رصد تقرير صادر عن منظمة حقوقية أوروبية تناميًا غير مسبوق في ظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) في هولندا، محملا الحكومة ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية المسئولية الأولى عن تفشي تلك الظاهرة. وطالبت "اللجنة الأوروبية لمكافحة العنصرية والتعصب" في تقريرها الذي نشرته وسائل إعلام الثلاثاء 12-2-2008 الحكومة الهولندية باتخاذ إجراءات عاجلة للحد من هذه الظاهرة، منها حظر الإساءة للأديان أو الأعراق في وسائل الإعلام، والمناظرات السياسية والبرامج الانتخابية للمرشحين. وفي تقريرها عن العنصرية في دول الاتحاد الأوروبي لعام 2008، ذكرت اللجنة أن مستوى "الإسلاموفوبيا" في تزايد شديد منذ عام 2000، حيث أصبح المسلمون "مستهدفين بسياسيات أمنية وحوادث عنف عنصرية". معظم أفراد الأقلية المسلمة يعانون في حياتهم اليومية من أشكال التمييز العنصري في المدارس وأماكن العمل والمواصلات العامة وفي المباريات الرياضية، إضافة إلى السباب في الشوارع، بحسب اللجنة. معاداة الأقلية المسلمة وأبدت اللجنة قلقها الشديد من "علو نبرة المعاداة للأقلية المسلمة في الخطاب العام عبر وسائل الإعلام والمناظرات السياسية"، محملةً الحكومة، إضافة إلى الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام المسئولية عن وصول الأمر إلى هذه الدرجة "الخطيرة". وأرجع التقرير تفشي "الإسلاموفوبيا" إلى أحداث داخلية وخارجية، أبرزها هجمات 11 سبتمبر في نيويورك، ومقتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ عام 2004 على يد شاب مسلم بعد أن أخرج جوخ فيلمًا مسيئًا للإسلام. ومنذ ذلك الوقت، بحسب ما ورد في التقرير، فإن التساؤل حول حجم "التهديد الأمني والثقافي" الذي يشكله وجود الأقلية المسلمة على سلامة وهوية المجتمع انتقل من الأماكن المغلقة إلى النقاشات العلنية الواسعة، وهو ما اعتبره مسلمو البلاد إساءة بالغة تشكك في ولائهم الوطني. وفي السياق ذاته انتقد التقرير آليات تطبيق قوانين الإرهاب في هولندا، على اعتبار أنه "يستهدف المسلمين بالدرجة الأولى"، مشيرًا إلى خطأ آخر في معالجة المجتمع لخطر الإرهاب وهو "الخلط الواضح بين مفهوم الإرهاب والإسلام في المناقشات العامة، وهو ما انسحب على نظرة المجتمع المريبة لمواطنيه من المسلمين". وإذا كانت اللجنة قد أكدت على قيمة حرية التعبير في المجتمعات الغربية باعتبارها "ركيزة ديمقراطية أساسية"، فإنها انتقدت "جنوح حرية التعبير لتصبح وسيلة يتم عبرها الإساءة للأقليات الدينية والعرقية في أوروبا". مراجعة السياسات الأمنية وفي ختام تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني، أوصت "اللجنة الأوروبية لمكافحة التمييز العنصري والتعصب" الحكومة الهولندية باتباع عدد من الإجراءات للحد من حالة التمييز التي تهدد وحدة المجتمع. ومن بين التوصيات مطالبة الحكومة بمراجعة سياساتها الأمنية كي تنقيها من كل إساءة مباشرة وغير مباشرة للمسلمين، وأن تقوم بكل ما تستطيع لمنع الخلط بين الإرهاب والإسلام في الخطاب الإعلامي والسياسي، مشيرة إلى أن "محاربة العنصرية تعني تلقائيًّا محاربة الإرهاب". وحثت المنظمة السلطات الهولندية على تكثيف جهودها في مراقبة ورصد الحوادث العنصرية كي تحسن صورتها، وتعيد المصداقية لنظامها القضائي، مشيرة إلى أن هذا النظام يحتاج إلى تطوير. كما حثت الشرطة الهولندية على وضع تعريف واضح لماهية "الحادث العنصري"؛ لتسهيل التعامل مع الشكاوى الخاصة به، واتخاذ إجراءات تشجع الضحايا وشهود العيان على التبليغ عن الحوادث العنصرية التي يتعرضون لها. وتعليقًا على التقرير، ذكرت الحكومة الهولندية أنها تبنت بالفعل منذ فترة تشريعًا مناهضًا للعنصرية، وفتحت مكاتب لمكافحة التمييز العنصري في أنحاء الدولة، واتخذت خطوات لمكافحة التمييز في سوق العمل. وكان رئيس الوزراء الهولندي "يان بيتر بالكننده" أعلن يوم 8-2-2008 أن حكومته ستستخدم الوسائل القانونية المتاحة لحظر ارتداء أغطية الوجه (النقاب) في المدارس والإدارات الحكومية، إلا أنه ذكر أن فرض حظر شامل على ارتدائه في الأماكن العامة غير ممكن من الناحية القانونية. وتسود أجواء من القلق في هولندا بعد إعلان النائب اليميني الهولندي جيرت فيلدرس أنه سوف يعرض في مارس المقبل فيلمًا أنتجه يزعم فيه أن القرآن الكريم "فاشي ويحرض أتباعه على القتل والكراهية". وتأمل الحكومة الهولندية التي تنأى بنفسها عن تصريحات فيلدرس، ألا توافق أي من وسائل الإعلام الرئيسية على عرض الفيلم، محذرةً من نشوب ردود فعل بين المسلمين في الداخل والخارج تعيد للأذهان بعض ردود الفعل العنيفة التي صاحبت نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في الدنمارك عام 2005. ويعيش في هولندا نحو مليون مسلم، وينحدر 80% من الأقلية المسلمة من أصول تركية ومغربية، أما ال20% الباقية، فلهم أصول قومية وعرقية وطائفية مختلفة.