باريس - رغم تعرضها الدائم للانتقادات وسط الأقلية المسلمة بفرنسا فإن فضيلة عمارة وزيرة الدولة لسياسة المدينة والتي تعرف بمواقفها النسوية، برزت في الأسابيع الأخيرة من خلال وضع بصماتها على مشروع "أمل الضواحي" الذي يهدف للنهوض بالفرنسيين من أصول مهاجرة، وتوفير العمل لهم ومحاربة التمييز ضدهم. وتتمثل الخطوط العريضة لمشروع "أمل الضواحي" في برنامج لدمج حوالي 150 شابًّا ينقطعون عن الدراسة سنويًّا بفرنسا، معظمهم من شباب الضواحي، خاصة في الأحياء الأكثر فقرًا عن طريق إعادة تكوينهم ودمجهم في مراكز مغلقة. ويهدف مشروع "أمل الضواحي" لإيجاد 45 ألف فرصة عمل جديدة لهؤلاء الشباب، كما يطمح لخفض نسبة البطالة في الضواحي الفرنسية إلى 40% عما هي عليه اليوم. ويوصي المشروع "أمل الضواحي" بالمتابعة الدائمة للتلاميذ في المدارس من أجل الحيلولة دون انقطاعهم عن الدراسة في أوقات مبكرة؛ وهو الانقطاع الذي يؤدي عادة لدخول عالم الجريمة والانحراف. وعلى كل وزارة فرنسية تقديم توصياتها ومساهمتها فيما يتعلق بمشكلة الضواحي. وفي هذا الإطار تعقد فضيلة عمارة اجتماعًا اليوم الخميس 14-2-2008 مع وزير التربية الفرنسي؛ لبحث ما يمكن أن تقدمه وزارته في هذا المشروع. وتعليقًا على مشروع "أمل الضواحي" والذي زكّاه الرئيس نيكولا ساركوزي قال رشيد قاسي المستشار الخاص بسياسة المدينة في قصر الإليزيه في ندوة صحفية بمركز الصحافة الأجنبية بباريس الأربعاء 13-2-2008: "إن المشروع يعتبر نقلة نوعية في التعامل مع مشكلة الضواحي الفرنسية". وأضاف قاسي: "في الثلاثين سنة الأخيرة والتي حكم فيها اليمين واليسار لم نشاهد فيها إجراءات ملموسة لإخراج الضواحي، وأعتقد أن المشروع بصيغته الحالية هو مشروع واعد وجدي من أجل مدّ اليد إلى شباب الضواحي". ذر الرماد في العيون وفي موقف مناقض، قال عبد الحفيظ الخميري مدير تحرير جريدة جنراسيون (أجيال) الموجهة للجيل الثاني والثالث من أصول مهاجرة "المشروع وصاحبته فضيلة عمارة يفتقدان للمصداقية ومحكوم عليهما بالفشل". وأضاف الخميري في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" "ساركوزي استعمل فضيلة وقدمها على كونها من أصول عربية لحل مشاكل الشباب الفرنسي من أصول مهاجرة، ولها بعض الخبرة في العمل الميداني في إدارة جمعيات صغيرة". لكنها، بحسب الخميري، "لن تقدر على حلّ ملف الضواحي الأصعب في فرنسا والذي عجزت كل الحكومات المتعاقبة حتى الآن على حله، وخاصة أن صورة فضيلة سيئة في صفوف الأقلية المسلمة، بالنظر إلى مواقفها المتهجمة دومًا وغير المحترمة تجاه المتدينين". ويختم مدير تحرير جريدة جنراسيون قائلاً: "هذا مشروع لذرّ الرماد في العيون، ولن يحل مشكلة الضواحي فأصحابه يفتقدون للمصداقية، وإذا أرادت الحكومة فعلاً حل تلك المشاكل يجب عليها دمج الجمعيات الفاعلة بالضواحي، وإشراك أكبر قطاع من الممثلين الاجتماعيين في الضواحي بعيدًا عن الضجة الإعلامية لفضيلة عمارة وغيرها من الدمى التي يستعملها اليمين الحاكم حاليًّا". شغب الضواحي وعاشت الضواحي الفرنسية طوال السنوات الثلاثين الأخيرة أحداث شغب و"انتفاضات"؛ بسبب البؤس الاجتماعي والتمييز الذي يُطال الشباب الفرنسي من أصول مهاجرة. وآخر هذه "الانتفاضات" ما حدث سنة 2005 والتي عرفت في وسائل الإعلام الفرنسية "بأعمال شغب الضواحي" والتي شملت أغلب ضواحي المدن الفرنسية بعد مقتل شابين فرنسيين من أصول مسلمة في مدينة "كليشي سو بورا" شمال باريس. وفي خطوة رمزية اعتبرها البعض رسالة موجهة إلى شباب الضواحي من أصول مهاجرة، قام الرئيس ساركوزي بعد وصوله إلى قصر الإليزيه بتعيين 3 مسلمات من أصول مهاجرة كوزيرات وهن "رشيدة داتي" وزيرة العدل ورحمة ياد الوزيرة المكلفة بحقوق الإنسان وفضيلة عمارة الوزيرة المكلفة بسياسة المدينة. المدافعة الشرسة وبرزت فضيلة كأكثر النساء الثلاثة حدّة في الدفاع عن الفرنسيين من أصول مهاجرة حتى ضد الحكومة التي تنتمي إليها، حيث وصفت بند "الجينات الوراثية" الذي ورد في قانون الهجرة الجديد بأنه "يدعو للغثيان". ووفقًا لهذا البند يتم فرض فحوصات جينية وراثية "دي.إن.إيه" على كل راغبي الهجرة لفرنسا للالتحاق بعائلاتهم، بهدف إثبات صلة القرابة. ولا تتورع فضيلة في المجالس الوزارية التي يترأسها ساركوزي عن استعمال لغة شباب الضواحي في أوصافها، ولا تخجل من ذلك، حيث تقول إنها تعبر عن فرنسا العميقة وقطاع كبير من شبابها. كما عرفت فضيلة (44 سنة) في الأوساط الفرنسية بكونها ذات مواقف نسوية بدفاعها الشرس عن حقوق المهاجرات، حيث أسست منظمة "لا عاهرات ولا خاضعات" سنة 2002. وبالرغم من كونها لا تحمل أي شهادة علمية فإنها برزت في القنوات التلفزيونية كمحاورة بارعة وناقدة باستمرار للإسلاميين؛ وهو ما اكسبها حظوة خاصة لدى الإعلام الفرنسي. وتذكر فضيلة عمارة أنها أولاً وقبل كل شيء مدافعة عن الفرنسيين من أصول مهاجرة ضد العنصرية التي يتعرضون لها في مواطن العمل، حيث لا تخفي أنها تأثرت كثيرًا عندما كانت مراهقة بمشهد أخيها الأصغر يضرب ويهان بعبارات عنصرية من قبل أحد رجال الشرطة الفرنسيين. وتنحدر عمارة من أسرة فرنسية من أصول جزائرية، حيث ولدت في أحد ضواحي مدينة ليون بوسط فرنسا في أسرة تضم 12 فردًا بين بنات وفتيان. وعاشت فترة طفولة ومراهقة قاسية جعلتها تنخرط مبكرًا في العمل الأهلي من خلال منظمة "إس إس راسيزم" (النجدة العنصرية)، وأصبحت من حينها مدافعة عن الفتيات من أصول مهاجرة واللاتي يتعرضن للاضطهاد والفرنسيين من أصول مهاجرة ضد العنصرية.