على الشعب التونسي الذي سيحتاج الى بناء جيل آخر من اجل انتاج نخب جديدة تتبنى مقولات شبيهة بالتي وقع التخلي عنها او مقولات اكثر محافظة. وذلك ان الحركة الاسلامية انما التف حولها الناس بسبب تلك المقولات والشعارات فالذين حملوا لافتة الاسلام بحسب الرؤية والنهج الذي عليه حركة النهضة ومدرسة الاخوان عموما استقطبوا بتلك الشعارات الفئات الواسعة من الشعب ولذلك فان التخلي عن هذه الشعارات والنهج لما هو اكثر منه تشددا او "انفتاحا" سيهمش تلك الفئات الشعبية او وبشكل اصح سيهمش هذه الحركة.
انه ان كان لدى اخواننا العلمانيين مقاصد صادقة في "تطوير" الفكر الاسلامي وهو لا شك يحتاج الى تطوير فان الابتزاز الايديولوجي والسياسي واجواء الاستبداد لا تنتج عادة الا محافظة مهووسة بالاخر او تحللا وانبطاحا.
وآخرا: ليس هناك من ضمان لاي طرف سياسي ولا من اي طرف سياسي، وان كانت نواياه صادقة. كما انه ليس هناك ضمان لان لا يتصارع ويتقاتل رفاق السجن والنضال بالامس واليوم على الثروة والسلطة اذا ما فتحت لهم ابوابها. فالسلطة كما يقول ابن خلدون تميل الى التفرد والاستبداد ولا يمنع مستبدا من الاستبداد الا سلطة تردعه عن استبداده وظلمه. وهذا يجعل المسؤولية على كل من يهمهم مستقبل تونس ومصلحة شعبه كي يعملوا جميعا من اجل تحقيق ذلك الغد كي لا ينفرد طرف بالتضحيات من اجل ذلك الغد فيطلب ثماره لنفسه دون غيره فنرث استبداد عن استبداد.
إن هذه الفقرة تتضمن ، كما هو واضح، موقفين متناقضين تماما. فالجزء الأول منها يعبر عن موقف أصولي يؤكد ضمنيا التمسك بالمواقف التقليدية للحركات "الإخوانية" في مجالات العقيدة والأحوال الشخصية وحقوق الإنسان ونظام الحكم وهي المواقف الرافضة للحرية والمساواة واحترام الحرمة الجسدية والديمقراطية والتي لاتجيز الاجتهاد إلا في "الظنيات" (أي في ما ليس فيه حكم)، وهي تقيّد هذا الاجتهاد بالشروط الفقهية المتعارفة التي تحدّ من حرية المجتهد. وهذا الموقف الأيديولوجي، هو موقف غلاة "الإخوان" القطبيين (نسبة إلى السيد قطب) دعاة الدولة التيوقراطية المستبدة بالناس باسم الدين والتي لا تختلف عن الأنظمة المستبدة الحالية إلا بذلك الغلاف الديني، إن لم تكن أحيانا أفظع منها كما هو الحال في السعودية أو في أفغانستان "طالبان" سابقا.
أما الجزء الثاني من الفقرة فيتضمن موقفا "إصلاحيا" ، "تجديديا"، "اجتهاديا"، يتبنى قيما حداثية (الحرية، المساواة، احترام السيادة الشعبية، رفض الإقصاء والإلغاء، إلخ.) ويدرج الحركة في إطار حركات الإصلاح الإسلامي المعاصرة في تونس وخارجها والتي حاولت "تحديث الإسلام" لجعله متوافقا، لا متنافرا، مع المبادئ الليبرالية التي أتت بها الثورات البورجوازية في أوروبا وانبنت عليها أنظمة الحكم في هذه المنطقة، وقد تعددت مقاربات تلك الحركات واختلفت درجات جذريتها وفقا للمناخات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي ظهرت فيها، وقد عبر عنها أشخاص (مصلحون، مجددون...) أكثر مما عبرت عنها مجموعات أو تنظيمات.


---------------
aqlamonline : العدد الحادي والعشرون
السنة الخامسة / فيفري - مارس 2008

http://www.aqlamonline.com/agaaloul21.htm


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.