مرة اخرى يستقبل العراقيون رمضان بدماء أبنائهم، فيستبدلون السعادة بالحزن والعبادات والطاعات، بالخوف، والترقب من وقوع المزيد من الضحايا، فجاءت تفجيرات بغداد الاخيرة في يوم الاربعاء لتجعل من هذا اليوم اسود مرة اخرى ، مغطيا عا 2009 بوشاح الحزن والمآسي، بالرغم من جميع التطمينات التي تقدمها السلطات التنفيذية والتشريعية باستمرار للمواطنين بتحقيق الامان واستتباب الاوضاع امنيا. التفجيرات جاءت لتهز بغداد من جديد، وتزعزع جميع الاوضاع في هذه المدينة المبتلاة، الامنية منها والسياسية وحتى الاقتصادية، فبالرغم من جميع الاموال الطائلة التي تجاوزت قيمتها الملياري دولار، والتحضيرات والتجهيزات المتطورة التي جهزت بها القوات العسكرية والامنية الداخلية، إضافة الى عشرات إن لم تكن مئات العمليات العسكرية التي قامت بها هذه الاجهزة كبرى كانت ام صغرى، من عمليات دهم، وستراتيجيات خاصة، واعتقالات وغيرها، ملأت بها السجون الحكومية بالمعتقلين من كلا الجنسين ومختلف الاعمار واطياف الشعب العراقي، فبالرغم من كل ذلك إلا ان التفجيرات وزرع المفخخات وتجنيد الانتحاريين وغيرها من وسائل قتل العراقيين، مازالت تتم بسهولة، من دون اي عائق او رادع يمنع وقوعها، او حتى تأخيرها عن موعدها المقرر لها، فما زالت تتم في المكان المراد لها، على وفق المخطط المعد لها. وعموما، فإنك قد تجد في بلدان اخرى غيرالعراق، من يعلن استقالته امام عجزه او قصوره عن ادارة مؤسسة ما او عدم رضا بعض رعاياه على طريقة ادارته، كما حصل مؤخرا عندما أعلن رئيس مجلس العموم البريطاني مايكل مارتن نيته التنحي من منصبه عقب فضيحة نفقات النواب ومحاولاته عرقلة الكشف عن نفقات مصاريف النواب عملا بقانون حرية الإعلام. او حين استقال وزير الداخلية اللبناني حسن السبع عام 2006 في إثر اعمال الشغب في بيروت والتي اسفرت عن جرح نحو ثلاثين شخصا واحرقت خلالها القنصلية الدنماركية. او عندما قدم رئيس مجموعة "سامسونغ" الكورية الجنوبية العملاقة (لي كون) استقالته من منصبه كرئيس لأكبر الشركات التجارية الكورية الجنوبية، في خطوة مفاجئة أعقبت اتهامه بالتهرب من الضرائب وتهمة بحصول تسريبات لمعلومات خلال فترة ادارته مما اجبره على تقديم استقالته. إلا ان الامر الغريب في العراق ، فمهما حصل من تسريب للمعلومات او تفجيرات تستهدف الجسد العراقي، او تخريب للبنى التحتية للعراق، او اختلاسات او ابتزازات او انتكاسات في الاوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فإنك لا تجد اقالة ولا استقالة، لا من سلطة تشريعية ولا من سلطة تنفيذية ، ولا على مستوى مسؤول أو غيره، ولكنك على العكس، ربما وجدت من يعد هذه الامور هي مجرد نوع من التقصير وهي قابلة للمناقشة والحلول. كل هذا قد يضع العراقي المدني بكل ما يمثله من طوائف واديان ، امام تساؤلات عديدة، فهل كانت هذه التفجيرات ضمن سلسلة الرسائل التي تتبادلها الكيانات السياسية عند حصول خلاف سياسي او مكاسب لجهة دون سواها ؟ ام ان مثل هذه التفجيرات الضخمة جرت بتوقيتات موحدة، تتعدى قدرات احزاب وكيانات سياسية لتدخل ضمن اطار اجندات وتصفيات سياسية خارجية على ارض العراق، او انها كانت تكتيكا يدار من سلطة عليا في العراق المحتل، اريد به تحقيق مصلحة محددة وتوجيه رسالة بضرورة بقاء القوات الاجنبية على الاراضي العراقية؟، أو ؟.. أو؟، جميع هذه التساؤلات قد تختلج في صدر المواطن في العراق الجديد، لكن الأهم فيها والسؤال المصيري الذي يقض مضجع كل عراقي شريف هو: هل الحياة العراقية في أيدٍ أمينة ، وهل ان قوى الامن ساهرة على حماية هذا المواطن؟!، أم انها باتت وقفا على مدى تغلغل العناصر التي تخدم اجندات خارجية (عناصر تلعب على الحبلين)، اتهامات يوجهها بشكل مباشر وزير الخارجية هوشيار زيباري بأن تواطئا وعلى مستوى رفيع وقع من الاجهزة الامنية مع منفذي التفجيرات ، ومستبعداً الاقوال التي تقول ان كائنات فضائية هبطت من السماء لتنفذ العملية، ولم يحبذ الوزير الاشارة الى الكوكب المتورط في هذه الهجمات والتي اودت بحياة وجرح المئات من العراقيين المدنيين عند باب شهر الرحمة والغفران، ولكن مشيرا ومؤكدا انه من الكواكب القريبة من الارض . وفي خضم كل هذه التساؤلات والشكوك والاتهامات، قد يدفع بنا طبيعة الحال الى الشك في أن الاموال التي خصصت لوزارتي الدفاع والداخلية قد تدرج مستقبلا ضمن الفساد المالي والاداري ايضا ، دون تحديد الجاني والمجني عليه، اذ ان استمرار وقوع التفجيرات كلما اريد لها الحصول من جهة او اخرى ، وتحقيق الستراتيجيات المعدة من الاطراف التي لا تكُن للعراقي والعراق سوى القتل والدمار، لا يعطي الاجهزة الامنية عذرا حقيقيا للتنصل من المسؤولية ، ولو ان المسؤولين اكتفوا بالمساجلات السياسية عبر الاعلام وخلف كواليس مجالسهم ودواوينهم مرة اخرى، فأن العراقي قد يستشف الجواب لجميع تساؤلاته من دون كلام أو سلام، وسلام على أهل بغداد السلام من دار السلام.