تأجيل محاكمة العميد الأسبق للمحامين شوقي الطبيب إلى 12 فيفري المقبل    القصرين: سائقو التاكسي الفردي يجدّدون احتجاجاتهم للمطالبة بالترفيع في عدد الرخص    رسميا: نعيم السليتي جاهز للمشاركة في كأس أمم إفريقيا    تونس: كيفاش تستعدّ الديوانة التونسية لعطلة الشتاء ورأس العام    فيلم "هجرة" للمخرجة والكاتبة السعودية شهد أمين : طرح سينمائي لصورة المرأة وصراع الأجيال    بعد 13 عامًا..العثور على طائرة مفقودة في الهند    حزب التيار الشعبي يلتقي قيادات من حركات المقاومة الفلسطينية    وفاة رضيع نتيجة البرد القارس في خان يونس..#خبر_عاجل    زيلينسكي: روسيا تتهيأ ل"سنة حرب" جديدة في أوكرانيا    الحماية المدنية: 117 تدخّلا للنجدة والإسعاف بالطرقات خلال ال 24 ساعة الماضية    نهائي السوبر: الترجي ضد النجم – وقتاش؟ وفين تشري التذاكر؟    عاجل: منع جماهير منتخبات عربية وإفريقية من دخول مونديال 2026... وهؤلاء المعنيون    تفاصيل ممكن تغيب عليك كيف تكري دار...أهمّها إجراءات المغادرة والزيادة    تظاهرة كروية جهوية من 23 الى 26 ديسمبر 2025 بالمركز الثقافي والرياضي للشباب بن عروس    الجزائر: رحلات وهمية نحو تونس وعروض وهمية من وكالات أسفار    جمعية أجيال قصر هلال في جبل سمّامة: الجبل يحتفي بالدكتور فنطر    كوتش يفسّر للتوانسة كيفاش تختار شريك حياتك    تزايد حالات التهابات الأنف والأذن والحنجرة: تحذيرات من دكتورة تونسية    تأخير محاكمة الأزهر سطا    دار الصناعات التقليدية بالدندان تحتضن معرض "قرية وهدية" من 22 الى 30 ديسمبر الجاري    معهد الرصد الجوّي يكشف موعد وصول التقلّبات الجوّية    الملتقى الوطني للاتحاد التونسي لاعانة الاشخاص القاصرين ذهنيا من 19 الى 21 ديسمبر 2025 بمدينة سوسة    سيدي بوزيد: اضراب جهوي لأعوان الشركة الجهوية للنقل القوافل    لا تفوتوا نهائي كأس العرب لكرة القدم بين المغرب والأردن..موعد والنقل التلفزي..    فتح باب الترشح لجوائز الإبداع الأدبي والفكري والنشر لمعرض تونس الدولي للكتاب    المسرح الوطني التونسي يقدم سلسلة عروض لمسرحية "جرس" بداية من الجمعة 26 ديسمبر    ندوة حول اللغة العربية وتضافر الاختصاصات يوم 20 ديسمبر 2025 بالمكتبة الجهوية متعددة الوسائط بأريانة    خلال الملتقى الوطني للكورال بجندوبة.. مدرسة البراهمي تترشح للنهائيات الوطنية    الجامعة النيجيرية لكرة القدم توجه إتهامات خطيرة لمنتخب الكونغو الديمقراطية    الاولمبي الباجي يعزز صفوفه بمحرز بالراجح ومحمد علي الراقوبي    رحلات وهميّة نحو تونس: عمليّات تحيّل كبيرة تهزّ الجزائر    عاجل: الدولة تنظّم ''شدّان الصغار'' في الدار...وهذه أبرز الشروط    نائب بالبرلمان: تسعير زيت الزيتون عند 15 دينارا للتر لن يضرّ بالمستهلك..!    اختفى منذ أيام: العثور على جثة شاب متوفي وسط ظروف غامضة..    دراسة تحذر.. "أطعمة نباتية" تهدد صحة قلبك..تعرف عليها..    الستاغ: هاو كيفاش تتمتّع بإجراءات تسهيل الخلاص بداية من 22 ديسمبر    في المرتبة التاسعة: تونس تسجّل أضعف معدّلات الولادات عربياً    عاجل/ بداية من اليوم: تونس تدخل تحت تأثير منخفض جوّي قادم من الجزائر..    بطولة الكويت: طه ياسين الخنيسي ينقذ الكويت من الخسارة امام السالمية    عاجل/ رصدت في 30 دولة: الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    ولاية ثالثة لترامب.. "حديث" يثير عاصفة دستورية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    هدية أسطورية لميسي من ملياردير خلال زيارته الأخيرة إلى الهند    ترامب في خطابه إلى الأمة: الجيش الأمريكي هو الأقوى في العالم    الاتحاد الأوروبي يوافق على قواعد أكثر صرامة بشأن ترحيل طالبي اللجوء    ديوان الزيت يدعو المتدخلين في القطاع لطلب تخزين زيت الزيتون لدى الخواص    ليلة الأربعاء: سماء مغيمة وأمطار متفرقة في هذه المناطق    عاجل: دولة عربية تعلن عن احتمالية اضطرابات في الرحلات الجوية...والسبب الطقس    عاجل/ عامين سجن في حق هذا الفنان..    هام: منظمة الصحة العالمية تحذّر من الانتشار السريع لل Grippe    مستشفى شارل نيكول: نجاح أول جراحة الكلى الروبوتية في تونس    عاجل/ "الستاغ" توجه بلاغ هام للمواطنين..    صندوق النقد العربي: بورصة تونس تتصدّر البورصات العربيّة في ارتفاع القيمة السوقية    شيرين تردّ على ''الكلام الكاذب'' عن صحتها وحياتها    الدكتور محسن حمزة/طبيب ... شباب القرن الحادي والعشرين يريد خطابًا يُحاوره لا يُلقّنه    ندوة «الشروق الفكرية» .. الشّباب والدّين    د. الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة الإسلامية/جامعة الزيتونة.. السّؤال خارج الخطاب التقليدي خطوة لفهم الدّين لا ابتعادا عنه    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجون كثيرة في غوانتانامو أقساها«كامب- 6»حيث يصرخ المعتقلون بالجنود:«كذابون»
نشر في الفجر نيوز يوم 02 - 09 - 2009

معتقل غوانتانامو (خليج كوبا)الرحلة الى معتقل غوانتانامو لا تبدأ لحظة دخول القاعدة العسكرية في الخليج الكوبي وإنما قبل ذلك بوقت طويل. عملياً تنطلق الرحلة لحظة البدء بالإجراءات الإدارية وحجوزات السفر التي تستغرق نحو شهر أو أكثر. فالمكتب السياحي المكلف تأمين تذكرة السفر راح يبحث عن حجوزات الى العاصمة الكوبية هافانا ومنها إلى
غوانتانامو عوضاً عن المرور بأميركا. ذلك ان الموظفة لم تفهم كيف يسافر المرء الى بلد من دون أن يتمكن من عبور مطاره الدولي. أصرت على أن غوانتانامو في كوبا وبالتالي هافانا هي الأقرب. كان لا بد من درس مقتضب في الجغرافيا السياسية للقول إنها أرض أميركية ضمن الجزيرة الكوبية وأنه تم تأجيرها في العام 1903 مقابل نحو ألفي دولار سنوياً، لذا فإن المسافر اليها يحتاج لتأشيرة أميركية وليس كوبية. لم يبد التفسير مقنعاً جداً للموظفة لكنها على الأقل غضت النظر عن مطار «الرفيق» فيديل وانكبت على البحث عن حجوزات عبر مطارات «العم سام».
والواقع أنه من وجهة سياحية، لم تضل الموظفة الطريق. ففي خليج غوانتانامو يتجاور متناقضان. قاعدة عسكرية للبحرية الأميركية، ضمت منذ العام 2002 معتقلاً سيء السمعة، ومحمية طبيعية تعيش فيها أنواع نادرة من الطيور، وموطن تماسيح الإيغوانا، إضافة الى شهرتها بثروتها البحرية ما جعل الخليج وجهة أولى للغطاسين من حول العالم. وبقدر ما يفتح ذلك المحيط الممنوع تصويره لأسباب أمنية، آفاقاً لمحبي الطبيعة والبحار، فإنه يعزل المعتقلين عن العالم الخارجي ويطبق قبضة الجيش عليهم.
هذه العزلة والشعور بالانقطاع عن الكون تتسلل الى المسافرين أيضاً لحظة صعودهم مروحية نتنة الرائحة، تقلهم من مطار فلوريدا وتستوعب نحو 20 راكباً. كنا حفنة من الصحافيين لا يتجاوز عددنا أصابع اليد الواحدة، ومعنا محاميان أميركيان متطوعان للدفاع عن خمسة معتقلين يمنيين بينهم سعودي، يرافقهم مترجم لبناني وعائلات جنود مع أطفال... وسياح.
بدا المسافرون الى تلك الوجهة الغريبة على شيء من الألفة والانسجام في ما بينهم بغير ما هي العادة. وحدها سيدة شقراء طويلة أثارت الكثير من التساؤلات. فستانها الأسود الضيق والكعب العالي الذي تبخترت به في ممرات المطار الجانبي لمطار فلوريدا طوال 5 ساعات هي فترة انتظار الطائرة، تليها ساعتان ونصف الساعة هي مدة الرحلة وبعدها الإبحار بزورق صغير لبلوغ الموقع، بديا ضرباً من الأناقة المبالغة مقارنة بثيابنا الفضفاضة المتسخة. لا تبدو صحافية، قال زميل إسباني. ولا محامية، قال المترجم. هل هي من المحققات اللواتي نسمع عنهن ويحضرهن الجيش الأميركي لإغراء المعتقلين وإضعاف إرادتهم؟ حياكة السيناريوات ال «جيمس بوندية» خففت عنا مشقة الرحلة لكنها لم تبدد حيرتنا، الى ان تجرأ احدنا وسألها عن سبب زيارتها. قالت ببساطة إنها غطاسة محترفة، والغطس في خليج غوانتانامو يمثل إضافة نوعية الى مسيرتها المهنية. التفتت المجموعة بعضها الى بعض، وأومأت على مضض.
الشعور بالعزلة يتعمق أكثر مع هبوط المروحية والانتقال منها الى زورق يحمل زوار المنطقة العسكرية إلى القاعدة ويفصلهم نهائياً عن المدنيين والسياح وحتى المحامين. لم نلتق بعدها بأحد من الذين استقلوا معنا المروحية. ولا تقتصر العزلة على المياه التي تحيط بك من كل جانب ويمنع عليك تصويرها وإن للذكرى، وإنما تتجاوز الجغرافيا الى وسائل الاتصال. فهنا لا شبكة انترنت ولا هواتف خلوية. نظام عسكري يطبق على سكان القاعدة وضيوفهم. قاعة الإنترنت الوحيدة المتوافرة مخصصة للجنود ويمكن دخولها في أوقات محددة برفقة عسكري. هي قاعة ضخمة أشبه بخيمة فيها أجهزة كومبيوتر كثيرة كأي مقهى انترنت وطاولات بلياردو وحيز لمشاهدة التلفزيون مع آرائك كبيرة. الجنود يأتون اليها مساء بعد انتهاء دوام عملهم للتسلية والاطلاع على بريدهم الإلكتروني إذا حالفهم الحظ مع بطء الشبكة. أما نحن، فأجلنا هذا الترف مقابل ساعة نوم إضافية. فالجدول المزدحم والمنهك الذي وضعه الجيش للصحافيين لا يترك لهم أكثر من 4 ساعات راحة يومياً كحد أقصى، لتبدأ الصولات والجولات قبل آذان الفجر المنطلق خجولاً من المعسكر-4 حيث يوضع المعتقلون «المتجاوبون».
«كذابون! كذابون! كذابون...» ارتفعت وتيرة الصراخ المنبعث من المعسكر-6 المخصص للمعتقلين «الخطرين» الخاضعين لحراسة امنية مشددة. «كذابون! كذابون...» راح يردد المعتقلون بأعلى صوتهم من خلف جدران الزنزانات ورافقوا تلك الصرخة بضرب إيقاعي من الأكف على نوافذ مستطيلة ضيقة لا يتجاوز عرضها السنتمترات العشرة. تلا أحدهم بصوت غير مسموع كثيراً آية قرآنية وعاد الصراخ من جديد بالإنكليزية حيناً والعربية حيناً آخر. كان ذلك «الاحتكاك» الإنساني الوحيد مع المعتقلين الذين لا يمكن رؤيتهم في معسكرات معتقل غوانتانامو إلا عبر مسافة بضعة أمتار وأسلاك شائكة.
أن تسمع صوت هؤلاء الأشخاص دقائق معدودة، وأن تحدق في وجوههم من فسحة ضيقة فتشيح نظرك عنهم فيما كنت قبل لحظات تتآكلك رغبة التحديق بعيونهم، يلخص زيارة أيام الى معتقل مثير للجدل كمعتقل غوانتانامو.
تملك الارتباك الحراس وحاولوا السيطرة على الوضع بأن أداروا ظهرهم للمعتقلين وتابعوا شرحهم عن ملاعب كرة القدم وفسحات الرياضة رافعين اصواتهم باضطراد في محاولة بائسة لإخفاء صوت المعتقلين. ثم عندما بقي المعتقلون على صراخهم أنهى الحراس على عجل زيارة الفسحات الخارجية للمعسكر-6 وعادوا بنا إلى الأروقة الداخلية.
معتقل بمعسكرات كثيرة
المعسكر 6 هو واحد من 8 معسكرات أو معتقلات فرعية في القاعدة العسكرية. صمم هو والمعسكر- 5 القريب منه على نسق السجون الفيديرالية في ولايتي انديانا وميشيغان وهما يخضعان للحراسة المشددة لأنهما يضمان المعتقلين «غير المتجاوبين» أي بحسب تفسير بيانات الجيش «الذين يشكلون خطراً على أنفسهم، وعلى الحراس وبقية المعتقلين» إضافة إلى معتقلين «مهمين».
انتهى بناء المعسكر-6 في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006 بكلفة 37 مليون دولار وهو مؤلف من طبقتين تضمان زنزنانات وغرف تحقيق وعيادة طبية فيها عيادة اسنان وخمس غرف للمعالجة. المكان معد لاستقبال 160 نزيلاً وهو مجهز بمكيفات هواء لا «ينعم» بها معتقلو المعسكرات الأخرى. لكن الحرص على المعتقلين ليس وحده الهدف من التكييف.
فهذا المعسكر صمم في البداية كسجن متوسط الإجراءات الأمنية، ثم قبيل الانتهاء منه حدثت «انتفاضة» في المعسكر-4 تلاها 3 عمليات انتحار تقرر بعدها تحويل المعسكر-6 الى معتقل خاضع لحراسة قصوى. وهذا يعني أن الحراس عالقون بدورهم في هذا المكان المنعزل وكان لا بد من تحسين شروط عيشهم وضمان تأديتهم واجبهم في شكل جيد. ويشكل هذا المعتقل الأكثر حداثة محطة انتقالية بين المعسكرين-5 حيث يودع الأشخاص «المشاغبون» و4 المخصص ل «المتجاوبين». فهنا، يعتبر «المطهر» إذا صح التعبير حيث يمضي المعتقلون أوقاتاً إضافية مع بعضهم البعض تبلغ 20 ساعة أسبوعياً تقريباً، ويتابعون حصصاً في الرسم واللغة ويمكنهم من وقت إلى آخر مشاهدة التلفزيون على أريكة مريحة في شكل فردي لمن يستحق مكافأة من هذا النوع. وفي أحد صفوف الرسم جلس نحو 6 معتقلين انكبوا على أوراقهم البيض، فيما الأستاذ يتجول بين طاولاتهم يصحح خطأً هنا أو يجيب عن سؤال هناك. تجاوبهم مع أستاذهم بدا واضحاً من حركة أيديهم يرفعونها حيناً لمناداته، والتفاتات رؤوسهم التي تلاحقه كيفما استدار. أما أرجلهم فمثبتة بالأرض وببعضهم البعض بسلاسل معدنية وقيود.
أحدهم بدا شاباً حيوياً ورياضياً أكثر من غيره. شعره طويل أشعث رفعه عن مقدمة رأسه بما يشبه الظفيرة النصفية، بعضهم ملتح وبعضهم حليق. لا شكل جامعاً بين مظهرهم إلا اللباس المؤلف من قميص أبيض وسروال كحلي وهو زي استعيض به عن الطقم الكامل البرتقالي. في ردهة مشتركة أخرى، تجمع بين زنزانات انفرادية، جلس شابان يتناولان الحلوى ويتحدثان تحت نظرات الحراس.
وإن كان لا يُكشف عن العدد الفعلي للمعتقلين في كل معسكر أو حتى جنسياتهم، إلا أن تقديرات غير رسمية أشارت إلى وجود أقل من 25 معتقلاً في المعسكر-6 وعدد اقل بكثير في المعسكر-5. فاستعدادات إغلاق المكان بدأت، نظرياً على الأقل، وبالتالي ما عاد ممكناً احتجاز الأشخاص بطريقة قاسية جداً قبيل نقلهم أو حتى الإفراج عنهم. والمعسكر-5 هو الذي يعتبر حالياً الأكثر تشدداً وصرامة من حيث معاملة النزلاء، هذا إذا تغاضينا عن وجود المعسكر-7 «السري» الذي لا يذكره أحد. فهو موجود «في مكان ما» لا يمكن زيارته، ولا استخلاص اي معلومة عنه وعمن فيه سوى أن نزلاءه «مهمون جداً». لم نعرف إذا كان منفصلاً عن بقية المعسكرات كغيره أو أنه يشكل فرعاً من أحدها.
وفي الوقت الذي يردد المسؤولون العسكريون أنهم يديرون المكان بشفافية كاملة، وهم مصرون على إظهار الحقائق عبر وسائل الإعلام، يبقى أن «لغزاً» كهذا لا يجد طريقه الى الحل.
والمعسكر-5 أنجز العمل فيه في العام 2004 بكلفة 16 مليون دولار، وهو منذ البداية مصمم ليكون تحت حراسة قصوى على نمط السجون الفيديرالية، يودع فيه المعتقلون من متجاوبين وغير متجاوبين لأنهم إما قياديون في «تنظيم القاعدة» و «حركة طالبان»، وإما يشكلون مصدر معلومات استخباراتية قيمة. أما التمييز بين المتعاون والمشاغب فبالمعاملة وساعات الفسحة الخارجية والتواصل مع الآخرين.
ويتألف المعسكر-5 من طبقتين وجناحين في كل منهما بين 12 و14 زنزانة انفرادية بينها اثنتان مصممتان لأصحاب الإعاقة و4 غرف للتحقيق تسمى غرف «المقابلات» وسعته نحو 100 نزيل.
هذا المعتقل غير مصمم للإخلاء في حال الحريق، لذا فهو مزود بشفاطات هواء كبيرة قادرة على سحب اي كمية من الدخان من دون الحاجة إلى إخلائه. فيه 4 حمامات مزودة برشاش مياه، يسمح استخدامها بين 10 و15 دقيقة في اليوم. لكن لا يمكن للمعتقل الذي يستحم التحكم بسخونة المياه أو برودتها من الداخل، وإنما عليه مناداة الحارس الواقف خارجاً ليعدل له حرارة المياه. ويمنح المعتقل «المتعاون» فرصة إمضاء الوقت مع زميل واحد له مدة 4 ساعات يومياً يمكنه أن يختاره أو قد يختاره له الحارس، فيما «غير المتعاونين» يمنحون ساعة واحدة في شكل انفرادي. ويمكن أن تمضى تلك الأوقات إما في الملاعب الخارجية بلعب الكرة أو بممارسة رياضة المشي على آلة مثبتة بالأرض. وتحظى المجموعة المتعاونة كل يومي اثنين وجمعة بأوقات جماعية لنحو ساعتين يتخللها تناول وجبات الطعام. ولا يغفل الجنود المرافقون للصحافيين تنبيههم الدائم بنسخ معاهدة جنيف الملصقة في الأروقة والملاعب على مرأى من المعتقلين، ويدعونهم لتصويرها، في إشارة إلى احترام القوانين الدولية في إدارة المكان، وتدليلاً على «المعاملة الإنسانية».
التعذيب لم يعد القضية الأولى
قد يكون صحيحاً إلى درجة بعيدة أن لا تعذيب في غوانتانامو منذ سنوات كثيرة، وأنها في حال وجدت في السابق فالجيش ليس المسؤول المباشر عنها وإنما محققون محترفون من ال «سي أي آيه»، وأكثر من ذلك أن التعذيب الفعلي جرى في بلدان أخرى وعلى يد محققين «محليين». كل ذلك قابل للإثبات والنفي لكن قضية غوانتانامو ما عادت قضية انسانية تنحصر في التعذيب وإنما صارت مسألة قانونية وسياسية.
هي قانونية لأنه مهما كانت ظروف الاحتجاز لائقة وإنسانية ومترفة، (ربما) تبقى في النهاية غير قائمة على أرضية دستورية أو قانونية إلا «واقع أرض المعركة» وهو واقع لا تعترف به المعاهدات والقوانين الدولية ولا حتى قوانين الحرب. لكن الحجة التي يقدمها المدافعون عن إقامة المعتقل تفيد أن صفة أسرى حرب تمنح لمقاتلي دولة معروفة، يرتدون زيها العسكري ويقاتلون تحت علمها. أما مقاتلو «طالبان» و «القاعدة» فلا ينتمون إلى أي كيان دولي وهم لا يعترفون بالمواثيق الدولية ليستفيدوا منها في حال وقوعهم في الأسر. إضافة إلى أن احتجازهم في مكان مثل غوانتانامو هو «لإبعادهم عن أرض المعركة حيث يشكلون خطراً وليس لمحاكمتهم أو معاقبتهم». لكن في الوقت نفسه، ثمة من أمضى 7 سنوات خلف القضبان من دون توجيه تهمة إليه، ولا محاكمته لتبيان إن كان مذنباً أم بريئاً.
هي أيضاً قضية سياسية لأن مصير نحو 229 معتقلاً بينهم نحو 100 يمني معلق بمفاوضات دول وتحالفات وبرامج تأهيل لم تعرف نتيجتها بعد. كيف تقنع الولايات المتحدة بلداناً أخرى باستضافة من ترفضهم هي على أرضها وتطلب ضمان تصرفات أشخاص ليس من سبيل إلى ضمانها؟ ومن الدول المطروحة لاستقبال المفرج عنهم بعض بلدان أوروبا الشرقية وجورجيا مثلاً. لكن ماذا سيكون موقف روسيا من رفد الساحة الجورجية بخريجي معتقل مثل غوانتانامو؟
مسألة شائكة أخرى هي مجموعة متبقية من أقلية الإيغور الصينية بعد الدفعة التي أفرج عنها في وقت سابق وأرسلت إلى جزر الباهاماس. المجموعة المتبقية الآن تعد نحو 20 شخصاً اتخذ القرار بالإفراج عنهم لكنهم لا يزالون في معسكر «إيغوانا» الأكثر رفاهية. الصين قبلت استقبالهم وهم من يرفض العودة هذه المرة خوفاً من الملاحقة والاضطهاد، ويطالبون بالمقابل بمنحهم اللجوء السياسي في أميركا، وهو طبعاً ما تم رفضه. وإلى حين البت بأمرهم يمضي هؤلاء أيامهم في معسكر «إيغوانا» (التماسيح التي تشكل شعار الجزيرة)، أكثر المعتقلات هدوءاً. فهو مطل على البحر من ناحية، وعلى الجبل من ناحية أخرى. غرفه واسعة أشبه بشاليهات متراصفة وضعت أمامها كراس بلاستيكية وشماس. يتنقل المعتقلون فيه بحرية ويمارسون بعض أعمال الزراعة البسيطة، يساعدون الحراس في نقل المياه ويدخلونها معهم الى المطبخ، حيث يمكنهم أن يتناولوا الطعام مع بعضهم البعض. حتى الحراس أنفسهم يشعرون بنوع من الترقية أو المكافأة عندما ينقلون إلى هذا الموقع على رغم الحر الحارق. فهم هنا أكثر استرخاء وارتياحاً وهم يتحدثون مع المعتقلين أكثر من أي مكان آخر.
هذه حالة قصوى تقابل حالة المعكسر-5. أما المنزلة بين المنزلتين فالمعسكر-4 الذي يشكل جزءاً من معسكر دلتا. فيه يودع الأشخاص «المتعاونون» الذين لا يشكلون خطراً على أنفسهم ولا على الآخرين، إضافة إلى الذين تقرر الإفراج عنهم بانتظار تحديد وجهتهم. يعيش المعتقلون هنا في شكل جماعي أكثر، وهم ليسوا ملتزمين بنوع واحد من الثياب، كما يمكنهم الخروج من غرفهم، وتناول الوجبات معاً ولعب الكرة الطائرة وكرة المضرب ومشاهدة الأفلام على الأقراص المدمجة وبعض المحطات الفضائية منها قناة «الجزيرة».
أما المعسكرات 1 و2 و3 فهي خالية حالياً شأن معسكر «اكس راي» الذي نقل اليه المعتقلون في 2002 وطبع المكان بسمعته. فالأشهر الثمانية التي قضتها الدفعات الأولى من المعتقلين فيه غطت على السنوات السبع اللاحقة. الصور الأولى التي خرجت عن المكان لمعتقلين بالزي البرتقالي وفي أقفاص مكشوفة هي التي شكلت رمز معتقل غوانتانامو وربطت بغيرها من صور المعتقلات الأميركية في العراق أو أفغانستان فما عاد ممكناً محوها من الأذهان.
هنا، وضع «مقاتلون أعداء» حصدوا من ارض المعركة في أفغانستان وباكستان بعد أن مروا بسجون سرية هناك وفي بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا. الأقفاص المنتصبة على أرضية من الباطون لا تصلح لاحتواء الماشية. هي أقفاص متلاصقة تفصل بين نزلائها شباك حديدية وبينها ممرات علا العشب الاستوائي فيها حتى بدت متروكة وسط اللامكان. خارج صف الأقفاص وضعت مرشات مياه للاستحمام الذي لم يكن مسموحاً به دائماً. وكان المعتقلون يرفضون الاستحمام في الهواء الطلق وأمام أعين الحراس وبعضهم البعض. فعزلت المرشات بحواجز خشبية ثم أضيف على الأقفاص قساطر كأنها قساطر مياه، فيها فوهة هي لقضاء الحاجة. «لكن المعتقلين رفضوا استعمالها وكانوا يقومون بذلك على الحراس عندما يمرون»، قال أحد الجنود المرافقين. ذاك تصرف سيتحول لاحقاً إلى أحد معايير التمييز بين معتقل «متجاوب» وآخر «غير متجاوب» الذي على أساسه تحسن شروط الاعتقال.
هذا المعسكر هو أكثر ما يؤشر الى انقطاع القاعدة العسكرية عن العالم وعن قانون أي بلد. وتلك هي المنشأة الوحيدة التي كانت موجودة قبل نقل معتقلي «طالبان» و «القاعدة» اليها. فهي استخدمت مطلع التسعينات كسجن لاحتواء اللصوص والمجرمين من أفواج اللاجئين من هايتي وكوبا. وتوقف العمل فيها أواسط التسعينات قبل أن يعاد إحياؤها في 2002 مع بدء الحرب على الإرهاب، واعتبر السجن حينها معتقلاً موقتاً ريثما تبنى بقية المعسكرات لتبدأ مرحلة جديدة من حياة النزلاء.
غداً حلقة ثانية من الحياة الداخلية للمعتقل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.